23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

اليسارية أو اليسار ، هو مصطلح لتيار فكري وسياسي ، يسعى في مضمونه لتغيير المجتمعات إلى حالة فيها الكثير من المساواة بين أفراده ، وترجع أصول مصطلح ( اليسار ) الى الثورة الفرنسية وترتيب جلوس الأرستقراطيون والرديكاليون المتبعة انذاك في الأجتماع الأول لمجلس الطبقات سنة ( ١٧٨٩ ) ، لكن ماجاء بعدها يكشف إن هذا المصطلح صار أكثر إتساعاً عن قيمته الحقيقية ليشمل المواقف السياسية والأيديولوجية .
يتبادر للأذهان حين نطلق تسمية ( يسار ) على جهة معينة سواء كانت تعني إتجاه أو فكر أو عقيدة تتبادر مباشرة مفردة ( يمين ) ولنفس المسميات لكن ما يهمني هنا هو تعريف اليمين واليسار كمعتقدات سياسية بحته ، فاليمين واليسار هما وسيلة مختصرة لوصف المعتقدات السياسية للسياسيين والأحزاب والحركات السياسية المختلفة ، فعندما تسمع مصطلح ( يمين ) في عالم السياسة يجب عليك أن تعي إن المقصود هنا هي الفاشية ، الطبقة المحافظة ، الليبرالية ، والعنصرية أحيانا ،  وبعكسه ( اليسار ) فهو يعني الأشتراكية ، والمساواة ، الحرية ، والشيوعية ، الشيوعية هنا بصفتها فكر وليس إنتماء فكثير من مبادىء الشيوعية تتطابق مع افكار اليساريين من حيث المبادىء والأسس التي تقوم عليها هذا من جانب ، ومن جانب اخر تعتبر الشيوعية عند بعض المفكرين اتجاه ثالث لليمين واليسار أو مايسمى ( اليسار الجديد ) وهم الذين يؤمنون بمبادىء اللينينية والماركسية كعقيدة سياسية لهم .
إن مفهوم اليمين واليسار مفهوم قابل للتطور لانه يتغير بتغير المرحلة التاريخية وبالتالي فإن أهداف اليمين واليسار تتغير تبعاً لذلك حتما ، اي بمعنى أخر تتغير تبعاً لكل مرحلة تاريخية ، ولذلك فمن الممكن القول بإن اليسار يشكل تياراً معارضاً يدعو لتغير الوضع القائم ، بينما يحافظ اليمين على ذلك الوضع أو يريد بالرجوع بالوضع الى الوراء ، بمعنى أدق إن تيار اليسار يريد التقدم بالوضع من خلال تغييره نحو الأمام ويعتبر تياراً تقدمياً ، بينما اليمين يريد الرجوع والعودة بالوضع الى الخلف ويعتبر تياراً رجعيا ، وهكذا إتخذ التعبيرين طابعاً ايديولوجياً وأصبحا مفهومين مرادفين لمفهومي التقدم والتخلف اي ( التقدمي و الرجعي ) .
يضاف إلى كل ماتقدم البعد الدولي ، حيث ترتبط اليسارية الأشتراكية بالأتحاد السوڤيتي لأنه كان يمثل الطبقة العاملة على الصعيد الدولي ، واليمين يتحدد بالأرتباط مع الغرب الذي يعتبر رأس مالي ، ومع إنصهار الأتحاد السوڤيتي بعد الحرب الباردة إتسع المفهوم السابق لليسارية في العالم الغربي بوجود عدد من الحركات التي تصنف تحتها ، منها الأشتراكية ، والديمقراطية الأشتراكية ، والليبرالية الأجتماعية ، أما اليسارية في الشرق الأوسط فإنها ترادف العلمانية والشيوعية .كما إن هناك يمين ويسار سياسي ويمين ويسار أقتصادي ، فكلما كنت مع تقليص الحريات والحفاظ على القيم التقلدية للمجتمع و وجود حكومة قوية واسعه السلطات فأنت يميني ، واقل من ذلك فأنت وسطي ، واذا اردت توسيع الحريات وتوزيع مسؤولية الحكم وعدم تركيزها في يد حاكم او حكومة فأنت يساري ، او وسط اليسار بحسب مساحة الحرية التي تطلبها .
أما من الناحية الإقتصادية ، فإذا كنت مع الحرية الإقتصادية الأوسع والضرائب والرقابه الأقل فأنت يميني ، أو أقل من ذلك فأنت يميني وسط ، أما أذا كنت مع إلغاء جميع التفاوتات الإقتصادية والأجتماعية وسيطرة الدولة على الأنتاج والتجارة فأنت يساري ، وبالتالي من الممكن أن تكون يميناً أجتماعياً أو يسارياً أقتصادياً او العكس . 
اخيراً اود ان اوجز نقطة مهمة يحصل فيها اللبس كثيراً خصوصاً في هذه الفترة وهي إن هذه المصطلحات لا تستخدم بالضرورة بمعناها الحرفي ، فإذا قال احداً إنه يساري فلا يعني ذلك بالضرورة انه شيوعي كما هو شائع اليوم ، بل المقصود منه انه يسار الطيف السياسي بصفة عامة والعكس صحيح فيما يخص اليمين ..
هذا بإختصار ما يعنيه مصطلح ( اليمين واليسار ) السياسي حسب وجهة نظري ومدى فهمي للموضوع ، وهي وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ ، ولكل منا مفهومه الخاص بهذا الخصوص ، وهذا لا يعني بالضرورة إلغاء بقية الأفكار و وجهات النظر لأنها خاطئة ، بالعكس قد تضيف على هذه الفكرة فكرةٌ أخرى وبالتالي تزيد من قوتها وقوة تقبلها من الجميع .