18 ديسمبر، 2024 7:19 م

تعيدنا الحروب اليمنية المتكررة إلى ذكريات التاريخ السحيق وحروب القبائل التي شهدتها الجزيرة العربية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين وهما: حرب البسوس وحرب داحس والغبراء، والأولى كانت بسبب جرح ناقة للبسوس وهي من بكر بواسطة كليب من تغلب، والثانية بسبب سباق بين جوادين أحدهما مملوك لقبيلة ذبيان والآخر لقبيلة عبس، واستمرت هاتان الحربان إلى ما يزيد عن أربعين عاماً.

وفي الآونة الأخيرة، ازداد الوضع في اليمن تفاقماً بشكل قد يعصف بوحدة البلاد وتتشظى إلى دويلات قبلية وطائفية، فقد جرى حلّ مؤسسات الدولة، وتعاظمت النزاعات واتسعت لتشمل البلاد بأسرها، فمنذ انتهاء حقبة الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح والتوقيع على المبادرة الخليجية التي وضعت خارطة طريق للحلّ بمشاركة الأمم المتحدة لم تستطع القوى اليمنية الاتفاق على تجسيد الحلول. وقد تسارعت الأحداث في الآونة الأخيرة وتمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة وعدد من المحافظات وانفرط عقد الحكومة واستقال رئيس الجمهورية وتم حلّ مجلس النواب واتخذت إجراءات وتشكلت هيئات بديلة من قبل الحوثيين لم تستطع إقناع الأطراف الأخرى.

إنّ الأوضاع الخطيرة التي تعيشها اليمن اليوم تتطلب اتحاد جميع القوى الوطنية اليمنية شرط عدم استئثار طرف على آخر عن طريق القوة المسلحة أو التهديد باستخدامها ومعالجة التحديات الكبرى التي تواجه الشعب اليمني في هذه

المرحلة الدقيقية والحساسة. ونعتقد أن حلّ المعضلة الخطيرة التي يواجهها اليمن تكمن في:

1ـ معالجة الأخطار والتحديات التي تتعرض لها الوحدة اليمنية التي أعلنت عام 1990 وقام على إثرها نظام فيدرالي مكون من إقليمين شمالي وجنوبي، ولكن انفراد علي عبدالله صالح بالحكم ومحاولاته المتكررة في تهميش الجنوبيين وإقصائهم أدى إلى تراكم المشكلات بين الشمال والجنوب، مما دفع ببعض أبناء الجنوب إلى المطالبة بالإنفصال. وإذا لم يتم احتواء الأزمة الحالية فإن هذا سيؤدي إلى انفصال الجنوب، وقد يكون هذا بداية لتقويض وحدة اليمن بأسرها وبخاصة بعدأن وصل الحوثيون مؤخراً إلى محافظة “البيضاء” التي تعدّ بوابة الجنوب، وقد يؤدي هذا أيضاً إلى تفتيت الجنوب اليمني نفسه إذ سبق لبريطانيا أن طرحت مشروع اتحاد فيدرالي مكون من ثلاثة كيانات في الإقليم الجنوبي الحالي وهي: اتحاد الإمارات الغربية، واتحاد الإمارات الشرقية وعدن ككيان مستقل.

كما أن اليمن الشمالي هو الآخر معرض للتقسيم نتيجة للصراعات الطائفية والقبلية والحرب المتجددة على أرضه.

2- العمل على توحيد الجهد الوطني للحدّ من تعاظم دور القوى الإرهابية وبخاصة أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة والذي أسهم بشكل فعّال في تأجيج الصراعات الطائفية مع الحوثيين، وقام هذا التنظيم مؤخراً بالسيطرة على بعض المعسكرات التابعة للجيش.

3ـ العمل على معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية وبخاصة ظاهرة الفقر التي أصبحت متفشية بشكل واسع في اليمن حتى أن بعض المؤسسات الدولية تقدر نسبة الفقر في البلاد بـ 70% من السكان. وفي هذا المجال من المفترض أن

تبادر دول مجلس التعاون الخليجي بالمساهمة الفعالة في معالجة قضايا الفقر في اليمن وتكف عن التدخلات السياسية التي تزيد النار اشتعالاً.

4ـ إن القوى الوطنية اليمنية لابد وأن تدرك بأنه لا يمكن لليمن أن يستقرّ ويحافظ على وحدته وسيادته الوطنية بدون جبهة وطنية واسعة تشارك فيها جميع القوى الوطنية من دون اسئثار طرف على حساب الآخر، وأن تعي أن طريق الحوار والبرنامج الوطني المشترك هو الذي يجنب اليمن شرور الإنفصال، ويمكنه من القضاء الإرهاب ويعزز وحدته الوطنية وينقذ شعبه من براثن الفقر ويضع البلاد على طريق التقدم والتطور.

* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية