7 أبريل، 2024 2:28 م
Search
Close this search box.

اليوم الطويل

Facebook
Twitter
LinkedIn

“الموت أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار”
نهضة الإمام الحسين(ع) وظاهرة التسلط الأموي اليزيدي: يمثل كل منهما مدرسة مضادة مختلفة الإتجاه والسلوك والممارسات للمدرسة الاخرى، وثقافة منفرة تماما للثقافة الأخرى، وامتدادا مستداما معاكسا لنقيضه الآخر، وعمقا نسبيا وحسبيا متجذرا يرمز لأصليهما ولفكريهما، ولآيدولوجيتيهما المتناكرتين، وانحدارا انسانيا وأخلاقيا وتاريخيا لكليهما مختلفين باختلاف عناصر ورموز وشخوص الإقتران، الأمر الذي يجعلهما في صراع دائم فريد من نوعه لا يحده زمان أو مكان، صراع أفرز الكثير من المصائب والرزايا بحق أهل بيت النبوة(ص) واتباعهم رضوان الله عليهم، ونزاع مستمر،كديمومة استمرار صراع ونزاع الحق والباطل.
 وكان من أبرز الرزايا التي أفرزها الصراع أثرا وعظمة هو رزية يوم عاشوراء، التي نفذت على أرض كربلاء في يوم طويل، يكاد أن يكون أطول يوم في التاريخ، ذلك اليوم المشهود، الذي وقعت فيه أكبر وأبشع جريمة عرفها التاريخ بحق سبط النبي محمد(ص) وسيد شباب أهل الجنة، الإمام المفترض الطاعة، ريحانة رسول الله(ص) أبي عبد الله الحسين(ع) بأبي هو وأمي، وبحق عائلته الكريمة بسابقة يندى لها جبين الانسانية وتهتز لها السماء، هو اليوم الذي قتل فيه الامام الهمام (ع) الذي لا يوجد على وجه الأرض إبن بنت نبي غيره فيها شر قتلة عرفها التاريخ-وقتله كما نبأ بذلك رسول الله(ص) أنه حرارة في قلوب المؤمنين، كما ورد في نص حديثه الشريف: “إن لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تنطفىء الى يوم القيامة”- وقد عزز وبشكل تلقائي يوم عاشوراء ذلك الصراع، وأجج المواقف، وألهب المشاعر، ألا أنه رسخ الدين، وحفظ بيضة الإسلام، كما وتحول بشكل تلقائي أيضا إلى ثقافة وشعائر وطقوس دينية معتبرة يمارسها المسلمون من اتباع أهل بيت الرسول الكرام “صلوات الله عليهم اجمعين” عند مدار كل عام، وعند شهر محرم الحرام خاصة ولغاية العشرين من شهر صفر بأجواء يسودها الحزن والجزع والحداد الأبديات.
 ويوم الطف هو اليوم الذي قضى فيه الحسين(ع) شهيدا وآل بيته واصحابه رضوان الله عليهم قضوا فيه جميعا أيضا شهداء، كما وشهد ذلك اليوم حالة التعبير عن الحنق والحقد والغل والعداء التي أبداها مرتزقة جيش يزيد لعنة الله عليهم اجمعين بحق شخص الإمام الحسين(ع) وأهل بيته الطيبين الطاهرين واصحابه المخلصين وأسرته المبجلة الكريمة الطاهرة، كما وشهد ذلك اليوم تمزيق وحدة الأمة الإسلامية بعد إن وقع فيها السيف فشطرها الى امتين متحاربتين متحانقتين، إحداهما تمثل الحق والاخرى تمثل الباطل على طول خط المسيرة الإسلامية وعرضها.
 كما ووثق ذلك اليوم الأحداث المشينة والجرائم البشعة التي ارتكبها الأمويون في اليوم العاشر من محرم الحرام، والتي جرت فيه ومن خلاله توثيقا دقيقا لدرجة أن لا ينبغي لايتام يزيد واتباع مدرسته من الحزب الأموي من بعد ذلك أن يناوروا بطمس الحقائق والمتاجرة بتغليب المصالح السياسية والشخصية والقومية على ثوابت ومسلمات الدين والأمة والضحك مرة أخرى على ذقون المسلمين، وصار هذا الحدث بمثابة الانبثاق الأبلج لوضوح سلوك ونهج المدرستين والتعرف على مبادئ كليهما دون الخوض والبحث المتعمق بدور كل منهما في المسيرة الإسلامية عبر تاريخها، كما ووثق بشكل جلي تنافر المدرستين عبر مسيرتيهما، وأثبت بشكل تلقائي ثقافة المدرسة الحسينية في التاريخ الاسلامي على أنها حقا ثقافة إسلامية أصيلة جديرة متكاملة العناصر غير قابلة للتسويف والإكتناف.
 وصار ومن خلال تواتر الأيام أن يوم الطف الحسيني أصبح يصارع في حيثياته بشكل دوري ويومي وموسمي نتاج المدرسة اليزيدية الاموية كلما طفت منها فقاعة على سطح الساحة الإسلامية والعالمية بين الفينة والاخرى، وهذي واحدة من ثمرات هذا اليوم الخالد.
 وبهذا فقد فرضت نهضة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب(ع) عبر تضحيات اليوم الطويل نفسها كأهم حدث تاريخي إسلامي وعالمي وانساني مصيري بعد حادثة وفاة الرسول الأعظم(ص) على حاضر الأمة ومستقبلها، ذلك لأنها لم تكن مجرد حدث سياسي فحسب أو نشاط معارض لجهة سياسية ضد طغمة حاكمة، أو معركة عسكرية بين فئة مؤمنة ثائرة وأخرى ظالمة ضالة تمثل مرتزقة جيش النظام الحاكم الجائر آنذاك وأزلامه المفلسين، أو لربما يقال أنه صراع متأصل بين أسرتين متناكرتين، بل هي قضية وجود واثبات ذات لمشروع كبير تسعى النهضة الحسينية المباركة لتحقيقه، وسعيها الحثيث كذلك لوضع قوانين لحياة منسجمة مع ما جاء بنواميس السماء ورسالة الرسول الأكرم النبي محمد (ص)، وبالتالي خلق مسارات متعددة تحمل بين طياتها أنساقا فقهية وعقائدية، وفكرية وثقافية وسياسية وتاريخية، وإنسانية واجتماعية متوافقة مع كل ماهو شرعي ورسالي.
 إذ إن أبرز ما قامت به المدرسة الحسينية في مسيرتها وثورتها ونهضتها انها قضت على أباطيل وخزعبلات المدرسة اليزيدية “الاموية”وادعاءاتها وأكاذيبها، وأوقفتها عند حدها، وجعلتها في حالة افلاس فكري مدقع من خلال كينونتها لها بالمرصاد، فكلما حاولت أن تفرض نفسها على المسلمين وتحكمهم مرة أخرى باسم الإسلام أو تغويهم، تأخذ المدرسة الحسينية دورها بسحب البساط من تحت اقدامها بتفنيد تلك المزاعم، فينكشف زيفها ويجري بطلانها على الفور.
 يجب أن اشير هنا إلى بطلان الحكم اليزيدي والذي يعني بطلان المدرسة اليزيدية ومقوماتها منذ ذلك الحين وعدم شرعيتها بل بطلان وجودها وتحريمه، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار شيء من ذاكرة التاريخ الاسلامي أثناء فترة اغتصاب الخلافة من قبل يزيد واسلافه بما يسمى بالعصر الأموي، حيث خلع فقهاء مدينة الرسول(ص) وكبرائهم من اشرافها أمير الفاسقين يزيد، على أثر وفادتهم له ورأوا منه ما رأوا من عجب العجاب مما كان يمارسه من أعمال الكفر و الفسوق، وكان من بين أعضاء ذلك الوفد: عبد الله بن حنظلة الملقب (بغسيل الملائكة)، والمنذر بن الزبير، وعبد الله بن ابي عمر المخزومي، فكان إعلانهم لأهل المدينة ولتخوم الدولة الإسلامية: “إنّا نشهدكم إنّا قد خلعناه، يقصدون بذلك يزيد”فتابعهم الناس، وقد وصفه “الشوكاني بأنه السكير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة”، كما وجزم بكفره وصرح بلعنه “القاضي أبو يعلي والحافظ ابن الجوزي والتفتزاني و السيوطي”.
 كما ووضعت المدرسة الحسينية للأمة الإسلامية عدة قواعد ومعايير ثابتة وواضحة صالحة لكل زمان ومكان لكشف أكاذيب ثقافة المدرسة اليزيدية وتسويفاتها وممارساتها الشاذة، منها على سبيل المثال قاعدة القيام بالثورة على السلطان أو الحاكم الجائر المستحل لحرام الله، عندما خاطب في الميدان (ع) طلائع الجيش الأموي بالقول:”أيها الناس، ان رسول الله(ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة الله، يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان، فلم يعير عليه بفعل و لا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله”.
 وهكذا يستمد المسلمون الثقافة الحسينية من المدرسة الحسينية التي استلهمت مبادئها من مدرسة الإسلام المحمدية، كما وتبقى الثقافة الحسينية تمارس ذات الأدوار التي مارسها الحسين(ع) نفسه في عاشوراء وفي الأيام التي مهدت لعاشوراء، فكانت نتائجها باهرة حيث انتصر فيها ولأول مرة في التاريخ الدم على السيف، ذلك الدم الطاهر الذي يتجدد عند كل يوم وفي كل عام على مدار التاريخ وتتجدد معه القيم والمباديء والنتائج، ليتجدد دين الله وتحفظ بيضة الإسلام وتقتطف ثماره.
 ولولا نهضة الحسين(ع) ومدرسته المباركة”مدرسة أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم اجمعين”ما بقي لهذا الدين من أثر، أو لصار أثرا بعد عين كما يقال عندما توصف الأشياء المنقرضة، أو لصار الدين أموي الهوى، ولأصبح أئمة الضلالة والإنحراف هم أئمة الدين وفقهاءه، ولصاروا اليوم قادة لهذه الأمة.
والحمد لله رب العالمين.
“إني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً، إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون”.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب