23 ديسمبر، 2024 6:10 م

امريكا وسياسة خلط الاوراق اقليمياً و دولياً

امريكا وسياسة خلط الاوراق اقليمياً و دولياً

قبل عدة عقود من السنين، شعرت الولايات المتحدة الامريكية، أن هناك قوى اقتصادية وعسكرية متنامية بوتيرة عالية في اكثر من موقع جغرافي في آسيا، ومنها الصين والهند بصورة خاصة، ودخولهما مرحلة غزو الفضاء، وثم جمهورية ايران الاسلامية عدا نفوذها المذهبي في المنطقة. وفي امريكا الجنوبية ظهور كل من الدولتين، الارجنتين و البرازيل في مجال الصناعات الخدمية وغيرها. أما في اوربا . فكان ظهور روسيا كقطب اقتصادي وسياسي وعسكري و فضائي، بديلاً عن الاتحاد السوفياتي السابق، ومؤثراً نسبياً في الساحة الدولية، واصبح لها حساب لدى الغرب عامة وامريكا خاصة. وان جميع هذه الدول الخمس المذكورة اعلاه، خارج الاحلاف العسكرية والتي لها تأثير فعال في الساحة الدولية، ومنها حلف (ناتو) وبقيادة الولايات المتحدة الامريكية ايضاً. ولابد لهذه الدول أن يكون لها تأثير مباشر على النفوذ الاقتصادي وثم العسكري والسياسي في الكثير من الدول، وتزاحم النفوذ الغربي بهذه الدرجة او بتلك. وكان قد طغى على القطب الواحد ( ممثلاً بالولايات المتحدة الامريكية) خلال العقود المذكورة، الكثير من الغرور والغطرسة. وخاصة بعد نجاحها في اسقاط النظام الطالباني الديني المتشدد في افغانستان عام 2001. والنظام القومي العروبي المتطرف في العراق عام 2003. وثم نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2012. وجميع هؤلاء الحكام من صنعها مع الكثير من الحركات الدينية الاسلامية السلفية المتشددة، والتي ظهرت في دول الشرق الاوسط العربي الآسيوي والافريقي، وفي مقدمتها الدول الخليجية، واحتضان قياداتها من قبل عدة دول اوربية، ومنها بريطانيا- فرنسا – المانيا. الى جانب الحاضن الرئيسي – امريكا – ومساهمة الدعم المالي والبشري والعسكري لهذه المنظمات، كل من السعودية و قطر والبحرين والكويت وتركيا وغيرها. كل هذه الظواهر التي ازعجت الدول الغربية بصورة عامة وامريكا بصورة خاصة، واستفحل خطرها على شعوبها من الناحية الامنية والثقافية والاجتماعية. ونؤكد الى جانب ذلك الخطر الداخلي عليها والذي اربك الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية لها خارج جغرافيتها الادارية والسياسية. فبدأت الدول الغربية المذكروة وبقيادة امريكا. بخلق بؤر ومناطق مضطربة أمنياً، بتحريك الشرائح السياسية الدينية والقومية والطائفية النائمة، ودعمها مادياً وعسكرياً ولوجستياً. بدءاً لما سمي بالربيع العربي لغالبية الدول لشمال أفريقيا ومنها تونس- ليبيا- مصر، وفي آسيا – اليمن – البحرين. وثم التركيز المباشر على سوريا بأشعالها الحرب الاهلية فيها ومنذ ثلاث سنوات، وعجزها من اسقاط نظام بشار أسد فيها. وثم امداد عمداً وبشكل مدروس لهيب التطرف الديني والقومي وباطار (مذهبي) مستقطب في العراق بين السنة والشيعة من جهة، وبين العرب والاكراد قومياً وبشكل شبه ظاهر من الجهة الثانية. ولازالت الحروب الاهلية مستمرة في غالبية الدول العربية المذكورة بدون استثناء. مع بعض الاطفاء في مصر بسبب نجاح الثورة الشعبية ( النهضوية ) واسقطت حكم الاخوان المسلمين الذي دام سنة واحدة وذلك عام 2013. لم تستكن الولايات المتحدة بهذا المستوى من خلط الاوراق الاقليمي في الشرط الاوسط. فكانت قد حركت القوى اليمينية المتطرفة سابقاً في بعض دول اوربا الشرقية ومنها يوغسلافية.

والكل يعلم بما حل بها وتمزقها الى عدى دويلات مستنسخة غير فاعلة. وثم تحركها في اوكرانيا الأقرب الى روسيا كاستفزاز لها ومحاولة ضمها الى الحلف العسكري الغربي – ناتو – وما تشهده داخلياً بشكل حرب استنزاف في بعض أقاليمها الشرقية التي تطالب بالانفصال عنها. كما لم تغفل أمريكا تحرشها بدولة الصين الشعبية بتحريك حليفتها اليابان بحرياً ومطالبتها ببعض الجزر الواقعة في بحر الصين الشرقي وفشلها بذلك. ثم تحريك عملائها داخل الصين كالتيار السلفي المسلم المتشدد في الاقليم الغربي منها. والاضطراب الأمني الداخلي ايضاً في اقليم هون كونك، وقد تفشل فيه ايضاً كما هو متوقع. ولا زالت تحرك الزعيم البوذي – دالاي لاما – في اقليم التبت. وهكذا فأن المتابع السياسي لما آل اليه الوضع في سوريا مؤخراً من تنامي القدرات العسكرية لهذه الفصائل السلفية المتشددة ومنها القاعدة – جبهة النصرة. واخيراً لما يسمى ( داعش ). وامتداد أوج حريقه الى العراق واحتلال مساحات كبيرة من المحافظات الشمالية – خارج أقليم كوردستان – ومنها نينوى – الانبار – صلاح الدين – ديالى -. واقتراب اللهب الى حدود العاصمة بغداد. عدا لما لهذا التيار بعض النفوذ في محافظة بابل جنوب العاصمة وغيرها. حتى وصل الأمر في الاشهر الاخيرة الى انهيار التام لجميع فصائل القوات المسلحة العراقية وفشلها في صد هذه الحركة التي احتلت الكثير من المدن الرئيسية – الموصل- وتلعفر، وهيت وفلوجة والرمادي وتكريت وغيرها. الى جانب استفحال الارهاب اليومي في جميع المحافظات تقريباً، بمعنى أن امريكا فعلاً نجحت في خلط الاوراق في الكثير من مناطق العالم الساخنة. واصبحت الباكية على شعوبها والداعية الى سرعة محاربة هذه التيارات المتطرفة . وفي مقدمتها – داعش – واستنفرت المحفل الدولي وهيئة الامم المتحدة للمساهمة المباشرة عسكرياً جواً وبراً. بغية جني الحاصل من سياستها العدوانية وابقائها القطب الواحد المتلاعب في مسيرة الشعوب الغلوية والضعيفة. وجعل هذه المناطق في مخاض دائم. وخير دليل على ذلك ما حل بالشعبين السوري والعراقي من هجرة الملايين من ابنائها الى الكثير من دول الجيران – تركيا – اردن – لبنان – وفي مقدمتهم بالنسبة للاقليات الدينية خاصة من المسيحيين واليزيدية والتركمان من سهل نينوى. وهجروا قراهم بنسبة 95% واكثر وبدون هدف، لا بل الى مصير مجهول لان عصابات – داعش – اكتسحت قراهم بصورة مفاجئة وبدون اية نجدة من القوات الحكومية المركزية تذكر وبعد سقوط مدينة الموصل مباشرة في 10/6/2014 وبدون اية مقاومة.