23 ديسمبر، 2024 3:46 م

ال “فك مس” ودوره في تخريب الطب في العراق

ال “فك مس” ودوره في تخريب الطب في العراق

منذ تاسيس كليه الطب في بغداد عام 1926 ظل الطب و النظام الصحي في العراق متقدما على كل ماحوله من دول الاقليم بسبب القابليات المتميزه للاطباء العراقيين واعتماده  نظام التدريس البريطاني واخذ وزاره الصحه ومنذ تاسيسها بالنظام الصحي البريطاني بعد تعديله ليناسب واقع الحال في الدوله العراقيه الحديثه التي اسست في عشرينيات القرن الماضي.
لقد ظلت الحكومات العراقيه المتعاقبه تولي اهتمامها بتطوير الخدمات الطبيه افقيا بتوسيع الرعايه الطبيه لمختلف فئات المجتمع و عموديا باعتمادها تطوير التخصصات الطبيه وادخال كل حديث في هذه الخدمات.
كان نظام التخصص الطبي يعتمد على ارسال الاطباء العراقيين الى بريطانيا و امريكا و الدول الغربيه الاخرى كي يكملوا شهاداتهم العاليه وتدريبهم التخصصي ليعودوا وقد تعلموا على اعلى المستويات علما و خلقا طبيا.
اما كليات الطب العراقيه في بغداد و الموصل و البصره لاحقا فقد استحدثت دراسات الدبلوم و الماجستير كحلقه وسطى في التعليم العالي للطبيب قبل ذهابه الى احدى الدول المتطوره ليكمل دراسته العاليه.
 ان هذا الواقع المزدهر حينها جعل بعض الكليات البريطانيه (الكليه الملكيه للاطباء و الكليه الملكيه للجراحين) توافق على فتح دورات تدريبيه في بغداد للاطباء الذين يرومون اجراء الامتحان الاول للشهاده البريطانيه و الذي كان يجري ايضا في بغداد مما ساهم في تحفيز الاطباء العراقيين على تطوير مهاراتهم و المنافسه فيما بينهم للالتحاق بهذه الكليات المرموقه.
دام هذا الوضع حتي بدايه السبعينات من القرن الماضي و تمكن حكومه” البعث” البائده من السلطه و تغلغلها في كل مفاصل الدوله ومنها التعليم و الصحه فبدات بمحاربه الاطباء و تدمير النظام الصحي تدريجيا.
لقد تجمع لفيف من الاطباء الاختصاصيين “الانتهازيين” خريجو بريطانيا وامريكا حول “القياده السياسيه” السابقه و اقنعوها بان العراق قادر على تدريب الاطباء في مختلف التخصصلت و منحهم “اعلى شهاده طبيه في حقل التخصص” فتلقف النظام البائد الفكره وتم تاسيس “الهيئه العراقيه للاختصاصات الطبيه” والتي يتبعها مجالس في كل تخصص طبي لتمنح شهاده “زميل الهيئه العراقيه للاختصاصات الطبيه” او البورد العراقي (وهو يعادل الدكتوراه حسب القانون) و لفظ مختصرها باللغه الانكليزيه هو ال “FICMS” ويلفظ اختصارا ب (فك مس).
وطيله حوالي العقدين السابقين تم تخريج العشرات بل المئات من الاطباء الاختصاصيين بمختلف التخصصات الطبيه ليحتلوا طليعه المشتغلين في حقل الخدمات الطبيه و
 ليتبؤوا المناصب التعليميه (اي اساتذه كليات الطب و الذين يمنحوا شهاده “فك مس”) و المناصب الاداريه العليا.
ان هؤلاء الاطباء قد حرموا من الدراسه في الدول الغربيه المتطوره (لانهم يحملوا اعلى شهاده في حقل التخصص)  لذلك بقي المستوى العلمي الطبي حاليا هو بمستوى سبعينيات القرن الماضي وهو مستوى الاساتذه المؤسسين للهيئه العراقيه .
وازاء ذلك رفض هؤلاء الاطباء “القياديين في التعليم و الصحه” بعد عام 2003 من رجوع دورات و امتحانات الكليات البريطانيه كما في السابق وكما يحصل في الامارات و البحرين و السعوديه و مصر و عدد اخر من دول الاقليم و التي سبقتنا بعقود و عقود في التطور الطبي , كما انهم يحاربون اي طبيب عراقي يحمل شهاده غربيه عند رجوعه للبلد و تحجيمه وحتى “اضطهاده” علميا.
ان عقليه معظم الاطباء الاختصاصيين حمله “الفك مس” تحكمها المصالح الشخصيه و الانانيه فقط (و اكرر فقط) و لايوجد اي دافع وطني او اخلاقي لتطوير الخدمات الطبيه و النظام الطبي فانزلق الطب في العراق الى هاويه “التجاره الطبيه” و اصبحت الدول المجاوره والتي كان الطب فيها اقل مما كان في العراق ملاذ المرضى اللذين يبحثون عن الامل في علاج ناجع لمشكلاتهم الصحيه.
ان تطوير النظام التعليمي الطبي يكون بربط الهيئه العراقيه للاختصاصات الطبيه باحدى المؤسسات التعليمبه الطبيه الغربيه من حيث الرقابه على جوده الاداء التعليمي الطبي وحسب المعايير المعتمده في تلك المؤسسه و اعتبار هذه الشهاده “شهاده مهنيه وسطى” اقل من نظيراتها الغربيه.
علينا الان الاعتراف اولا بمحدوديه القدرات العلميه و التعليميه لمؤسسات التعليم العالي والتي تحتاج لعقود عده من العمل الجدي و المثابر للاندماج “بالمجتمع العلمي العالمي” وثانيا الاعتراف بان الشهاده الوطنيه هي اقل من نظيرتها الغربيه.
ان غياب فلسفه التعليم العالي الطبي سيؤدي الى مزيد من التدهور و الانحدار في هذا المجال الحيوي و المهم لكل المواطنين العراقيين وان الوقت قد حان لدراسه الامر بجديه من قبل الاطباء “المخلصين” بعيدا عن المصالح الشخصيه و الانانيه مع القاده السياسيين واصحاب القرار في الدوله لان الوقت ليس في صالح المجتمع و فرصه النهوض قد تفوت و لاينفع حينها الندم.