17 نوفمبر، 2024 8:35 م
Search
Close this search box.

امبراطورية فخري كريم

امبراطورية فخري كريم

لن اتحدث عن ما يتداوله البعض عن فساد رافق مسيرة السيد فخري كريم طوال فترة عمله السياسي الطويلة التي تداخلت مع عمله الإعلامي والصحفي الذي بدأه بتأسيس دار «ابن الشعب»، فالتُهْمة تبقى مجرد تهمة طالما أنها لم تتعزز بقرينة جليّة أو حكم قضائي بات. وإن كان فخري كريم فاسدا فعلا؛ فهو فلم يخالف ما سار عليه اغلب اسلافه ومعاصريه من مشاهير الشرق الأوسط من اعلاميين وسياسيين، وعندها هو لن يعدو عن كونه فاسد بين الفاسدين.

وعلى قاعدة «الاسلام يَجُبُّ ما قبله» التي حُرّفَت إلى «الثراء يجُبُّ ما قبله»، فحالما يصبح شخص ما ثريا في الشرق الأوسط؛ تُطـَهِّرُهُ ثَرْوَته تلقائيا من كل ادرانه  وترقـّيه إلى عالم آخر مليء بالروحانية والنقاء، يحصل كل هذا بغضِّ النظر عن ماضيه ومصادر ثروته، فالقيم غائبة، وأسواق النخاسة باتت تتاجر بالضمائر بعد أن كانت تتاجر ببني البشر.

ما يهمّني هو «فخري كريم» بعد عام 2003. وهو العام الذي شَهِدَ تحوّل فخري كريم إلى رجل اعمال بارز ينشط في شتى المجالات، وسياسي بارز بات مستشارا مهما لرئيس الجمهورية جلال طالباني له دوره الفاعل في الأحداث السياسية المهمة الكبرى التي مرت على البلاد، خصوصا تلك المتعلقة بإقليم كردستان، وما اكثرها وما اخطرها ملفات كردستان.

ورغم انشغالات فخري كريم، إلا انه لم يبتعد ولو للحظة عن عالم الصحافة والإعلام، ميدانه الأهم، فبتاريخ 15-07-2003 اصدر فخري كريم «جريدة المدى» اليومية ببغداد، وأطلق مشروع «مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون» والتي تضم فروعاً في ميادين الاعلام والثقافة والفنون والإعلان والتعليم. وبادر بتأسيس «صندوق التنمية الثقافية» التي قدّمَت الدعم لشتى الفعاليات الثقافية العراقية والعربية، ومُنَحاً لأكثر من خمسمائة مثقف بالإضافة الى مد يد العون للحالات الاستثنائية للمثقفين العراقيين ومن البلدان العربية، من المرضى وغيرهم» (كما جاء في صفحته على الفيسبوك).

مازالت «مؤسسة المدى» تتوسع يوما بعد الآخر، فبالأمس أعلن عن انطلاق «اذاعة المدى»، وقبل ذلك ببضعة أشهر أعلن عن انطلاق «وكالة انباء المدى». أما التوسع الأكبر والأهم فهو استقطابها للعديد من الصحفيين الواعدين والمحترفين الذين تركوا مواقع عملهم السابقة لصالح العمل في «مؤسسة المدى».

لقد بذل فخري كريم الغالي والنفيس من اجل أن تظهر جريدة المدى بمظهر عراقي عربي يساري. إلا أن مهمة الجريدة لم تكن يوما للترويج للعراق أو لليسار. وما الواجهة العربية اليسارية إلا للتمويه على الغرض من إنشاء الجريدة وهو تحويلها إلى سوط ماضٍ لجلد كل من يفقد حظوة مسعود برزاني أو يعترض على مشروع «الإقليم الأكبر من الدولة الأم».

وكمثال على ذلك، فإنّ صحفيي جريدة المدى قد شحذوا اقلامهم لإظهار الأزمة القائمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان على أنها أزمة بين نوري المالكي والأكراد، وأن ما يجري لا يعدو عن «هروب نحو الأمام اعتاد المالكي ممارسته للتغطية على الفساد المستشري وعجزه عن تحقيق أي اختراق في ملف الخدمات على الرغم من مرور ست سنوات على توليه ارفع منصب في البلاد».

ولم يستح صحفيو المدى من ترديد الكذبة الكبرى التي اختلقها مسعود برزاني باتهام المالكي بتبديد ستمائة مليار دولار هي مجموع ميزانيات العراق منذ التغيير إلى يومنا هذا، أي أنهم حملوا الاخير مآل الميزانية حتى قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. ولم يبين لنا لا مسعود ولا ببغاوات  فخري كريم مِنْ اين دُفِعَت رواتب الموظفين وتعويضات الكويت وحصة إقليم كردستان من الميزانية. ونَسِيَتْ جوقة فخري كريم أن احتياطي البنك المركزي قد تجاوز الستين مليار دولار.

انني اذكر هذه الحقائق لردع  «مؤسسة المدى» عن استغفال القارئ العراقي. ولا اريد أن اظهر كمدافع عن الحكومة الاتحادية، فالأخطاء والخطايا التي ارتكبتها حكوماتنا المتعاقبة يشيب لها الولدان. أما الفساد؛ فالجهاز الحكومي العراقي فاسد وعاجز عن تحقيق أي اختراق ملموس إلى يومنا هذا. ولكن ماذا نفعل، هل نُسْقِط الحكومة ونسلم بالعجز، الجواب كلا بالتأكيد.

ولم يولِّ أي من صحفيي المدى وجهه شطر شمال العراق حيث يقبع مسعود برزاني، الدكتاتور الاخير في جمهوريات الشرق الاوسط  الذي يتقاسم مع اسرته كل مناصب إقليم كردستان الدسمة، والذي يروج للجمهورية الوراثية رغم أن هذا المفهوم يتداعى حتى في مهده الاول سوريا. لم اقرأ مقالا واحدا في جريدة المدى ناقش فيه كاتبه هذه القضايا المُلِحـّة التي تقلق قوى المعارضة في الإقليم.

ليكتب صحفيو فخري كريم ما يشاءون، فما يجري حاليا في المناطق المختلطة ليس صراع بين «المالكي» والأكراد بل هو صراع بين العرب والأكراد. وهو امتداد لصراع ابتدأ مع الدولة العراقية الحديثة إلى يومنا هذا، تقلـَّبَ العراق من حكم ملكي إلى جمهوري، من الديمقراطية إلى حكم العسكر ثم إلى الديمقراطية، ابتداء من فيصل الاول وانتهاءا بنوري المالكي. ولم يرض آل برزاني على أي منهم إلى يومنا هذا.

أحدث المقالات