القسم الثاني
*- لم تكن حوادث وأحداث القتال بين اليهود والمسلمين بسبب ديني بشكل عام ، وإنما بسبب نقض اليهود للعهود والمواثيق المبرمة معهم ، وخيانتهم بمحاولتهم قتل النبي محمد ( ص ) وإثارة المشاكل مع المسلمين ، التي إنتهت بإقصاء بني قريظة وبني النضير وبني القينقاع ۔ إن التصريح بإعلان العداوة لليهود وغيرهم ؟!، بالإستناد إلى نصوص آيات من القرأن الكريم ، دون مراعاة تأريخ أسباب نزول تلك الآيات في حينها ليس من المنطق بشيء ؟!. إذ ليس من الحكمة أن يستمر قتال المسلمين لغيرهم ، لمجرد أنهم من أتباع ومعتنقي دين سماوي آخر ، إنبثق من ذات مصدر الدين الإسلامي الحنيف . إنما هو في الماضي والحاضر ولربما في المستقبل ، صراع على الأرض والزعامة والمصالح ولا علاقة له بالديانة اليهودية أو غيرها . إلا ما ورد فيه نص قرآني بالمخالفة ، ما دام شرع ماقبلنا شرع لنا مالم يكن في شرعنا ما يخالفه . سيما وأن رسول الله محمد (ص) قال ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) . والولادة على الفطرة هي الولادة على دين الله الإسلام … فعلام القتال والإقتتال إذن ؟!.
*- أما قوله جل في علاه بحق المسلمين ( وكنتم خير أمة أخرجت للناس ) ، فيقصد به الذين هاجروا من مكة إلى المدينة بحثا عن مكان آمن لنشر الدين بالدعوة السلمية الموصوفة بالخيرية وليس بالتفضيل ، وفي كل الأحوال فإن الاختلاف في تفسير المبادئ من أجل البناء والإزدهار بالتعاون ، لا ينبغي أن يكون من أدوات وسمات العداء والبغضاء والتناحر والبغي بين الناس ، بدعوى الأفضلية أو الخيرية الخارجة عن المفهوم الحقيقي لها ، لأن الهدف منها الوصول إلى أعلى درجات ومراتب المنافسة البشرية في التعامل الإنساني المؤطر بمكارم الأخلاق ، مع بقاء جذورهما المتأصلة في منبت المعتقدات والعقائد المتعددة والمختلفة ، دون أن يتحول الإختلاف إلى صراع وقتال دائم ؟!. مثلما جرى على مر العصور دون تمييز بين الحق والباطل الذي أقرت فعله الشرائع الدينية . وقد أمر المسلمون بحسن معاملة أهل الكتاب سواء كانوا يهودا أو مسيحيين ، ما داموا غير محاربين .
*- لقد دخل المسلمون العراق عام 661 م (41 هـ) بعد إنهاء الحكم الساساني الإيراني للعراق ، وقد رحب اليهود بهم نتيجة الإضطهاد الذي كانوا يتعرضون له أثناء ذلك الحكم . وفي بداية فترة الحكم الإسلامي للعراق كانت توجد مدرستان كبيرتان لليهود ، تقع الأولى في مدينة سورا ( حاليا مدينة القاسم في محافظة بابل) وتوجد الثانية في فوم بديثا ( الفلوجة ) ، وكان يطلق على الحاخام رئيس المدرسة اليهودية تسمية جاؤون فيما عرفت هذه الفترة لاحقا بالجيؤونيم . ومع بدء عهد الدولة العباسية وبناء بغداد كعاصمة لدولة الخلافة ، إزداد عدد اليهود في بغداد وإنتقلت المدرستان الرئيسيتان إلى بغداد العاصمة ، ولم يشعر اليهود بالتفرقة في المعاملة ، فقد كان العصر العباسي عصرا ذهبيا لليهود مثلما هو حال جميع الأعراق والأديان في تلك الحقبة ، لدرجة أن أصبحت بغداد في تلك الفترة المركز الديني لليهود حول العالم ، وكان يتم توجيه جميع الإشكالات الدينية والفقهية اليهودية إلى بغداد ، لينظر فيها كبار حاخامات اليهودية فيها . وإستمر هذا الإزدهار حتى الغزو المغولي الذي أوقف ذلك الإزدهار والتطور الثقافي والحضاري ، حيث دمرت الكثير من الكنس . ولم يتحسن الوضع مع قدوم الصفويين فقد أساءوا معاملة اليهود أيضا . وعندما دخل العثمانيون العراق عام 1534 بعد طرد الصفويين منه ، فرضت الجزية على اليهود باعتبارهم من أهل الكتاب ، وهي ضريبة تماثل دفع البدل النقدي عن أداء الخدمة العسكرية حاليا ، وضمن ليهود العراق حقوقهم وأمنهم . وبعد فترة وجيزة من حالة الإستقرار ، عادت بغداد لتصبح مركزا للثقل اليهودي الديني والثقافي والاقتصادي على مستوى العراق والهند وبلاد فارس وعدن ، فتأسست عام1840 المدرسة اليهودية الكبيرة المعروفة بـ ( بيت زيلخا ) لتخريج الحاخامات .
*- كان لإتفاقية سايكس بيكو في سنة 1916 ، وهي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا ، على إقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا ، لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى . وقد جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الإتفاق الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك . وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16/5/1916. الأثر الكبير في عرض المعضلة اليهودية من خلال ( وعد بلفور ) ، المتمثل في رسالة وزير الخارجية البريطانية آرثر بلفور المؤرخة في 2/11/1917 إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني ، وذلك لنقلها إلى الإتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا ، وهو من عائلة يهودية ألمانية غنية جدا ، لدرجة أنها تقرض الدول ما تحتاج إليه من الأموال ، مما جعلها ذات هيمنة على تلك الدول وعلى سياساتها وقراراتها . وهي بذلك العائلة التي تبنت فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين لسببين أولهما : هجرة مجموعات كبيرة من اليهود إلى أوروبا ، وهذه المجموعات رفضت الإندماج في مجتمعاتها الجديدة ، وبالتالي بدأت تتولد مجموعة من المشاكل تجاههم ، فكان لا بد من حل لدفع هذه المجموعات بعيدا عن مناطق المصالح الإستثمارية لبيت روتشيلد . وثانيهما : ظهور التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الإستعمارية الكبرى في عام 1907 ، والمعروف بتقرير بانرمان – وهو رئيس وزراء بريطانيا حينئذ – الذي يقرر أن منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الحديثة .