(١)
حَدَّثَنِي (مَسّْلوبُ بنَ مَنّْهوبٍ العِراقِيّ) قَالّ:
أَ تَعّْلَمُ يا ابنَ (سُنّْبَةَ)، أَنَّ أُمورَ العِراقِ غيرُ مُسّْتَقِّرَّة.
قُلّْتُ:
يا ابنَ (مَنّْهُوبٍ): و هَلّْ سَقَطَتّْ البَصّْرَة ؟.
قَالَ (مِسّْلُوبُ):
كَلّا جاءَنا أَمّْرٌ بِهِ مَعَرّْة.
قُلّْتُ:
مَعَاذَ اللهِ فَسُمّْعَتُنا فَوّْقَ المَجَرَّة.
قال:
لا …. فَقَدّْ تَبَاغَتّْنَا عَلى حِيْنِ غِرَّة، و صِرّْنَا بيّْنَ الشُعُوْبِ إِضّْحُوكَةً و سُخّْرَة.
قُلّْتُ: يا ابنَ (مَنّْهُوبٍ):
لَمّْ أَسّْمَعّْ مِنّْكَ ذَا الكَلامِ بالمَرَّة !! ... أَخبِرنِي مَا الأَمّْرِ حُلّْوَهُ وَ مٌرَّه ؟.
(2)
قَالَ (مَسّْلُوبٌ):
لَقَدّْ ضَاعَتّْ سِيَادَةُ العِراقِ، و غَزانَا (تّْرَّامّْبُ)، غَزّْوَاً لا يُطَاقّْ.
قُلّْتُ:
وَيّْ يَا (مَسّْلُوبَ) هذا لا يُطَاقّ، لقَدّْ التَفَّتّْ السَّاقُ بالسَّاقّ، فَمَا لَنَا مِنّْ هذا الأَمّْرِ فَوَاقّ، فَقَدّْ ضِعّْنَا وَ خَسِرّْنَا السِّبَاقّ.
قَالَ (مَسّْلُوبُ):
نَعَمّْ … يَا ابنَ (سُنّْبَةَ) المِحْذَاقّ، فَلَمّْ يَبّْقَ مِنّْ سِيَادَتِنَا بَاقّ.
قُلّْتُ:
لا حَوّْلَ و لا قُوَّةَ إِلاّ لِلبَاقِّ.
(3)
قَالَ ابنُ (مَنّْهُوبٍ) :
وَصَلَ (تّْرَّامّْبُ) للعِرَاقِ بِلا إِشّْعَار، وَ زَارَ قَاعِدَةَ (الأسَدِ) بالأَنّْبَار، وَ التَقَى بِالضُّبَاطِ الكِبَار، وَ الجُنُودِ مِنّْ كُلِّ الأَعّْمَار.
تُرَافِقُهُ زَوّْجَتُهُ فِي الإِقّْبَالِ وَ الإِدّْبَار، إِنَّها جَميّْلَةٌ رَشِيّْقَةٌ تُسّْحِرُالأَبّْصَار، مَشّْيَتُها كَفَرَاشَةٍ تَدُوْرُ على الأَنّْوَار، بَسّْمَتُها كَجَمَالِ الوَرّْدِ و الثِّمَار، قَامَتُها مَمّْشُوقَةٌ كَغِصّْنِ أَزْهَار، دَمُها وَهَجٌ يَشِّعُ مِنّْ نَار، نَظَرَاتُها تُذّْهِلُ العُقُولِ و الأَبّْصَار، قَامَتُها تُفّْتِنُ الأَخّيَارَ و الفُجّْار.
قُلّتُ:
يَا (ابنَ مَنّْهُوبٍ) دَعّْكَ مِنَ السِّحّْرِ و السُّحَار، و اتّْرُكّْ الجَمَالَ و الانّْبِهَار، و اخّْبِرّْني عَمَّا صَارَ و دَار.
(4)
قَالَ يا ابنَ (سُنّْبَةَ) المِغّْوَار، اعتَلَى (تّْرَامّْبُ) المِنَصَّةَ بافّْتِخَار، و قَالَ بِحَزّْمٍ و اسّْتِعَار:
إِنَّنَا باقُوّْنَ بِالعِرَاقِ باسّْتِمّْرَار، فَلَمّْ نَرحَلّْ و لَنّْ نَرحَلّْ فالرَحِيّْلُ عَار، أَلَمّْ نَحّْتَلُ العِراقَ بِجَيّْشِنَا الجَرار، فَخَيّْراتُهُ لَنَا و مَا لأَحَدٍ سِوَانَا خَيَار، فَنَحّْنُ أَسّْيَادُ هَذا المَدَار، و نَحّْنُ اصّْحَابُ القَرَار، فَصَفَّقَ الجُنّْدُ لَهُ بإِكّْبَار.
أَمّْا أَنَا فَلَطَمّْتُ وَجّْهِي لِذَا العَار، و بَكَيّْتُ مُرَّ البُكَاءِ لضِيَاعِ الدّْار.
(5)
قُلّْتُ:
وَ اللّهِ يَا مَسّْلُوبّْ، ذَّا خَطّْبٌ مِنَ الخُطُوبّ، و الحُزّْنُ عَلَيّْهِ أَمّْرٌ مَطّْلُوبّ، وَ حَقِّكَ هَذا مَا لا تُطِيّْقُهُ القُلُوبّ، و يَسّْتَحِقُّ مِنّا شَقَّ الجُيُوْبّ.
قَالَ (مَسّْلُوبٌ):
يا ابنَ (سُنّْبَةَ)، لَقَدّْ قَالُوا لَنَا انْتَهَى الاحّْتِلال، و نَالَ العِرَاقُ كُلَّ الاسْتِقّْلال، و غَادَرَ الأَمريكانُ مِنَ الجَنُوبِ إِلى الشَّمَال.
قُلّْتُ: يا ابنَ (مَنّْهُوبٍ):
إِنَّها كِذّْبَةُ عُمَلاءُ السِّيَاسَة، فَهُمّْ لَيّْسُوا بِسَاسَة، و إِنَّمّأ سَمَاسِرَةٌللخَسَاسَة، ضَحِكُوا عَلَيّْنَا طُلّابُ الرِّيَاسَة، و مِنّْ غَبَائِنَا صَدَّقّْنَاهُمّ بِحَمَاسَة، فَهُمّْ خَدَّرُونَا بكِيَاسَة، و تِلّْكُمُ هيَ صَنّْعَةُ النَّخَاسَة، فَمَرَروا عَلَيّْنَا مَشَارِيّْعَ التَّعَاسَة، و عِشّْنَا عَيّْشَ ذُلٍ و انتِكاسَة، لأَنَنَا صَدَّقّْنَا أَدّْعياءُ السَّاسَة.
و القَوّلُ قَوّْلُ (عَلِيَّاً) فَصَلّْوا، فَكُلُ قَوّْمٍ تَرَكُوا قَوّْلَهُ ضَّلّْوا، لَقَدّْ قَالَ الوَصِيُّ قَوّْلاً فَلَبّْوا:
(فَوَ اللهِ ما غُزِيَ قَوّْمٌ قَطٌّ في عُقّْرِ دَارِهِمّْ إِلّا ذَلُّوا).