22 ديسمبر، 2024 11:22 م

1991 اطبق الحصار فكَيّه ِبشكل كامل على البلاد وفي كل الاتجاهات واحيط بسورٍ من حديدِ المراقبةِ والتفتيشِ لنصبح في سجن منعزلٍ في جزيرةٍ.
كانت البيوت زَنازينَ موصدةِ الابوابِ ومحاطة بقضبانٍ من حديدٍ وحجرٍ.
حكموا على الكل بالموت .اتخذوا قرارهم ،لايهم ان يموت طفلا اوشيخا او….
كنا نتقاسم الرغيف وحبات الرزِ وملاعق السكر والشاي.
الغيت بل ازيلتْ العديد من اصناف الطعام من الموائد ،ونسيَّ الاطفال الحلوى واللعبَ وملابس الاعياد.

 

لا اتذكر تاريخ ميلادي وميلاد ابنتي الصغيرة هدى لكني اتذكر جيدا الحدث عندما ذبحت بيوم مولدها بَطّة ريشها كوجهها. رغم احمرار الانف واغمضاض العينيين واكتسابه سحنة بلون الارجوان من الولاده.
كان كل شي يطبق علينا ،كعلبة سردين نتكور داخل البيت المتكون من غرفتين أُفْترشتْ أَحدهما ببساط صُنِعَ من بقايا الملابسِ حاكهُ صانِعَه بأتقانٍ وفنٍ اكسبه زغرفةً وجمالاً.
بحثتُ في الغرفتين عن شيئٍ يستحقُ البيعَ لاكمل ماتحتاجهُ الطفلةُ،من حليبٍ وتغذيةٍ لامها.
كان خاويا الا من البساطِ وكتباً كانت يوماً رفيقةَ دربٍ من الصغرِ الى الشبابِ ثم هذا المعتقل.
اعتصرني الالم نظرتُ اليها كنظرتي لطفلتي كانت جزءً من تكويني وخلقَ شخصيتي و آدميتي اتفاخرُ باخرِ ماقرأت واقتنيتُ منها،كنتُ اقتطعُ جزءً من مصروفي الشهري ايام الدراسة متنازلا عن لقمةٍ او كأسٍ اشتهييه لاشتريها.
وعند زيارتي للاهل ِايام العطلِ فيسرعُ اخوتي فرحاً لاستقبالي مفتشين عن حاجةً داخل الحقيبةِ،
كانت امي تقول لهم
لاتفتشوا في حقيبته ؟
لاشئ فيها غير الكتبِ
انسحبتُ من الغرفةِ لعليَّ اجدُ ما يغيرُ قراري الصعبُ ويسكنُ ما بداخلي.
وقفتُ عند بوابةِ البيتِ
فلاحظت زوجتي تكرار التردد وصعوبة القرار،
ا كانت تعرفُ مكانتها لديَّ
اتركها لاتفكر سيدبرها الله..
كأنيَّ لم اسمع كلماتها.
انسحبتُ واغلقتُ الباب خلفي لاتوجه الى الجانب الاخر من المدينةِ سيراً على الاقدامِ
إعصاراتٌ مثل الامواج تدور بين الرأسِ والجوفِ تتصاعد ،تمتد ،تكبر كدوائرٍ وتنكمش كخيطِ الماءِ
احاول ان أُثِقلَ الخُطى واتمنى ان يمتد الشارع الى ما لانهاية
اتوهم اصواتاًوهواجس بين الفزع والفرح تنادي خلفي
لا اكترث بمن صادفني او القى عليَّ التحية
في نهايةَ النور اجد نفسي امام اول النفق المظلم
كان مفترشا الارض بضع مجلاتٍ وكتبٍ تمزقتْ اغلفة بعضها معروضةً للبيع.
هل تشتري كتباً ؟ بادرته دون تحيةٍ
نعم استاذ،اين هي؟
في البيت.
هاتهم.
لا استطيع فهم كُثر
صف لي العنوان ؟وساتيك غدا.
لا اليوم. لاني محتاج ثمنهم.
لا استطيع ،لانه وقت البيع ِاذا في بيعٍ ورزقٍ من الله لان الناس لاتقرأ هذه الايام الكل مشغولٌ بلقمة العيشِ وصعوبة الحياة..
لكننا جالسون هنا لاننا لانعرف مهنة اخرى …

اني محتاج ثمنهم لابد من اليوم عاودت ُالكلام.
هناك حلٌ، انتظر بعد المغرب عندما انهي عملِ وسآتِّ معك.
وافقته الرأي واخذتُ الشارع ذهابا وايابا تمرُ الدقائق اثقل من حركةِ سلحفاةٍ،ومتوسلا الى الله ان يعطْ ثمناً جيداً بها.
في الغرفة نثر المشتريّ الكتب منتقياً بعضاً منها وساخراً ببعض العناويين من عدم وجود من يقرأُها.
وبين رفضي بيع بعض المجموعات وتمسكهِ بشرائها والا ستفشل الصفقةِ انتهينا الى ثمنٍ كالسكين في رقبة ِدجاجةٍ مريضةٍ .
في صباح اليوم التالي اشتريت علبتا حليبٍ من حليب التموين وبطةٍ لهدى
لاعود بهما جذلاً ،منتصراً .في معركتي ولانظر الى بقايا فلساتٍ
في يدي
كمن يمسك الماء بيده.