في مبنى شبه متهالك؛ في اغلب المحافظات العراقية ومنها محافظتي ذي قار، تمر في ممر تؤدي نهايته الى صالة تحتوي على عشر اجهزة للغسيل الكلوي، يجلس فيه المرضى كل بجانب كليته الصناعية، تخترق اوردتهم خراطيم صغيرة دورها ايصال دمهم الى ذلك الجهاز منتهي الصلاحية، فيما ضعف عددهم من المرضى في انتظار ادوارهم لخمسة وجبات في اليوم تقريباً، اذا ما طرأ طارئ ما وتسبب في تأخير الوجبات، في وضع مأساوي جداً لا يتكرر في افقر الدول.
ونحن نعيس زمن الكورونا؛ والذي يمثل كارثة قاتلة لمرضى الغسيل الكلوي اذ اصابه لا سمح الله؛ هذا الفايروس اللعين، كون المناعة منعدمة او قليلة لهؤلاء المرضى، يرقد المصاب بالفايروس والفشل الكلوي سويةً؛ في ردهة عزل تحتوي كليةٍ صناعيةٍ واحدة، في مكان أشتق من تلك الصالة التي يرقد فيها اولائك المرضى الذين يجرون عمليات غسيل الكلى!
يتسابق على تلك الاجهزة العشر، ما يقارب الـ 400 مريض! من اقصى شمال ذي قار، (ناحية الفجر وتبعد 100 كم)، وكذلك اقضية الشطرة والجبايش وسوق الشيوخ، (وتبعد كل منهن ما يزيد على 50 كم)، وكذلك مركز المحافظة، في منظر انعدمت فيه الانسانية، ناهيك عن تقليص اضطراري لساعات الغسيل الى ساعتين او ثلاث، فيما يصر اطباء الاختصاص على ان تكون 4 ساعات كاملة، والسبب يكمن في قلة الاجهزة.
كهول انهكت اجسامهم سموم الدم، وحبست انفاسهم السوائل المتراكمة، واطفال سرقت طفولتهم وغزات انابيب سحب الدم، يتجمهرون امام ذلك الجهاز المتعطل بين فينة واخرى، ينضرون له انه مصدر لحياتهم، يرتادونه لمرتين او ثلاث اسبوعياً، مع انعدام لمجموعة من العلاجات الضرورية في المراكز الحكومية واهمها علاجا ((Eprex & Sevelamer، والباهظة الثمن في المذاخر والصيدليات الاهلية.
قرأت في عيون المرضى وانا اراجع المركز، كمرافق لوالدي المصاب هو ايضاً بالفشل الكلوي، كثير من علامات البشرى، عندما سمعوا ان وزير الصحة في زيارة تفقدية بمعية رئيس الوزراء؛ الى محافظة ذي قار، بعدما تم التصويت عليها مؤخراً انها منكوبة، بعدما وطأتها ايادي التخريب والفساد، لكن سرعان ما تحولت تلك البشرى الى موجات من اليأس تحاصر اولائك الراقدين بإنتظار آجالهم، بعدما حلقت طائرة وزيرنا بسماء ذي قار متجهةً الى العاصمة، دون تفقد لاي مركز صحي في المحافظة.
ينتقل التاريخ ان الله عز وجل بعد فترة وجيزة؛ من نزول العذاب على قوم موسى (ع)، قد رفعه عنهم، ولما ساله النبي عن سبب رفع البلاء على الرغم من استمرار كفرهم، قال يا موسى “هؤلاء قوم تراحموا فيما بينهم وانا رب الرحمة فأستحيت ان اعذبهم”.
خلاصة القول: الخلاص من البلاءات التي نمر بها، مرهون بالتراحم، ونطالبكم كوزير للصحة بالنظر في معاناة هذه الفئة المعذبة، بالرغم من انك المسؤول المباشر والمحاسب امام الله بإزهاق ارواحهم بدعوى الاهمال والتقصير.
“وقفوهم انهم مسؤولون”