تغص الاسواق هذه الايام بنساء يتسابقن لشراء ملابس العيد لهن ولاولادهن فالعيد وان خلا من طقوس الماضي فهو مايزال فرصة للتباهي بالملابس الجديدة ..
في مكان ليس ببعيد ،لن تشعر تلك المرأة بمجيء العيد فقد لاتجد الوقت اصلا لتلملم بقايا اثاث منزلها المتناثر او تحمل اناءا او غطاءا تستر به نفسها واطفالها…براميل متفجرة ..هذه هي ( العيدية ) التي لم تكن تحلم بها وهي تصر على البقاء في مدينتها (الفلوجة ) لخشيتها من التحول الى (نازحة ) يتاجر السياسيون بنزوحها..انها تعيش ايامها خارج اطار انتظار العيد فهي تنتظر الوصول الى ملاذ آمن مع اطفالها ..وقد ترتفع اصوات التكبير في الجوامع صبيحة العيد وتفوح رائحة ( الكليجة ) ويمرح الاطفال في المتنزهات بثيابهم الجديدة بينما تواصل احتضان اطفالها المرتجفين هلعا وهم يسهرون على دوي الانفجارات المتلاحقة على مدينتهم الممزقة ..
في منزلها ، لم يعد هناك الكثير من الطعام ..هنالك الحر الخانق فقط والظلام بغياب التيار الكهربائي والامان ..هل تخرج من منزلها للبحث عن مأوى ام تستسلم لرائحة الموت التي باتت تغلف المكان ..حيرة كبرى بدأت تفتت آخر ماتبقى لها من فولاذ الصبر ..تنظر في عيون اولادها لتستجدي القوة فتشعر بخوف اعظم ..لقد سهرت اعواما على تربيتهم بعد رحيل والدهم ..كيف ستنقذهم ؟..قال لها احد اولادها الثلاثة ..” اماه لنقصد قرية اخرى قبل ان نموت من الجوع ” …ابتسمت رغم ألمها وأدركت ان اولادها مازالوا اطفالا فعلا فهم يخشون الجوع اكثر من خشيتهم من الخطر القادم ..
نظرت من نافذة منزلها..صمت رهيب تمزقه بين لحظة واخرى اطلاقات نارية وانفجارات ..ستنتظر حتى الصباح لترى ماسيفعل سكان المدينة
وستحاول ان تغفو قليلا مع اولادها فقد يحتاج الأمر الى ساعات من السير تحت سياط اشعة الشمس ..
عاودها التفكير في العيد ..تذكرت لونه وطعمه في منزلها الصغير ..اصوات الجوامع وتبادل التهاني بين الاقارب والجيران ..لم تكن من النساء اللواتي يستقبلن العيد بثوب جديد او صبغة شعر جديدة منذ رحيل زوجها ولم تكن تملك جميع المواد اللازمة لتحضير ” الكليجة ” احيانا لكنها كانت تستقبل العيد لأجل اولادها ….كانت تبذل جهدها لتهيء لهم ملابسا جديدة وتعد لهم فطورا مميزا ويكفيها ان يندفعوا الى تقبيلها والدعاء لها بالصحة والسلامة وبحج بيت الله الحرام…
امراة المدينة المشتعلة ستعيش العيد هذا العام دون ان تعرف له لونا او طعما ومازالت تنتظر امام النافذة وقد تعلقت عيناها باتون الجحيم في مدينتها ..ستحاول الا تفكر في العيد فلم يعد عيد الفقير والغني كما كان يطلق عليه آباؤنا واجدادنا بل صارعيد الآمن وغير الآمن ..ومدينتها غير آمنة فليس هناك عيد مقبل اذن !!
في مكان آخر ، تتواصل الاجتماعات بين السياسيين لبحث القضايا العالقة وتنتهي جلسات البرلمان دون البت بالعديد من الملفات الساخنة فينطلق السياسيون للبحث عن اماكن يسافرون اليها لترفيه عوائلهم خلال العيد بينما تنتظر آلاف العيون المحاصرة في الفلوجة وحديثة والكرمة والصقلاوية انقاذا جويا او بريا ..محليا او دوليا ..بطائرات (سوخوي ) او (اف 16) ..عسكريا او مدنيا ..قبل ان تتحول مناطقهم الى وصمة عار جديدة في جبين من سمح لداعش بدخول العراق ومن منحها فرصة اغتصاب المدن الواحدة تلو الاخرى ومن عجز عن حمايتها بسبب ثارات طائفية ونقاط (خلافية ) في مناقشة سياسة البلد …