22 ديسمبر، 2024 3:05 م

اليوم وغداً.. نحن لعبة

اليوم وغداً.. نحن لعبة

يسير هذا العالم وما فيه حسب نظام ثابت، وكل شيء يعتمد أسس ومحددات لا يمكنه الخروج عنها أو تفاديها، بالتالي فأن القارات، البلدان والشعوب، كلها تخضع لمجموعة من الأشخاص، يُعتبرون هم العائلة المسيطرة على هذا العالم، ولكل مجموعة جزء من أوطان الدول النائية.

أهم ما تحتاجه لتكون عضواً ضمن تلك الجماعة المتحكمة في الأرض، هو أن تكون أحد الأذرع المسيطرة على إحدى القوى الثلاثة، العسكرية، الأقتصادية وأعظمها الناعمة.. أما في حال قبلت أن تكون تابعاً ذليلاً متحكماً فيه، فلا تحتاج أكثر من أن تكون بلا وعي ولا رؤية محددة، لتصبح لعبة بأيديهم يحركونها على رقعة الشطرنج، متى ما أختلفت المصالح فيما بينهم..

الربيع الملون، نشر الحريات.. وحتى إرساء الديمقراطية، كلها حجج واهية نصدقها متى ما نشرها الأعلام، فنحن بيادق تتحرك أفكارنا تبعاً للرأي العام، وسيكلوجيتنا منقاده كلما أرتفعت أصوات الجهلة، وهذا لا ينطبق على دول الشرق الأوسط فقط، بل لو رجعنا بذاكرة نشرات الأخبار إلى الوراء قليلاً.. سنعلم أن الأنتخابات في أوكرانيا عام 2004, قد ألغيت وتم إعادتها بثورة برتقالية، لأن الرئيس كان ذو ميول للدب الروسي! كذلك الحريات التي يطالب بنشرها الحلم الأمريكي، تتوقف عند حدود الهند.. تلك المقاطعة البريطانية التي لا تؤمن بتعدد الديانات، وكأن سبب فقرها وسوء الأوضاع الإقتصادية فيها هي حرية الدين للفرد الهندي! تخيل هذه البلدان مقارنة بسوريا، لبنان والعراق، كيف كنا وما زلنا.. مجرد ساحات للعبة مصالحهم!

أنطلاق الإحتجاجات في الوطن العربي لم تكن مفاجئة للبعض، لأنها كانت نتاج إختلاف في مصالح كبار القوم، بدءاً من ليبيا وأنابيب الغاز والنفط، مروراً بسوريا.. البلد الجميل الذي تحول إلى غابة أنفلات أمني وأنهيار إقتصادي، كل ذلك بسبب أنبوب الغاز الذي يمر فيها عن طريق منطقة (القصير)، وأختلاف وجهات النظر بين أصحاب الشأن في محور الشرق الصيني_الروسي، وبين الجانب الغربي، الذي يعتبر هذا التمدد فسحة إقتصادية من شأنها أن تنهي الهيمنة الأمريكية في المنطقة، كذلك اليمن الذي نشبت بها الحرب، ويدفن فيها ألف (ريان) يومياً، دون أي مشاعر للأعلام الصامت، والأفواه المغلقة للمنضمات العالمية، التي تلتزم السكوت تجاه الشعب اليمني، الذي يعاني الويلات بسبب ميناء (الحديدة) الشريان النابض لطريق الحرير، الذي يربط التنين الأحمر بأوروبا برياً، وهذا ما لا يقبل به أبناء العم سام، والإنفلات الأمني بحجة التغيير الديمقراطي، هو اللاعب الأساسي في أرض كنعان، للحيلولة دون نجاح المشروع الصيني.

من جانب آخر فتركيا التي كانت تحلم بالإنضمام إلى الإتحاد الأوربي، قد غيرت مسار توجهاتها وغازلت مشروع الحرير، لأن الحلم الصيني يمر بعاصمتها، مما دعى أمريكا وحلفائها إلى فرض عقوبات تسببت بإنهيار الليرة التركية، ليست هي فقط.. لبنان، سوريا اليمن و اليونان، كلهم يعانون من تعويم للعملة، ربما لأنها بلدان بحثت عن مصالحها بعيداً عن الجانب الغربي، أما في العراق فالوضع مختلف قليلاً، لأننا لسنا أفغانستان، فموقعنا الجيوسياسي يمنحنا أفضلية للطرفين الشرقي والغربي، لذلك لن تسمح لنا أمريكا أن نخرج من كنفها، الذي كلفها مليارات في حرب إنهاء الدكتاتورية، وماحدث بعد ذهاب رئيس وزراءنا السابق إلى الصين، ومحاولة إدخالنا في معمعة إنشاء ميناء الفاو، الذي لا تربطه بطريق الحرير أيُّ صلة قرابة.. فكانت رسالتهم شديدة اللهجة، أولها تغيير جذري في العملية الإنتخابية، التي تشوبها ألف علامة أستفهام، كذلك الإرتفاع البسيط للدولار.. ولو مضى عبد المهدي في خطوة الصين، لكان المليون دينار عراقي لا يكفي (كيلو طماطم).

العجيب في الأمر أننا كشعب تحركنا رياح الرأي العام كيفما تشاء، حيث بداية الأحتجاجات كنا ننادي (كلا للأتفاقية الصينية)، وبعد الإنتخابات تحولنا إلى الموجه الشرقية( نعم لطريق الحرير) وفي الحالتين نحن مجرد دمى يحركهم اللاعب المنتصر، دون أن نفهم حقاً، هل نحن ضمن الطريق البري أم لا؟!

اليوم وغداً نحن سنظل لعبة، بين طموحات الرئيس شي جين بينغ الذي صرح ( لدينا الحق في تحقيق الحلم الصيني)، وبين الحلم الأمريكي (لقد بذلنا في تحرير العراق مليار دولار )، والطرفين لن يتركوا بلادنا أبداً، أما نحن فمجرد قطع شطرنج، الذكي هو من ينتصر ويأخذ مساحة أكبر فينا، إن لم ننتبه ونعي ما يدور حولنا ولماذا.