23 ديسمبر، 2024 5:23 م

احترقت الايام يوما يجر الاخر في دوامة الحياة المتعاقبة ،وبدلت المواسم ثيابها ، فمنها من ارتدى ثوبا ابيضا ومنها من تلفع بالسواد ، انها حكاية عام مضى لم تكتمل نهايتها ،وقفنا مع فجر عام جديد نتلمس الاشياء عسى ان نجد في طياتها ملامح مشروع من الامنيات اطلقناها منذ زمن ، وحاولنا مرات ومرات ان نستعيد تلك الاحلام ، لكنها لم تكن سوى ذكريات متحجرة ، تسمرت في مواضعها او تجمدت قبل موعد اطلاقها لتبقى معلقة على جدران حمر تراصفت في احشائنا قسرا.
امنيات ابت مغادرة خنادق الالام ولم تتزحزح عنها ،فهي اليوم مرتعها وربما موطنها الابدي ، تآلفت معه حتى صارت جزءا منه ، لكننا ما فقدنا الامل ،وما زلنا نبحث عن امنياتنا في دياجير الظلمة والعتمة ، وبين مدارات الفصول المنسية واوكار الشرقد نجد امنية واحدة افلتت من اغتصاب الارهاب ، لكن دون جدوى.
اجبرناتعب السنين وكثرة الامنيات المفقودة على الاعتراف بان تلك الامنيات كانت مجرد ذكريات بلا طعم ، هجرتها الايام ومسحتها اوهام انتظار سنين خلت ،بعد ان عجزنا عن اقتفاء اثر احداها.
نسينا كل الامنيات او تجاهلنا البوح باصغرها وتشبثنا جميعا بامنية واحدة لا يحدها زمن معين ، بل هي باتت ديدنا نستغيث به في كل يوم او ربما في كل ساعة .. انها (الامان) حيث تساقطت الامنيات من مخيلتنا كما تساقطت اوراق الايام في التقويم السنوي.
تلاشت الامنيات من النفوس وظل (الامان) يتربع على عرش الاحلام والدعوات ،والغريب ان يكون (الامان) امنية شعب باكمله امتدت الى زمن ليس بالقصير.
من اصعب الاشياء ان تكون الامنيات دواء لعلاج وباء طالت اذرعه بلا رحمة كل اطراف معمورتنا ،لكننا لم نجد سواها مرهما لجراحنا ، فهي الوسيلة الوحيدة التي تنقل حياتنا من لهيب النار الى حديقة وارفة الظلال رغم انها ليست كذلك ولكنها تبقى في صميم الاماني.
نعرف ان الامنيات هي قصور الفقراء وثروة المعدمين ،ونعرف ان الامور والمشاكل لاتعالج بالامنيات لانها راس مال المفلسين او نوع من انواع الترف البرجوازي كما تسميه بعض الاحزاب السياسية.
تناسى التاريخ امانينا ، وصفحاته شاحت بوجهها الى الامها فقط ،لان التاريخ كما هو معروف لا يكتب الا عن الحروب والبؤس والفقر ،وتبقى اوراق الفرح فيه فارغة.
ودعت الاشياء احزانها الا امنياتنا ،فقد استسلمت لاعدائها الدمويين ، عندما ذبحوها بسكاكين الارهاب والواقع.
اليوم يحتفل الناس بعام جديد ،فهل يتذكرون امنياتهم التي ولدت ميتة مضرجة بالدموع ،ام انهم سيبقون مواظبون على اطلاقها بانتظار من يضع تلك الامنيات على الارض او انها ستبقى مؤجلة؟