يبدو أن السيد مقتدى الصدر أوقع نفسه في مأزق كبير جدا لا يستطيع التخلص منه ، وأعتقد أن بعض تصرفات أتباعه لا تروق له ولا تعجبه ، ولكن ما في اليد حيلة بعد أن فقد زمام السيطرة على هواجسهم ومشاعرهم النابعة من حب الفوضى والتمرد على الأنظمة والقوانين . وهو يعرف تماما بمستوى الجهل الذي يسيطر على عقول الكثير منهم ( كما أشار الى هذا الأمر هوشخصيا في العديد من خطبه ) وكم من مرة ترك المنبر دون أن يكمل خطبته جزعا منهم . وبغض النظر عن نواياه ، فهذه الامبراطورية تأسست ونشأت وتنامت واستفحلت لتكون أكبر خطر يهدد أمن وسلامة العراق ولتكون مستودعا للوقود الجاهز لحرق البلاد والعباد دون التفكير بالعواقب الوخيمة التي ستحدث . كان الأجدر بالسيد مقتدى الاعتماد على قيادات مثقفة واعية حليمة تملك خبرات متراكمة في ادارة مثل هكذا تيار شعبي واسع يمتد من العاصمة بغداد الى البصرة ، لا أن يترك البالونات تكبر وتنتفخ أكثر فأكثر من دون حسيب ولا رقيب الى أن تنفجر على نفسها قبل أن تنفجر على الآخرين . ومن المعلوم منطقيا أن الوعي العقائدي مهم جدا في السيطرة على سلوك الأفراد والجماعة ، ولكن حين لا تملك العقيدة وعيا نابعا من منطق العقل والوجدان ، ففي هذه الحالة تتحول العقيدة الى التقديس المطلق الجامد الذي يعتبره الغالبية العظمي من أتباع الصدر خطا أحمرا لا مجال للحوار والنقاش حوله ، أي بمعنى آخر جعلوا تقديسهم لمقتدى الصدر موازيا لتقديس الله ولا يقل شأنا عنه ( خصوصا اذا ارتبط الجهل بهذا التقديس ) ومن هنا فان هؤلاء يرون أنه لا سلطان سوى سلطان مقتدى الصدر ، فهو في نظرهم فوق البشر ، وما يصدر عنه صحيح حتى لو تقاطع مع التعاليم الاسلامية أو مع أي فكر آخر . وهذا الأمر له نتائج في غاية الخطورة على العراق وعلى سلامة أمنه . فمثل هؤلاء الذين وصل بهم الحال الى التقديس المطلق الجامد لا يعترفون بكل الأنظمة والقوانين وحتى الشرائع السماوية ان لم تنسجم انسجاما كاملا مع ما يعتقدون ، أي بمعنى آخر يعتبرون الفوضى مرتكزا مهما يستندون عليه لرفض أي شيء لا يروق لهم ولا يتفق مع هواجسهم ( وأحداث البرلمان العراقي وما تحصل فيه من فوضى عارمة خير دليل على هذا القول ) . كما أن هذا التقديس المطلق الجامد يقودهم الى رفض الحوار بمنطق العقل ، بل يعتبرون الحوار ضعفا منهم ، ولابد أن يكون البديل عنه لغة التهديد والوعيد وقذف الناس بأعراضهم ، والانتقام بالتصفيات الجسدية مما خلق أجواء مكهربة يسودها الرعب والذعر والخوف . ويبدو أن السيد مقتدى الصدر استعجل كثيرا في انشاء هذه الامبراطورية ولم ينظر الى المدى البعيد ( كما ينظر القادة العظام ) متصورا أن وجودها ونموها وتكاثر أعدادها وبطشها وتسلطها سوف تمنحه الدرجة الرفيعة التي سعى لها حثيثا بعد انتهاء النظام السابق ، وسوف تجعله في مأمن عن كل أمر خطير ، ونسى أن هذه الامبراطورية التي أسسها بنفسه وبأحلامه لا يمكن أن تدوم طويلا ، بل سوف تنفجر من الداخل وتتهشم أضلاعها وتتشظى أوصالها ، وسوف تشكل أكبر خطر يهدد سلامته . وهذا هو التاريخ يذكر لنا قصصا كثيرة عن مثل هذه الامبراطوريات التي نشأت بنفس الطريقة والاساليب التي نشأت بها امبراطورية مقتدى الصدر ( امبراطورية الرعب والفوضى ) ثم انتهى بها الأمر الى الزوال النهائي .