23 ديسمبر، 2024 1:25 م

امريكا لن تتكفل بحماية  أحد.. اذا ما تضررت مصالحها ..!!

امريكا لن تتكفل بحماية  أحد.. اذا ما تضررت مصالحها ..!!

الحكومات في المنطقة  تنتخب وفق مقاييس مصالح الدول الاقليمية والدولية ، فلا حكومة في منطقتنا الا وعليها  اشارة ((صح)) في دوائر القرار العالمي ، بل وعليها شروط ووصايا وضوابط تحتم على تلك الحكومات ((المنتخبة)) الالتزام  والخضوع لها دون جدل أو نقاش ، الا ان الغريب في حكام تلك الحكومات هو الغرور والجهالة التي تدفعهم باتجاه ارتكاب الاخطاء القاتلة  ، وكأن تلك القوى الدولية والاقليمية ستبقى دوما تتكفل بحمايتهم من السقوط في الحضيض ، سقوط صدام حسين لم يكن عملية عسكرية للإطاحة به وفق ما تمليه مصالح الغرب عموما بل كانت رسالة  تحذيرية في ظرف مفتوح لكل حكام المنطقة ، ومضمونها كان محصورا  في جملتين ( لا مصالح فوق مصالح الغرب وأمن اسرائيل ) ولا ( مجال للمجاملة ولا مساومة على حساب المصالح الاقتصادية) بمعنى ان اي خروج من هذا المبدأ هي مصيبة وكارثة ،  كما حصلت مع نظام صدام حسين حين اراد ان يتحول الى بطل قومي في المنطقة على حساب المصالح الدولية ، دون ان يدرك الى حجم الخطأ الذي يرتكبه بحق هذه المصالح الامريكية والغرب عموما  ، حتى تجاهل بسبب الغرور مكانته في القراءة الامريكية والغربية عموما له و(لبهلوانيته)  التي ما كانت لا يمثل بها  الا نفسه ، وان عروبيته التي تشدق بها طويلا قد أرهقته  دون ان يدرك  ان العرب سيتركونه وحيدا ، ويغادرونه حين تهب ساعة الحساب …
لذا فحين تبدأ مسيرة الافلاس لهذا النوع من  الحكومات التي تفقد من ثقة الراي العام بها ، تبدأ معها  رحلة العد التنازلي للضياع والتخبط وفقدان الرؤية للأثار الناجمة عن القرارات الخاطئة التي اتخذتها في غفلة من تداعياتها المستقبلية  ، ولنا في ذلك أكثر من دليل على ما نزلت من مصائب وويلات على حكام  المنطقة  حين تجاهلوا بسبب الغباوة السياسية لقرائتهم  للأحداث ، ودفعوا الثمن غاليا ….
ومن هنا فان هذه التلميحات في مقدمة مقالنا  لهذا الاسبوع ليست مبنية على خيال ، بل هي حقيقة ربما يتجاهلها السيد نوري المالكي  نتيجة للمشورات التي تقدمها الاطراف المقربة منه  وبالاستناد عليها وضع نفسه ودولته في (ورطة ) سياسية كبيرة ، وبالتأكيد سوف لا يخرج منها الا مستسلما على ضوء قراءتنا لهذه اللعبة الامريكية  التي اجادت فن وضع قواعدها على اسس مصالحها الستراتيجية المهددة من كل صوب ،  خصوصا بعد ان أستحب المالكي  التعهدات  الامريكية خلال زياته الاخيرة لهذه الدولة ، بمساندته ودعمه لمحاربة هذه الجماعات التي لا يتقدمون شبرا واحدا الى داخل العراق الا تحت انظار الاقمار التجسسية  المنتشرة في سماء المنطقة ، و التي تراقب كل صغيرة وكبيرة في طبيعة المجريات التي تتجاهلها حكومة نوري المالكي  ، ورغم ذلك فهو ماض في تخبطاته السياسية ويتخذ من القرارات الفردية التي يريد بها ان يكسب ود من يبحثون عن وده ورضائه ، ويدفعونه تحت شتى المسميات باتجاه ارتكاب اكثر من خطأ …
ان أزمة القاعدة في الرمادي اثبتت تماما من عدم قدرة الحكومة على احتوائها بالشكل الذي تنهي هذه العقدة المستعصية ، و التي تؤكد كل المؤشرات ان السيد المالكي مرتبك ومتشائم من سير العمليات العسكرية ضد هذا التنظيم   ، والذي لم يستطع الى الآن حسم هذا الملف المتشابك رغم الامكانيات الهائلة عددا وعدة التي يتفوق بها على عناصر هذا التنظيم العسكري المعادي الذي يباغت ويهاجم ويحتفظ بالمواقع التي يحتلها ..
اذن قراءتنا للمشهد العراقي بشكل عام الذي ينقسم على عدة محاور التي بدأت رقعتها  تزداد سوءا يوما بعد يوم ،  منها ما يتعلق بطبيعة الصراع الدائر في الرمادي والمناطق المحيطة به،  مرورا ببغداد العاصمة التي تعاني من الفلتان الامني بسبب عجز القوات الامنية من احتواء مخابئ  الارهاب وعناصره الضالة ، وانتهاء بأزمة تمرير قانون الموازنة دون توافق بسبب مسالة صادرات النفط   في اقليم كوردستان..
واخيرا وليس أخرا حملته الدعائية للانتخابات البرلمانية القادمة التي يخدع بها نفسه قبل ان يخدع العراقيين ، هو ترويجه السياسي الباهت لتحويل عدة اقضية الى محافظات بقرار ذو مغزى سياسي واضح لا يدل الا على قصر النظر في كيفية التعامل مع ما يحيط به من أزمات خانقة ، والذي اراد به ان يقطع السبل باتجاه تشكيل الاقليم السني الذي يجد فيه سنة العراق عموما خطوة تنجيهم من خطر الزوال عن الساحة السياسية والمذهبية التي اصابتها  الكهول بسبب حدة الضغوطات الشيعية التي فرضت نفسها على الواقع العراقي بعد عملية سقوط النظام في نيسان من عام 2003 ، وهذا يعني ان السيد نوري المالكي بدأ يتخبط  بانفعال شديد لتغطية فشله الذريع في احتواء أزمة القاعدة في الانبار التي انهكته على ضوء المؤشرات الميدانية على ارض الواقع ، ولم يجد سبيلا يجنبه من ضغط الشارع السني  له الذي بدأ يدرك حجم الدوافع السياسية من وراء استهدافهم بهذا الشكل  المخيف …
وعلى هذا الاساس يبدو ان السيد المالكي  قد وضع نفسه في زوايا حرجة حين فضل ان لا يكون بمستمع جيد لهموم المواطن العراقي الذي بدأ يكشف بلا خوف عن استيائه لحكومة مشلولة لا تتمكن من توفير الامن والاستقرار لمواطنيها ، ولا يستمع الى راي شركائه السياسيين بقدر ما يعتمد على المشورات الاقليمية والدولية المقدمة اليه في تبنيه للعديد من القرارات  السريعة التي لا تصب في مصلحة العراق بشكل عام ، بل تزيد من أوضاعه سوءاً…
لذا فان غياب ذهنية التخطيط الاداري والسياسي في حكومة السيد المالكي قد عززت من الراي القائل بان الولايات المتحدة الامريكية لن تفرط بمصالحها في المنطقة ، وسوف تبني كل الاحتمالات للبحث عن البديل لهذه الحكومة التي وقفت على تفاصيل تشكيلها قبل السنوات الاربع الماضية  اذا ما فقدت من قدرتها على مواجهة التهديدات التي تضر بمصلحتها السياسية والاقتصادية ،  مهما تبجحت هذه الحكومة بارتباطاتها الستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية ، والتي ستصبح في حكم المنتهي  حين تظهر ملامح خسارتها للمعركة التي تخوضها على المستوى السياسي  لنجاح التجربة  أو على مستوى محاربتها لتنظيم القاعدة في العراق…