7 أبريل، 2024 3:49 م
Search
Close this search box.

اليوم العراقي للعمل التطوعي

Facebook
Twitter
LinkedIn

زيارة الاربعين
عام 1985 تبنت الامم المتحدة في قرارها المرقم 212/40 اعتبار يوم الخامس من ديسمبر/ تشرين الاول يوما عالميا للخدمة التطوعية، شكل هذا القرار التفاتة مهمة من المنظمة الدولية وتثمينا منها للجهود التي يبذلها اكثر من 109 مليون متطوع وعامل في المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، التي تقدم مجموعة من الخدمات الانسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لعموم الراغبين بالحصول عليها من دون استثناء او تمييز عرقي او ديني او طائفي. ودعت الامم المتحدة جميع الحكومات الى ضرورة دعم هذه الجهود، وقد شهد العالم في العقود الاخيرة العديد من الازمات التي كان للخدمات التطوعية الدور الكبير في التخفيف من الاثار السلبية لهذه الازمات كأزمة كوفيد 19 والحرب الروسية ــ الاوكرانية.
وانسجاما مع تبني الامم المتحدة لهذا القرار وتشجيعا لقيمة الخدمة التطوعية وتقديرا لجهود المتطوعين، قررت الحكومة العراقية في عام 2020 بعد توصية رفعت من قبل المجلس الوزاري للخدمات الاجتماعية، اختيار يوم ٢٠ صفر من العام الهجري ” اليوم الوطني للخدمة التطوعية ” لقد جاء قرار الحكومة العراقية متأخرا جدا، اذ شهد العراق منذ مئات السنين تقديم هذه الخدمة التطوعية، الا انه بعد عام 2003 شهدت هذه الخدمة توسعا كبيرا وملحوظا تمثل بارتفاع عدد المنظمات غير الحكومية المسجلة لدى دائرة المنظمات غير الحكومية، والتي تعددت مجالاتها الاختصاصية بين الثقافية والتعليمية والاجتماعية والانسانية والصحية وغيرها. وظهر دور هذه المنظمات كبيرا وواضحا في حملات التوعية والتثقيف حول المشاركة في الانتخابات، اضافة الى حملات التطوع لحماية البيئة ومكافحة التصحر، وتقديم المساعدات للمحافظات الجنوبية التي تعرضت الى ازمة المياه عام 2019، اضافة الى عمليات الدعم اللوجستي الذي قدمته العديد من المواكب الحسينية ( وهي عبارة عن مجموعة من الاشخاص المتعاونين فيما بينهم على تقديم الخدمة التطوعية وغير المسجلين في مراكز الاحصاء الحكومية) للمناطق السكنية التي تعرضت للغزو الداعشي عام 2014.
عام 2014
. ونظرا للجهود التي بذلها أصحاب هذه المواكب من تقديم المأكل والمشرب والمبيت لزوار اربعينية الامام الحسين (عليه السلام ) والذي تجاوز عددهم الــ(21) مليون على مدار أسبوعين حتى يوم ٢٠ صفر ، وكذلك ما يقدمه القائمون في المؤسسات الثقافية من توعية فكرية وفنية وصحية لهؤلاء الزوار ، ولا يغيب من المشهد عمل المؤسسات الخيرية في الاحداث الامنية والوبائية والبيئية فقد تم اعتماد هذا اليوم (20 صفر) من كل عام يوما وطنيا للخدمة التطوعية، حيث يبادر العراقيون الى تقديم الخدمات الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية الى الملايين من افراد الجنس البشري من دون اقتصارها على المواطن العراقي من الوافدين لزيارة الامام الحسين ( عليه السلام ) حفيد النبي ( صلى الله عليه واله وسلم)
وفي تقديري ان هنالك جملة من الامور التي تقف وراء اعتماد 20 صفر يوما وطنيا للخدمة التطوعية :
الاول؛ رمزية الحدث المرتبط بهذا اليوم وقدسيته، وهو زيارة الاربعين، اذ يصادف هذا اليوم مرور 40 يوما على قتل حفيد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليه السلام ) يوم العاشر من محرم . وهو الحدث الذي يمتد عمره الى اكثر من ثلاثة عشر قرنا ولم ينساه أهل كربلاء بل أهل العراق أجمع ، ويخرجون فيه لمواساة الأمام الحسين ع في مصيبته وأعتراضا وحزنا على طريقة مقتله والاضطهاد الذي تعرضت له اطفاله ونساءه.
الثاني ؛ تكرار الحدث سنويا رغم حدوثه عام 61هجريا ، هذا الاستمرار بالرغم من كافة التحديات السياسية والامنية والاقتصادية التي واجهتها هذا الطقس الروحاني في بعض مراحله التاريخية من قبل الأنظمة الحاكمة، بل تعرض القائمون عليها _ المتطوعون _ الى السجن والقتل والتهجير، الا انه على استمر حضوره في الذاكرة الاجتماعية العراقية الى اكثر من 1380 عاما. حاول خلالها اتباع اهل البيت ان يحفظوا للأجيال المشهد المأساوي الذي تعرضت اليه عائلة الحسين بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) واصحابه في يوم عاشوراء، ووقوعها في اسر جنود الدولة الاموية والمسير بها الى الكوفة ومن ثم الى الشام، والعودة بها مرة اخرى الى المدينة مرورا بكربلاء والذي توافق يوم ال20 من صفر.
الثالث؛ الايثار- التطوع ، وهو ما نشاهده في هذا اليوم من بذل وعطاء تقدمه العديد من المؤسسات والمنظمات اضافة الى المئات من المتطوعين الرجال والنساء والشباب والأطفال التي تقدم العديد من الخدمات كالنقل المجاني، والخدمات الصحية والتي تتمثل بافتتاح العديد من مراكز الخدمة الصحية على طول الطريق الذي يسلكه الزائرون الى ضريح الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء اذ توجد اكثر من ثلاثة مداخل برية الى هذا المكان يبلغ طولها اكثر من 500 كيلو متر ابتداء من ابعد نقطة في جنوب العراق حيث البحر. وايضا هنالك الخدمات الثقافية المنتشرة في طول هذه الطرق الثلاثة وغيرها من الطرق الفرعية والتي تتمثل بالعديد من مراكز التثقيف والارشاد الفكري سواء الديني منها او غير الديني واقامة العديد من الجلسات العلمية والثقافية التي تناقش فيها العديد من الموضوعات الاجتماعية والفكرية التي تواجه المجتمع الانساني.
ومن خلال ما تقدم يتبين ان الخدمات التطوعية في هذه الزيارة الاربعينية تعد أكبر عملية تطوعية في العراق والعالم، وتشكل رقما عالميا تجاوز فيه جميع الارقام القياسية للتجمعات البشرية في العالم، استطاع العراق من خلاله ان يكون جزءا من التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، نظرا لضخامة الاعداد المشاركة به والتي بلغت هذا العام حسب الاحصائيات الرسمية اكثر من 21 مليون مشارك ، فقط خمسة مليون منهم أجانب جنسيات متعددة، وشكل حجم الانفاق الذي قدمته اكثر من (12500) موكبا في مجالات متعددة كتقديم انواع الاطعمة والاشربة وأماكن الايواء لهذا العدد الكبير وتقديم اكثر من ثلاث وجبات طعام، فضلا عن كميات المياه اللازمة لهم لاسيما وهم يسيرون في بلد تصل فيه درجات الحرارة الى اكثر من 45 درجة مئوية، اضافة الى التحديات الامنية والسياسية التي يواجهها العراق منذ عدة سنوات، وقد شهد هذا العام مشاركة العديد من سفراء الدول الاسلامية والاوربية كالسفيرين الكندي والفرنسي اللذين عبرا عن اعجابهما بحجم بالروح العراقية وتفانيها في تقديم الخدمات التطوعية للزائرين بالرغم من جميع الازمات التي يعاني منها العراق.
كما ان اختيار هذا اليوم من قبل الحكومة العراقية جاء نتيجة للجهود التي بذلتها المؤسسة الدينية ممثلة بالعتبات المقدسة في العراق وسعيها لدى المنظمات الدولية لإدراج هذا الحدث السنوي ضمن التراث العالمي، وقد تم التصويت عليه خلال اجتماعات الدورة الرابعة عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي والذي تم عقده في كولومبيا عام 2009. كمعلم من معالم المجتمع العراقي ورمزا من رموز الكرم العراقي الموروث عن الاباء والاجداد في تهيئة البيئة الاجتماعية والثقافية والدينية المناسبة لهذه الزيارة، شكل هذا التصويت بوابة الدخول لهذه الزيارة الى سكرتارية لجنة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو ، وقد تكللت هذه الجهود بإصدار شهادة التسجيل الموقعة بتاريخ 12 ديسمبر ــــ كانون الاول 2019 معلنة عالمية هذه الزيارة وتحولها من المحلية الى العالمية في اعتراف دولي لحجم العطاء والكرم العراقي ولتشكل ابرز عنوان محلي وعالمي للخدمة التطوعية.
هنيئا لكل من شارك في هذا اليوم العراقي للخدمة التطوعية، وهنيئا لجميع المنظمات والمؤسسات والمواكب التي ساهمت في ديمومة هذا الحدث العظيم.

د: هاشم سرحان العوادي
مدير المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب