الدين حقيقة ضرورية للتماسك الاجتماعي وقد يعني للمجتمعات المسلمة، التي يخضع فيها الوعي الفردي خضوعاً شبه مطلق للوعي الجمعي، المجتمع ذاته. لكن علينا أن لا نتجاهل بأن الإسلام جزء من منظومة كونية لا يمكن أن يجد الإسلام السياسي فيها مكانا بالعنف والتقوقع على الذات. الغرب يؤمن بالعلمانية، السبب لا القدرية، كوسيلة لاكتشاف الحياة والارتقاء بمستواها المعيشي على حساب الدين. لذلك نجد بأن الدين في المجتمعات الغربية جزء من الحريات والممارسات الشخصية التي لا تتعارض مع القانون الذي يضمن الأمن والعدالة فيها.
بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، حدث خلل خطير بين مفهوم العلمانية والدين، ليس في المجتمع الأمريكي فقط، ولكن في العالم. عندما قسم الرئيس الامريكي السابق، جورج بوش، العالم إلى محور للخير متمثلاً بامريكا والقوى المتحالفة معها، ومحور للشر متمثلاً بالإرهاب الإسلامي والدول التي تأويه. أعلن رئيس الدولة العظمى حرباً عقائديةً جعلت جميع الذين يدركون خطورة اللعبة التي يمضي فيها الرئيس الامريكي يصابون بالدهشة. تسبب موقف رئيس الوزراء الكندي السابق جان كريتيان من الحرب في خسارة الديمقراطيين امام المحافظين عندما أعلن استغرابه من الخطاب الامريكي ورفضه المشاركة في حرب احتلال العراق واصفاً إياها بحرب الدول الغنية على الدول الفقيرة، اما الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك فكاد شعر رأسه أن يقف وهو يكشف للإعلام عن تفاصيل المحادثة التي جرت بينه وبين جورج بوش بعد احداث البرجين واصفاً استجابته بالصدمة عندما اخبره المتحدث بأن الحرب على أفغانستان والعراق حرب مقدسة
تمهد لظهور المسيح. حروب العقائد من اخطر الحروب لانها لا ترتكز على أسباب مادية يمكن قهرها أو التوصل إلى اتفاقيات لمعالجة اسبابها، الحروب العقائدية قضية معنوية تتعلق بالوجدان. حروب يستغل فيها الاعداء علاقة تاريخية متأصلة في النفس البشرية منذ إنسان عصر الكهوف. إعلان الحرب على الإسلام لا يعني احتلال أفغانستان والعراق، بل حتى الشرق الأوسط. انه يعني إعلان الحرب على التاريخ واحتلال الزمن منذ نزول الوحي على النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى الزمن الذي جعلت فيه الاستراتيجية الامريكية من التنظيمات الاسلامية الارهابية المخلص لانتشال أمته من ضياع التصدي لعدوانيتها. من هنا رفس التاريخ في فم رجل البيت الأبيض ومن هنا بدأت الكارثة.