خلقت السماء الوجود، وفق تصنيف دقيق، قليل من العقول تدرك هيئته، ثنائيات، متناقضات، تنتج عن تكامل عجيب، ولو نتناول البشرية باعتبارها محور المخلوقات، نجد الذكر والأنثى، لكل منهما تركيب جسدي، ودور في الحياة، وإمكانات تناسب هذا الدور، متى تغير أي وجود حصل خلل في مسيرة الحياة الدنيا.
ولعل ما تعانيه الأرض اليوم من متاعب ومصاعب، وأحداث كلها تعود في واقعها الغير منظور، إلى تغير الطبيعة الإنسانية، وحصول تخلي عن الأدوار بين أبناء البشر، ولد هذا الخلل، وأنتج هذا الوليد المشوه عن الإنسانية.
أنزلت الرسالة الإسلامية، لتقنن الحياة وتمنح الأدوار للإنسان، وفق طبيعته التي خلق من اجلها، ومنح الإمكانات والقدرات التي تؤهله لأداء الدور الموكل له، بعد أن كانت الحياة تسير وفق أهواء، ورغبات زعماء الصحراء العربية، فالبنت توأد لأنها عار، والرجل يستغل إمكاناته في طريق الشر الغزو والحروب، ليوفر لقمة العيش.
وسارت الحياة في الدولة الإسلامية، ردح من الزمن تحت ظل حكم السماء من خلال رسولها للأرض، وخاضت تلك الدولة مواجهات ومواجهات، مع قيم دخيلة لا تمت للإنسان كما أرادت له السماء بشيء.
انتقل رسول الإنسانية إلى بارئه، بدأ التغيير والعودة إلى ما قبل الإسلام، ووضع الإنسان غير المناسب في المكان الذي لا يناسب، وعزل من أعده الرسول وفق إمكاناته عن موقعه الحقيقي، وتجاوز من تجاوز على المرأة التي وصفتها السماء بالقارورة وأوصت بالرفق بها، وتخلى الرجال عن إمكاناتهم وادوراهم، لتضطر المرأة أن تقف مع من بقى كما هو، تدافع وتحث وتخطب، علها تحيي رجولة ماتت لدى امة آبيها.
تمر الأيام بهذه الأمة ليبقى من الرجال فيها، الوصف الجسدي فقط فقد تخلى معظمهم عن إمكاناتهم التي أودعتها فيهم السماء عند خلقهم، لتصبح تلك الإمكانات والقدرات عدوهم الأول واللدود.
ليصل الحال بمن ظل منهم على طبيعته أن لا يجد ناصر ولامعين، إلا من ثلة قليل من أشباههم، ومن نساء اضطرتهن الظروف ليملئن فراغ، خلفه هذا التخلي، فكانت كربلاء وفيها زينب، زينب امرأة حملت كل سمو وعلو الرجال، حينما خلقتهم السماء، زينب امرأة صارعت من اجل قيم الرجولة، التي ماتت في رجال عصرها، لذا تمنى الجميع وبلا استثناء، اظهروا ذلك أم أخفوه أن يكون فيهم من الرجولة معشار ما تحمله زينب المرأة.
زينب صوت مدوي ينعى الرجولة، ويرن في اذأن الذكور، ما بقيت الأرض وبقى الإنسان، هزأت من الظالم ودكت عروشه، أرعبت الذكور، حتى تمنى من ظلت فيه بقية من رجولة، أن تشق الأرض لتبلعه كي لا يرى حقيقته، أمام شموخ وعلو وسمو الرجولة في أقوال وأفعال زينب، زينب المرأة التي لاذ منها الفحول، زينب القلعة التي أرعبت الانكسار والاندحار، وتجاوزت العاطفة.
فكم من الرجال يمكن أن يرى أو يسمع بما حصل لزينب ومع زينب، ويحافظ على رباطة جأشه كما كانت زينب، أذن زينب امرأة اضطرت أن تسد نقص الرجال في عصرها، وتكتب في عرش السلطان الذكر، أن آل البيت نموذج حي لما خلقت السماء، ونسائهم أن اضطررن في أي زمان، ينقرض فيه الرجال ويبقى الذكور فهن من يملا الفراغ. وهكذا فعلت زينب لتصبح امرأة بعنفوان الرجال…