23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

الﮔنزا ربـّا ، كتاب الصابئة المندائيين يصدر باللغة الإنكليزية

الﮔنزا ربـّا ، كتاب الصابئة المندائيين يصدر باللغة الإنكليزية

يعد كتاب الصابئة المندائيين “الـﮔنزا ربا” الكتاب الأساس بين الكتب الدينية المندائية، وهو يكتنز نصوص التوحيد وصيرورة الخلق العلوي والأرضي والتوجيه والتعليم والدعاء ومسار الحياة، ثم هبوط النفس في الحياة الدنيا ودورها فيها وزمنها حتى يأتي الموت، الذي هو حق، لتعود نسمة الحياة إلى باريها بعد مسيرة حساب وتطهير. من هنا جاءت تسميته بـ” الـﮔنزا ربا” أي الكنز العظيم، الذي ظل محفوظا في صدور المندائيين حتى نـُسخ بكتاب. وأقدم النسخ الموجودة منه الآن يرقى زمنها إلى حوالي 1400 عاما، وهي محفوظة في متحف اللوفر، وتتوفر نسخ قديمة منه أيضا في المتحف العراقي ومتحف الفاتيكان وجامعة أوكسفورد وجامعة برلين وجامعة لايدن.  
وفي مشروع كبير تبنته جامعة كوتنكن الألمانية حول منابع أديان الشرق تم تكليف عالم الساميات مارك ليدزبارسكي بترجمة الكتاب إلى اللغة الألمانية في عام 1915 لقيمته واعتباره كتابا أساسيا ضمن هذا المشروع. استغرقت ترجمته فترة طويلة حتى صدر مطبوعا في عام 1925. ساهمت هذه الترجمة في تعريف الأكاديميين والمعنيين بجانب أساسي كبير في تراث بلاد ما بين النهرين بحسب أصل ومرجعية الصابئة المندائيين في هذه البلاد. ولمؤشرات التوحيد الأولى الواردة في هذا الكتاب والتي تحث على عبادة الخالق الفرد خالصا دون إشراك به، كان هنالك مسعى لإرجاع أصل الصابئة المندائيين إلى فلسطين من أجل تقديم اليهودية كديانة سابقة عليهم. ويبقى الجدل قائما بخصوص رافدينية أصلهم وبالتالي فإن التوحيد الأول للخالق هو رافديني وسابق لظهور الديانة اليهودية، وحججنا ودعاماتنا في هذا كثيرة.
يقع الكتاب في أصل مخطوطته المندائية بحوالي 650 صفحة، مقسم إلى قسمين، القسم اليمين، وهو الأكبر، يتضمن توحيد الخالق وصفاته ونعوت تنزيهه، ونصوص الخلق العلوي والخلق السفلي، والصراع بين النور والظلام، وأدوار الحياة وصولا إلى الطوفان، والحض على الإيمان
بتعاليم دينية صريحة وبليغة. وأما القسم اليسار فيتناول وجود النفس في العالم الأرضي وفترته، وكل ما يتعلق بالموت بدءً بمخاطبة آدم (ع) وطلبه للموت، والعبرة في بقاء حواء بعده، والإستمرار في جميع النصوص التي تحث النفس على ما يجب من عمل صالح عيشا وزوادة لها لكي تتيسر مسيرة عروجها وعودتها إلى عالم الأنوار العلي ولقاء خالقها وباريها نقية.
وقد راعى المندائيون الأوائل، من أجل عدم إختلاط نصوص القسم اليمين بالقسم اليسار، أن جعلوا القسم اليمين مقلوبا عن القسم اليسار بـ 180 درجة، وهذا يساعد أيضا على أن يكون فتح الكتاب في الحالين من اليمين لتقديمهم جهة اليمين على اليسار.
وبحكم عوامل عديدة، أضاع المندائيون تعلم لغتهم الأم، التي يصنفها اللسانيون أنها الفرع النقي للآرامية الشرقية لعدم دخول مفردات أجنبية عليها، وصارت اللغة العربية هي لغتهم، وبذلك فقد عامة المندائيين إمكانية قراءة كتبهم الدينية. لقد ولـّد ذلك الحاجة لأن يوضع كتابهم المقدس ” الـﮔنزا ربا” باللغة العربية من أجل الإطلاع وزيادة المعرفة والإيمان، وكذلك إطلاع أبناء المجتمع العراقي خاصة وكل العارفين باللغة العربية على ما لدى الصابئة المندائيين مثبتا بكتبهم وأبرزها هذا الكتاب. صدر الكتاب بطبعته الأولى في بغداد بإشراف رئاسة طائفة الصابئة المندائيين عام 2001 وصار متداولا بين المندائيين وغيرهم، ثم بطبعته الثانية في دمشق عام 2012.
وبأسباب ما حصل في العراق والتهديدات العديدة والمتنوعة التي واجهها الصابئة المندائيون في وطنهم، فقد أضطرت نسبة كبيرة جدا منهم إلى الفرار والنزوح والمغادرة، وكان الأمل استقرار أوضاع العراق والعودة إلى الوطن الذي هو أساس وجودهم وتراثهم وكيانهم. وحيث طالت مدة المغادرة، فقد تجذر الأبناء في البلدان الجديدة. وهنا واجهوا تحديا جديدا وخطيرا يتعلق بديانتهم القديمة وغير المعروفة في المجتمعات التي صاروا يعيشون بينها. ولأن اللغة السائدة في أغلب بلدان المهجر التي استقر فيها المندائيون هي اللغة الإنكليزية، ولكي يطلع الأبناء على مبادئ ديانتهم كما وردت في كتابهم المقدس بلغة يفهومنها، فقد حرصت رئاستهم الدينية على التوجيه لوضع كتابهم المقدس الـﮔنزا ربا باللغة الإنكليزية. وبناء على ذلك صدر تكليف رئاسة الطائفة لـنــا ببدء مشروع ترجمة الـﮔنزا ربا إلى الانكليزية، وأن يتم العمل كاملا بأيدي مندائية.
 لقد كان لي الشرف أن أكلف بهذا المشروع الكبير بدءً بمقارنة النص المترجم بحسب لغته المندائية الأساس وتصويب أخطاء النسخ اليدوي وما بني عليها في الترجمات، ثم عملية الترجمة إلى لغة إنكليزية جزلة وعصرية لتكون مناسبة لتواصل الأبناء والقارئين. وقد ساهم معنا فيها بشكل فاعل الأستاذ حامد مغشغش السعدي . كما تم تثبيت جميع المصطلحات المندائية بلغتها الأساس وشرحها في قاموس مصغر ضمن الكتاب نفسه إضافة إلى وجود ثبت لمتابعة هذه المفردات بحسب ورودها في النص المترجم. وتصدّر الكتاب نص مندائي كنموذج للكتابة الأولى بالحرف المندائي. وقد قام بتبني المشروع وطباعته وتوزيعه المندائي السيد فؤاد جاسب محيي.
وهكذا صار اليوم بين أيدي الصابئة المندائيين في المهجر كتابهم المقدس باللغة الإنكليزية، كما سيتم إيصال نسخ منه إلى جميع الجامعات المعنية بحضارة وادي الرافدين وباللغات السامية، وكذلك إلى منظمة اليونسكو والمنظمات الدولية والإنسانية من أجل التعريف بمعتقد الصابئة المندائيين وتوحيدهم الخالص بحسب ما يرد في كتابهم المقدس الذي يعد وثيقة أساسية لأقدمية الدين وتوحيد الخالق في بلاد بين النهرين، هذه الأقدمية التي جعلت منه منبعا أساسيا من منابع أديان الشرق بحسب التصنيف الأكاديمي الدولي.
[email protected]