5 مارس، 2024 5:15 ص
Search
Close this search box.

امريكا بايدن: تكتيكات استراتيجية

Facebook
Twitter
LinkedIn
أزداد الحديث في الآونة الاخيرة، وبالذات، عند دخول جو بايدن البيت الابيض على رأس الادارة الامريكية؛ من ان المنطقة العربية لا تقع ضمن اولويات الادارة الجديدة، ويذهب اخرون ابعد من هذا؛ بان امريكا تخطط للانسحاب التدريجي من المنطقة العربية او انها تريد ان تخفف من تواجدها في المنطقة؛ ويرجعون السبب في هذا التحول، الى ان الولايات المتحدة، منشغلة بأمور اخرى اكثر اهمية من المنطقة العربية او منطقة الشرق الاوسط. وهنا لنأخذ العراق كنموذج؛ يقول الكثير من المحللين وكتاب الرأي؛ بان امريكا غير مهتمة بالعراق وهو اي العراق لا يشكل اية اهمية لها اي امريكا. هذه الآراء وغيرها الكثير، تتعارض تماما وبالكامل مع واقع ما يجري على الارض، من خطط امريكية في هذا الخصوص، سواء ما تم تنفيذه او ما هو ينتظر الظرف والبيئة السياسية المحلية والاقليمية والدولية؛ للتنفيذ. العراق يشكل قلب محور الحركة في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة العربية وجوار المنطقة العربية؛ الذي تدور حوله جميع اذرع الاستراتيجية الامريكية، للأسباب والدوافع التالية، وهي اسباب ودوافع جيوبوليتيكية:
اولا؛ العراق كما قلنا، هو قلب منطقة الشرق الاوسط، وهو موقع مهم من الناحية الاستراتيجية لأى قوى عظمى تريد او تخطط لبسط سيطرتها على المنطقة بأكملها من خلال او بواسطة قواعد عسكرية ثابتة على ارضه..
ثانيا؛ العراق يمتلك في باطن ارضه اكبر حزين عالمي من النفط الغاز، وهاتان المادتان، مادتان استراتيجيتان مهما قيل ويقال بخلاف هذا، فهو اي هذا القول ما هو الا محض كذب وخداع. ربما الولايات المتحدة لا تحتاج الى النفط في الوقت الحاضر او حتى في المستقبل، بفعل استثمارها في النفط الصخري، حين تكون الأسعار ملائمة تجاريا، عندما تكون مرتفعة. لكن النفط والغاز، مادتان اساسيتان في صراع النفوذ بين القوى العظمى وعلى وجه الحصر بين امريكا والصين حاليا بدرجة اقل، وبدرجة كبيرة جدا في المستقبل، او في الأمد المتوسط من هذا المستقبل..
ثالثا؛ امن اسرائيل المستدام، والذي يدخل العراق كعنصر مركزي، في استدامة هذا الامن. وهذا لا يمكن له ان يتحقق الا ببسط السيطرة الامريكية عليه بصورة او بأخرى، اي تحييده، بإخراجه عن الصراع العربي الاسرائيلي..
رابعا؛ بناية السفارة الامريكية والتي هي، اكبر سفارة امريكية في العالم، حتى انها، اكبر من اي سفارة امريكية في دول الاتحاد الاوربي. وهي عبارة عن مدينة مكتفيا ذاتيا داخل مدينة بغداد العاصمة، والتي استغرق العمل في تمام بناءها لعدة سنوات، والذي بدأ البناء فيها، بعد الاحتلال مباشرة. ان امريكا، أذ، تبني سفارة بهذا الحجم وبهذه المواصفات التي تجعلها مكتفيا ذاتيا؛ ليس في نيتها وتفكيرها وخططها؛ ان لا يكون العراق جزءا مهما جدا في استراتيجيتها الكونية في المنطقة العربية..
خامسا؛ امريكا لها او انها بُنِت لها قواعد ومراكز تواجد وانتشار، في العراق، منتشرة على ارضه، في الشمال والوسط والجنوب، وفي العاصمة بغداد؛ في كردستان العراق، على مقربة من الحدود العراقية الايرانية، وفي مطار بغداد، وفي قاعدة عين الاسد، وفي ذي قار، وفي H1. ان الولايات المتحدة، أذ، تبني هذا العدد من القواعد، ومراكز الانتشار، ليس في وارد مشاريعها المستقبلية، المغادرة الا في حالة واحدة ان تجبر على هذه المغادرة.. ان جميع ما اوردناه؛ يؤكد، من دون ادنى شك؛ ان العراق يقع في صلب الاهتمام والاستراتيجية الكونية الامريكية..
ان الحديث عن ان امريكا بايدن غير مهتمة بالعراق، ما هو الا ضحك على العقول قبل ان يكون عملية غسيل لهذه العقول؛ بإظهار امريكا وكأنها لم تخطط للاحتلال العراق، على مدى عقود، ولأهداف استعمارية، وهي محاولة لتجميل صورتها او انها قامت بغزو العراق لخطأ في التقدير والحساب، وليس تنفيذا، لمخطط أُعِد مسبقا ولزمن طويل قبل وقوعه او قبل القيام بتنفيذه على الارض. المنطقة العربية، والعراق هو الجزء المهم منها؛ تشكل بمجموعها قاعدة استراتيجية لا غنى عنها باي شكل وباي صور من الصور في ظل احتدام الصراع بين القوى العظمى للسيطرة على مقدرات دول العالم الثالث، وبحدود محددة، وبطريقة مختلفة، على الدول متوسطة القوة والقدرة والحجم، بفعل حيازتها( المنطقة العربية) على عناصر القدرة والقوة التي تكتنزهما باطن ارضها وممرات الملاحة الدولية، وطرق المواصلات الاخرى، كونها تقع في موقع يتوسط القارات. ننقل هنا بالنص ما قاله، ستولتنبرج، الامين العام لحلف الناتو، في مؤتمر ميونخ للأمن إنه “يتعين على أوروبا وأمريكا الشمالية( يقصد الولايات المتحدة الامريكية) الدفاع عن النظام المستند لقواعد دولية، ويتم تحديه من جانب قوى استبدادية”( يقصد روسيا والصين).
وذكر أن “الصين وروسيا تحاولان إعادة كتاب قواعد الطريق من أجل مصالحهما الخاصة بهما”.
وأضاف أنه بسبب ذلك يتعين على الناتو تعزيز العلاقات مع شركاء مثل استراليا واليابان، والمضي قدما في تحالفات جديدة حول العالم. وشدد على أنه “عبر تحرك مشترك فقط، يمكننا أن نشجع آخرين على القيام بدور وفقا للقواعد”. في خضم هذا الصراع المحتدم، هل يمكن لأمريكا، او لأوروبا؛ التخلي عن المنطقة العربية، (والعراق في القلب منها)، وتركها للقوتين العظميين، الصين وروسيا، وهي ( المنطقة العربية) على ماهي عليه كما سبق لنا القول فيه؛ من امتلاك جميع عوامل هذه القوة والقدرة، الجواب هنا وبكل وضوح، ان هذا محض غش وحرف للوقائع، والتغطية على مشاريع الهيمنة الغربية، على مقدرات المنطقة العربية ولعقود قادمة، ومن اهمها كما قلنا؛ هو العراق الذي يمتلك ثاني اكبر احتياطي للطاقة، ويقع في قلب منطقة الشرق الاوسط. عليه، فان القول بان امريكا غير مهتمة بالعراق، وهي في وارد تركه لمصيره، قول ان كان بحسن نية فهو قول يجانب الحقيقة او ان من يقول به، لم يوفق في القراءة العميقة لمشهد الصراع بين القوى العظمى على مناطق النفوذ، والمجالات الحيوية على ظهر المعمورة، وللمشاريع الامريكية الصهيونية؛ للاستحواذ على المنطقة العربية ومنها العراق، وجعلهما، مجال النفوذ الحيوي الاستراتيجي لأمريكا والكيان الصهيوني. في هذا السياق، وفي ظل الضربات المتلاحقة على قواعدها، على ارض العراق، لإجبارها على المغادرة، ولقرار البرلمان العراقي، الذي طلب من الحكومة العراقية، العمل على أجلاء القوات الاجنبية من ارض الوطن؛ وللتغطية على وجودها في البلد، بتغليفه بثوب دولي، او، وهو الاصح بثوب حلف الناتو والتي تشكل امريكا الثقل المركزي فيه، على صعيد عديد الجنود والضباط، والقيادة والاهداف. على مسارات، هذا التوجه؛ اعلن الناتو من انه سوف يزيد من قواته لأغراض التدرب والاستشارة (وهي فرية اخرى)، من 500 عنصر الى اربعة الاف عنصر، بناءا على طلب الحكومة العراقية. ان هذه العملية، هي لإضافة الصبغة الشرعية والقانونية للوجود الامريكي على ارض العراق، والذي هو وبكل تأكيد لمصالح جيو استراتيجية غربية وصهيونية، بزعامة امريكا، تدخل في صلب الصراع والتنافس الدولي بين القوى العظمى على هذه المنطقة ذات الاهمية الاستراتيجية من العالم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب