22 ديسمبر، 2024 8:55 م

اليمن .. الأمل المفقود

اليمن .. الأمل المفقود

مضت أيام على اعلان المملكة العربية السعودية عن انتهاء عملية عاصفة الحزم ضد معاقل الحوثيين في اليمن واطلاق عملية اعادة الأمل والتي تتسم بالتركيز على الاغاثة الانسانية واعادة البناء وتوهم الكثيرون وفي مقدمتهم الحوثيين بأن الحرب قد أنتهت وان النصر قد لاح بالأفق غير ان التصريحات السعودية المتعلقة بمواصلة التصدي للتمدد الحوثي كان لها رأي أخر والذي تمت ترجمته فعليا وفوريا بالغارات الجوية على اللواء 35 مدرع في تعز عقب سقوطه بيد الحوثيين واللواء 55 مدفعية التابع للحرس الجمهوري في يريم مع تكثيف القصف الجوي على عدن والتي تشهد تقدما حوثيا ملحوظا يقابله تراجع لتحالف الحوثي – صالح في تعز وتضارب الأنباء الواردة من مأرب ناهيك عن استهداف مستمر لمراكز القيادة ومخازن الأسلحة والمعسكرات مماعطل فرصة ظهور أي بادرة حل سياسي لهذه الأزمة .

مبدئيا تتفق جميع الأطراف المحلية والاقليمية والدولية على أولوية الحل السياسي وحتميته لكن الاختلاف بين طرفي الصراع يكمن في ماهيته ففي الوقت الذي ترى فيه حكومة هادي المنفية بان القرار الدولي 2216 والقاضي بانسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها بقوة السلاح وتسليم سلاحهم الثقيل المستولى عليه من مخازن الجيش اليمني للدولة أساسا جيدا للبدء بالحوار السياسي ، يصر الحوثيين على ايقاف القصف الجوي أولا قبل الخوض بتفاصيل ذلك الحوار دون التطرق لملفي نزع السلاح والانسحاب !! والذين كانا السبب الرئيسي لرفضهم القبول بالقرار الدولي ، ولعل مرد ذلك يعود لرغبة هادي بعودة الوضع الميداني اليمني لما قبل 21/سبتمبر 2014 وهو مايقابله اصرار حوثي على ترسيخ مبدأ الأمر الواقع وبين هذا وذاك يقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح ( العقل المدبر لهذه الأزمة ) مستمرا في الأعيبه من خلال الترحيب بالقرار الدولي ودعوته الحوثيين للانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها وبدء حوار وطني واسع تحت رعاية الأمم

المتحدة من ناحية وغضه الطرف عن قواته التي لاتزال تقاتل الى جانب الحوثيين وتعتبر السبب الرئيسي لتقدمهم واكتساحهم المدن والمناطق اليمنية تباعا من ناحية أخرى وهو ماتسبب بموجة من الاستقالات والانشقاقات داخل حزبه المؤتمر الشعبي العام .

لقد تمكنت عملية عاصفة الحزم من تدمير 80% من خطوط المواصلات و90% من مراكز السيطرة و80% من الصواريخ الباليستية و80%من ورش الصيانة والتصنيع ومخازن الأسلحة (وفقا للبيان الرسمي لقيادتها) لكنها فشلت بتحقيق هدفها الرئيسي والمتمثل بعودة الرئيس الشرعي المنتخب من مقره السعودي واجبار الحوثيين على التراجع لذا لايبدو ايقاف القصف الجوي بالخيار الوارد لدى السعوديين والذين يدركون جيدا بان مثل هذه الخطوة ستؤدي لانتصار حقيقي للحركة الحوثية والتي لاتزال تمسك بالأرض ولديها القدرة على الاستمرار بالقتال والصمود لفترة طويلة ، ولما كان الطريق الوحيد للحل السياسي هي بتوازن القوى على الأرض وهو مالم يتحقق لحد الآن رغم القصف الجوي والحصار البحري وشحنات الأسلحة الملقاة على اللجان الشعبية يعود الحديث عن احتمالية التدخل البري كورقة أخيرة لوقف التقدم الحوثي وهو ماتشجع عليه التغييرات الأخيرة التي طالت مراكز القيادة في العائلة المالكة السعودية والتي دفعت بالصقور السديرية الشابة لواجهة الأحداث استعدادا على مايبدو لمواجهة برية ترافقها شكوك قوية حول مدى قدرة الرياض على الصمود فيها حتى النهاية والخروج بنتيجة مشرفة منها خصوصا بعد الخذلان الباكستاني والتردد التركي والجنوح المصري عن تقديم دعم حقيقي لتحالف عاصفة الحزم .

ان التدخل البري السعودي ستكون له عواقب وخيمة على الرياض والمنطقة وسيكون جزءا من المشكلة لا الحل والذي لايتصور وجوده من دون اللجوء للحوار الجاد بين مختلف القوى اليمنية تحت الرعاية الأممية وفي مكان محايد واستنادا للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة وهو حل يقتضي مقدمات لابد منها على شاكلة نزع السلاح الثقيل من كافة الأطراف المتصارعة وحصره بيد الجيش والقوى الأمنية وتحول الحوثيين لحزب سياسي وخروج صالح من اليمن وتنحي هادي وافساح المجال لنائبه خالد بحاح لمحاولة انقاذ مايمكن انقاذه من أوضاع البلاد السياسية والأقتصادية والاجتماعية حيث يدفع شعبها وبنيتها التحتية ثمن هذه المأساة ويخشى في الوقت ذاته من تحول أزمتها الداخلية لحرب اقليمية مذهبية واسعة النطاق ستحرق نيرانها المنطقة المحترقة أصلا برمتها قبل اقتناع الرياض بأن عصر هيمنتها المطلقة على اليمن السعيد قد ولى دون رجعة وادراك طهران ان بلاد سبأ ومعين وقتبان أكبر من أن تستوعب بهذه الطريقة ، ولحين حدوث ذلك فأن اليمنيين سيكونون حطبا لهذه النسخة الجديدة من الحروب بالوكالة والتي تسببت بتدمير عدة دول عربية مقدمة بذلك لاسرائيل “خدمة مجانية” عجزت جيوشها عن تحقيقها مباشرة .