قد يستغرب غير العارفين بخفايا الامور ومراحل بلورة الديكتاتوريات من استنتاجي الآتي, اما بالنسبة لمن عركته عواتي الاحزاب السياسة العراقية ولم يستقطبه احد قطبي المغناطيس الطائفي فانه يعرف ومن سماعه لخبر تفجير البرلمان العراقي واستهداف رئيسه -اسامه النجيفي- ان الجهة المستفيدة الاولى هي دولة القانون وعلى رأسها السيد رئيس مجلس الوزراء الذي وعد بان “ماينطيها” وهناك مايكفي من شبهات تقود الى الاستنتاج بضلوع جلاوزة المالكي بالعملية ساذكر لكم بعضها.
قبل ان اخوض بالشبهات والدلائل أود ان اذكر المتصيدين بماء الطائفية العكر انني لست طائفيا او بعثيا كي ادافع عن النجيفي ورهطه فانا شيعي من النجف الاشرف التي اتشرف بانتمائي لها ومن الذين ابلوا بلاءا مشهودا في الانتفاضة الشعبانية وحكم بالاعدام غيابيا واسقطت جنسيته وعاد الى الوطن بفضل “الجيش الامريكي” وتضحيات العراقيين.
أضف الى اني لاارى في النجيفي شخصية نزيهة وحامي للدستور وحقوق المواطن كي ادافع عنه ضد المالكي بل على العكس فاني اعتبر الرجل احد اهم اعمدة الفساد الاربعة – رئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان- لكني اعتبر ان صلاح النجيفي اقرب الى التحقيق من صلاح المالكي لذا لازال لدي أمل في عودة النجيفي الى جادة الحق. بل لعلي اعتبر ان لدى ثلاثة رؤساء مما ذكرت آنفا قدرة على اصلاح انفسهم وهذه القدرة طبعا تتفاوت من واحد الى آخر الا السيد رئيس مجلس الوزراء فانه صار عصي على الاصلاح بعد ان استرخص الدم العراقي.
لعل البعض ممن لازال في غمرة حنينه لخطابات “وافلام” الديكتاتور الميت اطربته طريقة اعادة صياغتها واخراجها من قبل الديكتاتور الحي وانعشت في نفسه أملا في عودة تلك الأيام الخوالي, لعل هذا النوع من العراقيين يرى في مقالي عجالة لانه يتوقعني مثله انتظر نتائج تحقيق قوات بغداد التي حتما سيقول اغلب العراقيين لقاسم عطا “نكعهه واشرب مايهه” او كما يقول المثل الانكليزي “احشرها في المكان الذي لاتشرق عليه الشمس”
نعود الى الشجن الرئيسي لموضوعنا, فالذي يقودني الى الاعتقاد بان أزلام المالكي هم من دبر عملية اغتيال النجيفي هي:
أولا. رغم ان كتلة المالكي ساعدت اسامه النجيفي على ترؤس البرلمان العراقي في محاولة منها لتفتيت القائمة العراقية الفائزة بالانتخابات الاخيرة وابعاد أياد علاوي عن اي منصب قيادي, لكن النجيفي شكل لاحقا صداعا كبيرا للمالكي اما من خلال تعطيل قوانين تدعم مساعيه الحثيثة لتاسيس ديكتاتوريته او تشريع قوانين تفعل الدستور و تحد من سلطة رئيس مجلس الوزراء لكن ما اثار حفيظة المالكي اكثر هو دعم النجيفي لجهود المحافظات العراقية ذات الاغلبية السنية بالمطالبة بتشكيل اقاليم في هذا الوقت الحرج الذي ينذر بانفراط عقد حكومة المالكي او اندلاع حرب اهليه “لاسامح الله” حال اكمال الانسحاب الامريكي فقرر ازلام المالكي التخلص من قائد ذو شعبية كبيرة, على الاقل داخل الوسط السني العراقي,.
ثانيا. يتولى لواء 56 من قوات بغداد والذي يتلقى أوامره مباشرة من رئيس مكتب المالكي فاروق الاعرجي وهذا اللواء درب تدريبا جيدا من قبل الامريكان وزود باجهزة الكترونية يستطيع منتسبوه من خلالها حساب اضلاع او رؤية الاعضاء التناسلية للداخلين الى المنطقة الخضراء فكيف يستطيع انتحاري قيادة سيارة محملة بالمتفجرات والدخول بهذه السهولة الى المنطقة الخضراء دون علم قادة الوحدة المسؤولة عن امن المنطقة؟
ثالثا. من غير المنطقي ان يستهدف الانتحاري الذي لابد ان يكون “ارهابي سني” قائد عراقي سني ولايستهدف رئيس الوزراء الذي هو اكثر اهمية من اسامة النجيفي وشيعي “رافضي كافر” ثواب قتله يوم القيامه –حسب تعاليم الارهاب- يفوق الاف المرات قتل قائد سني؟
رابعا. كذب المتحدث الرسمي لقوات بغداد قاسم عطا –اعتاد العراقيون على سماع اكاذيبه بعد اعلان نتائج اي تحقيق- من خلال قوله ان المستهدف بالاغتيال كان المالكي رغم الانتحاري اراد ان يركن سيارته بجانب سيارة اسامة النجيفي في مرآب اعضاء البرلمان.
خامسا. الادعاء بان المالكي وليس النجيفي من كان يستهدفه الانتحاري بحجة انه كانت هناك نيه لاستضافة البرلمان للمالكي هو ادعاء سخيف وكذب اجوف لابعاد الشبهة عن تورط المالكي في العملية والا لوكان الامر كذلك لحاول الانتحاري ركن سيارته وتفجيرها بالقرب من سيارات موكب المالكي, بربكم هل يعقل ان يقال عندما تنفجر سيارة مفخخة بالقرب من سيارة محافظ المثنى مثلا ان المستهدف هو نوري المالكي لانه كان ينوي زيارة المحافظة في الصيف القادم؟ ياأخي والله اجزم ان هذه الكذبه لاتنطلي حتى على قبائل الزولو.
سادسا. تكليف المالكي لقوات بغداد بالتحقيق رغم انها هي الجهة المقصرة ومن المتعارف عليه امنيا ان جهات مستقلة هي من يقوم بالتحقيق حول الخروقات الامنية لضمان الحيادية وعدم تسييس نتائج التحقيق, فتكليف المالكي للوحدة العسكرية المخترقة امنيا بالتحقيق هو دليل على خطة مسبقة مؤامرة محكمة لابعاد الشبهة عن المتورطين في العملية او حتى امكانية الاستفادة منها للتخلص من معارضي المالكي من اعضاء الحكومة او البرلمان من خلال اتهام حماياتهم بتدبير العملية فيخرج المالكي منتصرا في الحالتين –في نجاح عملية الاغتيال او في فشلها-.
سابعا. مهلة الثلاثة أيام التي اعطاها المالكي الى لجنة التحقيق هي احد اهم الادلة على انهاء الجدل حول التفجير خوفا من انكشاف خيوط المؤامرة اذاما طالت مدة التحقيق.
ثامنا. ان الهدف من عدم عرض الفيلم الذي سجلته كاميرات المراقبة في مداخل المنطقة الخضراء بعد دخول السيارة التي تحمل المتفجرات هو لكي لانعرف اي نقطة تفتيش اخترقت لان تحديدها سيحصر دائرة الاتهام ويسهل معرفة المتورط الذي سيدين اعترافه عن المتآمرين معه.
تاسعا. منذ اشهر يدور الحديث بين البغداديين عن نشاط المخابرات الايرانية في تجنيد انتحاريين سنه ومساعدتهم في استهداف معارضي سياسات المالكي وقد تكون هذه العملية بتنسيق وتعاون بين قوات بغداد والمخابرات الايرانية.
عاشرا. الكل يعرف ان ايران تحاول بكل ماتستطيع ان تفرض سيطرتها على العراق بعد الانسحاب الامريكي وبالتاكيد فهي لاتتمكن من تحقيق هذا الهدف مالم تقوم بتصفية القادة العراقيين المعارضين لسياساتها وتمهيد الطريق لابقاء المالكي في الحكم اطول فترة ممكنة. اسامة النجيفي اصبح اهم شخصية تقف بوجه المشروع الايراني ليس في العراق فحسب بل في الشرق الاوسط ككل لما يربطه من علاقات قويه بحكومة تركيا والحكومات العربية الداعمة لجهود الشعب السوري في اسقاط نظام الخنزير البعثي المترنح بشار الاسد الذي سيقطع سقوطه سلسلة الارهاب الايراني الممتدة الى حماس وحزب الله وبالتالي ينتهي دور ايران في الشرق الاوسط ليحل محله الدور التركي.