كتاب المسار الامريكي؛ ملاك ام شيطان للأمريكي، ديفيد راي غريفين؛ الكتاب بمجمله وثيقة ادانة للسياسية الامريكية منذ النشأة الاولى وحتى نهاية ولاية ترامب؛ في تعرية الروح العدوانية لهذا السياسية، والتي هي، في الاول والاخير، كانت ولم تزل لخدمة الرأسمالية الامريكية. لم تتعرض الولايات المتحدة لأي اعتداء خارجي بعد استقلالها، انما، هي من قامت بالاعتداء على الدول والشعوب، التي ترى امريكا ان من مصلحتها الاقتصادية والاستغلالية السيطرة على تلك الدول، والتي من سوء حظ شعوب تلك الدول، حيازة اراضي اوطانهم؛ على ما يغري بيوتات المال الامريكية، من موقع استراتيجي وثروات معدنية او غيرهما، من الثروات التي يسيل لها لعاب دهاقنة تلك البيوت المالية. لكنها مع ذلك وفي جميع غزواتها لدول العالم، سواء ما كان منها في القرن العشرين او في القرن الحادي والعشرين، او ما كان منها في امريكا اللاتينية، او جنوب شرق اسيا او في غربها او في المنطقة العربية؛ اتبعت الطرق الملتوية والتي تلوي اعناق الحقائق على الارض، في مخالفة واضحة، لما هو يجري على الارض، انما، وفي جميع هذا؛ تتخذ الخطوات الملائمة، والتي تظهر امريكا، وكأنها، هي من اعتدى عليها ومس كرامتها ومصالحها، في حين، ان الحقيقة، هي غير هذا بصورة كاملة. امريكا تتخذ تلك الخطوات، وفي جميعها؛ يكون من ضحيتها امريكيين، لتُوفر الارضية والاجواء التي تخلق راي عام امريكي مساند وداعم لها، اي لهذه السياسية العدوانية. لتبدو من انها، تحترم ارادة الشعب الامريكي، وبالتالي المُشرع الامريكي، سواء في الكونجرس او في مجلس النواب، وبهذا تحافظ على المسار الديمقراطي، انما الحقيقة هي غير هذا، بصورة كاملة. “انه في اكتوبر تشرين الاول 1940قدم ماكولم للرئيس روزفلت خطة للاستدراج اليابان للقيام بالخطوة الاولى…* من الضروري ان تدخل الولايات المتحدة الحرب…* لن يسمح الراي العام الامريكي للحكومة في الوقت الحاضر، بأعلان الحرب على اليابان من دون مبررات”. ص184. يسلط الكاتب ببراعة وضمير حي؛ على جرائم الولايات المتحدة، بحق الشعوب والدول في جميع اركان المعمورة. يوضح في اكثر من مكان في هذا الكتاب الوثيقة؛ كيف ان امريكا، تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول. وان سياستها الحقيقية تظل باستمرار مدفونة تحت سطح الاحداث، كل ما هو ظاهر من سياستها على السطح ما هو الا كذب وخداع، اما الحقيقة فهي لا تظهر الا حين تبدأ الولايات المتحدة بجني ثمار ما دمرت من الدول والشعوب، عندما تتمكن منها وتصبح تحت رحمتها، بعد ان تنزع منها اسنان مقاومتها. وهذا كله يجري بتغطية اعلامية واسعة النطاق والفاعلية والاقناع، وفي صناعة رأي عام، سواء ما هو امريكي او ما هو، في المجال الدولي، او في المجال المحلي لدولة الهدف الامريكي. الولايات المتحدة الامريكية، حسب الوثائق الدامغة التي اوردها، كاتب هذا الكتاب الوثيقة، وهي وثائق غير قابلة للنفي او الطعن في صدقيتها، وبأقلام صانعي السياسية الاستراتيجية الامريكية، من خبراء الاستراتيجيات في مؤسسات البحوث الاستراتيجية، الذي يقدمون الدراسات الاستراتيجية للإدارات الامريكية، كي تعمل بها او تعمل على تنفيذها على ارض الواقع، بتخليق الظروف السياسية والعسكرية او غيرهما، التي تتيح لهذه الادارات، الظرف الملائم للتنفيذ. قسم كبير من هؤلاء، اما وزراء او اعضاء في مجلس النواب او في الكونجرس. لقد ابتلت الدول والشعوب في غرب الكرة الارضية، ولاحقا في جنوبها وشرقها؛ سواء بالضم بالقوة العسكرية، اي اقتطاع قسم كبير من اراضي احدى الدول، وضمها الى الولايات المتحدة، كما هو، قد حصل مع المكسيك. بالإضافة الى تغيير الانظمة بالإعمال المخابراتية عبر وكلاءها من عسكريي البلد المستهدف، أو بالعمل العسكري غير المباشر، بغطاءين، غطاء جوي، وغطاء سياسي، ( حقوق الانسان، وتوفير الامن والاستقرار..) حتى وان وصلت الى الحكم بالطريق الديمقراطي؛ كما هو الحال في تشيلي، وفي الفلبين، وفي كولومبيا، وبنما، وغرينادا، وايران الشاه( مصدق الذي وصل الى رئاسة الحكومة عن طريق صناديق الاقتراع)، ودول اخرى، كثيرة؛ عندما يكون النظام ورئيسه، لا يخضعان لسياستها، ويتبعان سياسة مستقلة على الصعد كافة وبالذات الاقتصادية منها. او بالغزو والاحتلال؛ للهيمنة على مقدرات البلد المستهدف، من دون اعارة ادنى اهتمام للقانون الدولي والاخلاق، وأمن وسلامة الدول وشعوبها، ومن دون ان تهتم بما ينتج عن غزوها واحتلالها من خراب ودمار وسفك للدماء، وما يحدث من جراء احتلالها من مذابح. جميع هذا الذي اشرنا اليه؛ وثقه الكاتب الامريكي المخضرم، ديفيد راي غريفين، في كتابه؛ المسار الامريكي؛ ملاك ام شيطان: – الولايات المتحدة الامريكية؛ تستخدم زورا وبهتانا؛ حقوق الانسان ونشر الديمقراطية وايضا مصلحة الشعوب، عندما تستهدف دولة بعينها من اجل تغيير نظامها السياسي بما يتماشى مع سياستها، اي جعلها دولة تابعة لها بصورة او بأخرى؛ في خطاب اعلامي علمي ومبرمج، كي تبدو وكأنها تدافع عن مصالح هذا الشعب وحريته وتوقه الى حياة افضل. بتخطيط وارادة واضحة من امريكا العميقة، والإدارة الموكل لها عملية التنفيذ، وهما يدركان ان ما يفعلاه محض كذب ورياء وخديعة، للتغطية على الهدف الحقيقي، حتى يتم تمريره بسهولة، كما خططت له.( انما الحقيقة في الواقع على الارض مختلفة تماما، لجهة وعي الشعوب لمسارات الغش الامريكي..):-” اذا حددت اهداف الحرب على نحو يهتم حصرا بالإمبريالية، الأنغلو أمريكية، فأنها لن تؤثر على الشعوب في بقية انحاء العالم، وستكون ضعيفة.. يجب التأكيد على مصالح الشعوب.. في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. سيكون لهذا تأثير دعائي افضل.” ص 160. بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانتهاء حقبة الحرب الباردة، تسيدت الولايات المتحدة العالم، لتقف المعمورة على قرن الثور الامريكي. ولتبدأ حقبة من اكثر حقب كوكب الارض، ظلما وعدوانا واستهتارا بحياة الشعوب والدول، من بوش الاب والذي قام باحتلال بنما، الى وبوش الابن- تشيني اللذان غزا واحتلا العراق. كما ان الولايات المتحدة لم تقم بما يفترض بها ان تقوم به، بسبب انتهاء المنافسة او التهديد السوفيتي لها ولحلفائها، بل على العكس تماما؛ فقد قامت بزيادة الانفاق العسكري لتقوية اذرعها العسكرية والمخابراتية، وضمان فاعليتها وقدرتها في الوصول الى اي مكان من الكرة الارضية، لإتمام هيمنتها، كما تصورت وهما، وخططت تنفيذا؛ على العالم واخضاع الدول والشعوب فيه، لسياستها؛ بفعل عسكري مباشر او غير مباشر، او بأعمال تخريب في داخل الدول المستهدفة. وهي في هذا التوجه السياسي والعسكري، والمخابراتي؛ ضربت عرض الحائط، القانون الدولي والاخلاق. كما في الاقتباسات التالية:- “اشار فوك(ريتشارد فوك) الى قيام ادارة بوش- تشيني ب: 1- استخدام الارهاب الهائل في هجمات 11سبتمبر/ ايلول، كذريعة لمهاجمة بلدان ليس لها علاقة بهذا الارهاب. 2- سعي الادارة الامريكية لتحقيق التفوق العسكري، بالتوازي مع رفضها اية قيود يفرضها القانون الدولي، أو الامم المتحدة. 3- التحرك نحو تعزيز سلطة الدولة، على حساب الحقوق السياسية والمدنية. 4- مزيج خطير من الحماسة الدينية والجيو سياسية”. ص 31 – “صدر توجيه من مجلس الامن القومي الامريكي، يقضي بتأسيس مكتب تنسيق السياسات، الذي فوض القيام بعمليات سرية في جميع دول العالم، وكانت هذه العمليات تشمل: الدعاية وحربا اقتصادية، وعملا استباقيا مباشرا، بما فيها التخريب والهدم…. واثارة القلاقل في الدول المعادية”. ص 409 – “وكما جاء في وثيقة دليل التخطيط العسكري سيئة الصيت عام 1992، فيما يخص الغزو العراقي للكويت: يتجلى هدفنا الاجمالي بان نبقى القوة المهيمنة في المنطقة، ونحافظ على حصول الولايات المتحدة والغرب على نفط المنطقة”. ص 440 – “عندما سئلت المندوبة الامريكية في الامم المتحدة مادلين اولبرايت، ان كانت ترى ان العراق يستحق دفع هذا الثمن، ردت بطريقة بغيضة، كما رد الرئيس بوش على سؤال مشابه حول بنما: انه سؤال صعب، ولكن، نعم. نحن نعتقد بانه يستحق. ربما( مؤكد، وليس ربما..) كان سينظر للأمر بطريقة مختلفة، لو انه كان يتعلق بحياة نصف مليون امريكي”. ص450. في الختام نقول: ان الولايات المتحدة ليس في وارد سياستها، في التعامل مع الدول والشعوب بما فيها حلفائها من الدول الكبرى، بطريقة ندية ومتوازنة، ومتكافئة لجهة المصالح المشتركة، الا اذا اجبرت على ذلك، أو رأت ان من مصلحتها ان تتعامل بطريقة متوازنة مع دول بعينها؛ لضمان اصطفافها على ذات دربها وسياستها وصراعاتها مع اندادها، محور الصين- روسيا مثلا، حتى تضمن تطويقهما، وحرمانهما من زيادة مساحة نفوذهما في العالم على حسابها. وهي في هذا تعمل على استثمار صراع الدول مع بعضها البعض، سواء كان على الحدود اي خلافات حدودية او امور اخرى؛ كمثال على هذا التوجه، بناء علاقات تكاد تكون او هي في الطريق لتكون شراكة استراتيجية مع الهند..