17 أبريل، 2024 3:56 م
Search
Close this search box.

امي زرعتها…بذرة الايمان

Facebook
Twitter
LinkedIn

القلب كما الارض تستقبل البذور وتنمو فيه اذ ترعاه المشاعر كما ترعى الارض النبات وتمده بما يمكنه من الحياة .

هكذا كانت امي تردد كلماتها على مسامعي دائما وتضيف:

لتكن بذرة قلبك بذرة خير ومحبة وبهذا تحيا بسلام مهما كانت تصرفات الاخرين ازاءك فأن شمس الخير ستضيئ عتمة القسوة وان نور المحبة سينير ظلمة الجهل والظلم والظلام.

وحين تراني مستغرقا في التفكير لإدراكمعاني كلماتها الصعبة على فهم طفل لم يتجاوز سني الطفولة تضيف قائلة:

لتكن عواطفنا نسمات فجر مشرق تلثم شفاه زهور التمنيات الطيبة والاماني العذبة.

لم تزل تلك الكلمات تتردد على مسامعي واعيش لحظات انصاتي اليها ويرتسم وجه امي الذي كان اذ ذاك يتفجر حيوية وشباب وهي ترنو بعينيها الى السماء  لتقول لي (ليس لنا الا الله تعالى)

حين اصمت ولا اجيب تدعوني لأرفع يدي اليه مرددا

يا الله 000يا الله 000يا الله

………………….

حين استذكر سني طفولتي لا اجد فيه غير صورة أمي………….

صورة أمي في ذاكرتي عطر فواح استمراريجه عبقا على مدى السنين كأنه زهرة تأبى الذبول وتأبى ان تسقط عن عرش شجرة تضحياتها الجسام.

هي أمي…..

نشأت يتيما اذ فقدت ابي في حادثة مروعة انهت حياته وهو لما يزل شابا في مقتبل العمر وتركنا انا واخواتي الثلاث ايتاما وكنت الصبي الوحيد والاصغر بين اخواتي اللواتي يكبرنني سنا وان كن لم يزلن في سني الطفولة فكان عمر أختي الكبرى حين وفاة ابي ثمان سنوات والوسطى في السادسة واختي الصغرى في سنتها الرابعة واما انا فكان لي من العمر سنتان فكانت امي الارملة التي لم تكن تملك من مورد ولا تجد من معيل هي المسؤولة عن اسرة واطفال فكانت طفولتنا بائسة تحملت فيها امي عبء ثقيل واصرت ان تبلغ بنا بر الامان وتحقيق الاماني ولم يكن لديها من تستند عليه او تمد نحوه يدها الا الله تعالى وهي في صلاتها وتهجدها تتوجه اليه بايمان بالغ ويقين مؤكد بأنه لن يتركها.

لقد حفلت طفولتي بقصص واحداث كثيرة وثقت في روحي ذلك الايمان واكدت ذلك اليقين واذكر منها على سبيل المثال انني ذات يوم رافقتها لإداء مراسيم زيارة ضريحي الامام الحسين واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام وحين عدنا الى البيت مررنا بأحد الاسواق فاستوقفتني لعبة صغيرة وطلبت الى امي ان تشتريها لي لكنني فوجئت بنظرة شزراء حادة ومن ثم امسكت بيدي وسحبتني بقوة رغم ممانعتي وسارت بي الى البيت وهي تؤكد لي انها غير قادرة على شرائها لي ليس لرغبة منها في ذلك لكنها حقا لا تملك المال الكافي لشرائها وان كانت اللعبة رخيصة الثمن في ذلك الوقت لكنها عاجزة عن توفيرها لي ……..

بالطبع وانا في سن الخامسة من العمر اي بعد ثلاثة اعوام من وفاة والدي لم يكن ذلك الامر اي (رفض شراء اللعبة) مستساغا لي ولست افهم سبب رفض شرائها على الرغم من ان امي اخبرتني انها لا تملك ثمن تلك اللعبة الا ان الامر كان بالنسبة لي قاسيا وجارحا فانا مجرد طفل اريد ان تتحقق طلبتي وفي ذهني  ان من واجب امي توفير ما اطلب أما الظروف التي تعانيها وقلة ذات اليد فهذا مما لا تدركه مداكي ولا يصل اليه فكري .

لذا عمدت الى البكاء وهو سلاح الاطفال الذي لا يجد الاهل ازاءه الا الاستسلام وتلبية تلك الطلبات أما امي فكانت تبدو كمن لا يرى دموعي ولا يصل مسامعها صوت بكائي ونشيجي ليس لقسوة في قلبها ولا لجفاء في عواطفها ولكن لقصر ذات اليد .

مضى يوم وانا مستمر على البكاء وطلب شراء تلك اللعبة بشكل دائم تقطعه فترات غير منتظمة لضرورات النوم او الطعام ومضى يوم آخر وتبعه آخر وتبعه يوم حتى بلغت ايام البكاء اربعة ايام وهنا امسكت امي بيدي وصعدت بي الى سطح الدار وهناك ظهرت القباب الذهبية لضريحي الامام الحسين واخيه ابا الفضل  العباس عليهما السلام وقالت لي بالحرف الواحد :

انظر ياولد …ارفع وجهك لله تعالى ومد اليه يدك بالدعاء واجعل وسيلتك اليه امامك الحسين واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام  وقل حاجتك فان الله تعالى سيحقق لك ما تريد ليس لهذا الامر البسيط وانما لكل امر يواجهك الان او مستقبلا ليس هذا فحسب بل ستجد ان هناك امالا كبيرة ستتحقق لك على مدى ايامك وسنواتك القادمة………………………………….

الحق كان لحديثها فعل السحر في نفسي وانا في تلك السن الصغيرة فقد زرعت في روحي الايمان واليقين لأنها تقول كلماتها وهي مؤمنة بصدق ذلك القول وموقنة من تحقيق ذلك الامر وفعلا توجهت بالدعاء لله تعالى ان يمد لنا يد العون ويحقق امانينا ويغير عسرنا الى يسر .

وحقا هذا ما حدث…

انا اليوم شاب في السابعة والثلاثين من العمر وقد حققت الكثير الكثير من الاماني والامنيات والآمال بفضل الله تعالى وصدق بذرة الايمان التي زرعتها امي بصدق ايمانها .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب