نواب البرلمان الأوروبي صوتوا في جلسة لهم في يوم الخميس المصادف 25/2/2016 بأغلبية 359 صوتاً لصالح فرض الحظر، فيما عارض القرار 212 نائباً وغاب عن جلسة التصويت 31 نائباً آخر .هذه المبادرة تهدف على فرض حظر لبيع أسلحة أوروبية الى السعودية بعد ان أدت الغارات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية والحصار البحري الذي تفرضه على اليمن إلى وفاة الآلاف وتسبب في زيادة معدلات عدم الاستقرار في اليمن .ودعت بعض دولها في عدم تزويد السلاح وحضره على الرياض . وقد رحبت اكثرالقوى السياسية الثورية اليمنية وعلى راسها حركة انصار الله بالقرار وان كان القرار متأخر و غير ملزم من الناحية القانونية ويدل على ان هناك من استيقض من نومة وعاد الى ضميره لكن بلا شك هو عامل ضغط من أعضاء البرلمان الأوروبي يأملون من خلاله تحريك الاتحاد وحكوماتها بالتوقف عن بيع الأسلحة إلى بلد وصف بأنه متهم باستهداف مدنيين . والتي تقول الأمم المتحدة إن اكثرمن ثمانية آلاف شخص قُتلوا منذ بدأ اعتداء التحالف الذي تتزعمه السعودية عملياته هناك في مارس آذار من العام الماضي . اما الجامعة العربية في اجتماعها الاخير بشأن الموضوع اليمني رغم انها دعت الى أهمية وضرورة الالتزام الكامل بثوابت القضية ممثلة في الحفاظ على وحدة الارض واحترام سيادته واستقلاله وسلامة ابناءه ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية أو فرض أمر واقع بقوة السلاح والوقوف إلى جانب الشعب اليمني فيما يتطلع إليه من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية والنظام السياسي الذي يتفق عليه وتمكينه ومساعدته من تحقيق التنمية الشاملة التي يسعى إليه. نراها من جانب اخر تؤيد العدوان المخجل والدعم الكاملين للإجراءات العسكرية ( الاضطرارية ) التي تقوم بها قوات التحالف العربي ابتداءً من عاصفة الحزم “معربة عن املها في إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع اليمن والتصدي لأية أعمال من شأنها تهديد الأمن القومي العربي وأمن دول المنطقة. حقاً ان هذه المؤسسة كانت قد نطقت كُفراً في هذا التناقض والازدواجية في المعايير والتعامل وهو الوصف الأنسب الذي تستحقه ويليق بما يسمى بمنظمة ( جامعة الدول العربية ) أو بما تبقى من أطلالها فهذه الجامعة أصبحت خيالاً ماتت وفقدت كل ما يمكن التعويل عليها بشأن قضايا العالم العربي الذي تُعاني معظم دوله من همها .
لا شك ان ما قامت به السعودية من اعتداء على اليمن هو اعتداء سافر وجريمة تخالف كل قواعد القانون الدولي كما تخالف أحكام الشريعة الاسلامية التي تدعيها انها تحكم باسمها، والغريب ان المعتدين ساقوا الكثير من الحجج لتبرير عدوانهم على مدنيين عزل، وبالطبع تبعتها تحرّكات الماكينات الاعلامية ومعها بالطبع سياسيون وقانونيون ومن رجال دولة باعوا ضمائرهم بالدولار تارة وبالريال تارة اخرى ، ان القصف الجوي على المناطق اليمنية وقتل ابناء هذا الشعب وتهديم الدور والمساجد والمستشفيات والمدارس على رؤوس اناسها دون استثناء هو ضرب واضح لكل معايير القانون والسياسة وحتى العقل، فأي منطق عقلي او قانوني او سياسي يجيز الاعتداء على سيادة الدول والشعوب؟ وبأي معيار قانوني او ديني يبرر الغزاة قتلهم لمدنيين عزّل في اليمن؟ ولماذا يبيحون لانفسهم التدخل العسكري لتغيير وضع سياسي لا يريده هذا الشعب ولم يطلب منهم وفي محاولة ضرب ارادة مواطني اليمن يريدون فرض منهجا سياسيا خارج ارادتهم . لو تركنا لكل دولة الحق بالتدخل في شؤون دولة اخرى وتحديد ماهية نظامها السياسي سيؤدي ذلك الى ما لا يحمد عقباه في هذا العالم وعندها كل دولة قوية من دولة ذات الهيمنة ستتدخل بشؤون وتعتدي على الدول الاضعف، ما يعني اننا سنعود الى شرعة الغاب كما في القرون الوسطى حيث كانت الدول الكبرى تأكل الدول التي اقل قدرة منها .
ان التدخل السعودي الخليجي لفرض رأي سياسي على الشعب وحكومة غير شرعية على اليمن، يثير الدهشة في كيفية العمل ليل نهار لدعم الارهاب ضد الشرعية في العديد من الدول العربية والمنطقة وتجهد نفسها للاطاحة بحكوماتها كما انها تدعم جماعات ارهابية تأتي من كل حدب وصوب لتقاتل أبناء شعوب المنطقة .. هذه المواقف لا تحتاج الى كثير من التحليل سوى ان هؤلاء مبادئهم لا تختلف عن مصالحهم مع واشنطن خدمة لـ”اسرائيل” . العدوان السعودي أعاد للذاكرة مشاهد الاعتداءات الاسرائيلية الاجرامية على الشعب الفلسطيني وعلى لبنان وعلى العديد من الدول العربية ، لتؤكد ان قتل المدنيين والاطفال مصدره فكر إرهابي واحد ويخدم مصلحة واحدة تعادي الانسانية في كل مكان مهما اختلفت التسميات. اما اليوم نحن أمام جرائم تنتهك فيها القانون الدولي العام والانساني وكل أعراف ومواثيق حقوق الانسان و انتهاك لمبادئ اساسية في القانون الدولي وقانون الحرب أهمها والتي تنص على عدم استهداف المدنيين وضرورة التمييز بين المدنيين والعسكريين في أوقات الحروب وعدم القصف العشوائي لاسيما ضد المدنيين وكل ذلك يشكل جريمة حرب بحسب اتفاقية روما وبروتوكول جنيف .
أننا أمام عدوان بمعزل عن الحجة والذريعة وان لا شيء يبرر الاعتداء على دولة اخرى، وليس هناك جهة في العالم لها الحق في ان تستخدم القوة من اجل فرض اجندات خاصة بها وتمس الاعراف الدولية الا بقرار من مجلس الامن، حتى هذا المجلس ليس له الحق بالتدخل العسكري مباشرة بل عليه التدرج بذلك بدءاً من العقوبات السياسية والاقتصادية وفي النهاية قد يقدر ضرورة للجوء الى العمل العسكري ، أما ان تأتي دولة بذريعة ان دولة اخرى فيها نظام سياسي سيؤثر الى وضعها الداخلي فلا يمكن القبول بهكذا ذريعة لتبرير عداونها، وليس لها مقبولية من وجهة نظر القانون الدولي ويشكل جريمة عدوان ضد دولة مستقلة صاحبة سيادة وشعبها له الحق في تقرير مصيره بيده وانتخاب من تراه الانسب لقيادة بلده.