22 ديسمبر، 2024 10:37 م

اليسار والاسلام السياسي!

اليسار والاسلام السياسي!

بحث لقاء لجنة المتابعة لليسار العربي الذي عقد في المغرب ايام 7-9 من الشهر الحالي، في احد جلساته، علاقة اليسار بالإسلام السياسي. حيث تم استعراض تنوع تجارب هذه العلاقة واختلافات كل منها عن الاخرى في هذا البلد او ذاك. اذ لا يمكن وضع كل الاسلام السياسي في خانة واحدة، ويتطلب البحث العلمي التفريق بين التيارات الاسلامية، ومناهجها، ومرجعياتها الفكرية واتجاهاتها السياسية، وموقفها من الحريات العامة والمدنية والخاصة، وحجم اهتمام كل منها بالقضايا الاجتماعية لمواطني البلد المعني، وتصورات كل تيار لشكل نظام الحكم الذي ي?عى اليه، والقدرة على التعاطي مع الوجه السياسي للديمقراطية، وتكيفها مع القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة في مجال حقوق الانسان.
وحينما تضع اتجاهين من اتجاهات الاسلام السياسي في إطار المقارنة، بوجود عدد من التباينات التي تساعد في اعطاء نتائج علمية رصينة، ستجد ان الفروقات والاختلافات بين أي فصيلين اسلاميين اكبر من نقاط الالتقاء. فالخلافات لا تنحصر، حتى بين القوى السياسية الممثلة للطائفتين الاسلاميتن، وكما يراد تصويره، بمسألة الخلافة الاسلامية في صدر الاسلام وأي خليفة تحق له اولوية توليها! وانما تجد الخلافات اعمق بين قوى الاسلام السياسي في اطار الطائفة الواحدة.
وهكذا تم في اللقاء المشار اليه استعراض تجارب الأحزاب اليسارية وتعاملها مع احزاب الاسلام السياسي في كل مصر والسودان وتونس ولبنان والعراق والمغرب، وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة، واتضح اختلاف التجارب انطلاقا من خصوصية كل بلد، وطبيعة الصراع السياسي الاقتصادي الاجتماعي الدائر فيه. فإذا كانت قد تمت ازاحة الاخوان المسلمين في مصر عبر حركة الاحتجاج الجماهيرية الواسعة التي شهدتها البلاد وحسمها الجيش باتجاه ابعاد الاخوان، مثلما حسمتها الانتخابات في تونس قبل ايام، فانه في السودان انشق الاسلام السياسي الى جناح في الحك? وجناح آخر ابعد عن الحكم. بينما تنتهج قوى الاسلام السياسي في العراق، بمختلف توجهاتها وتنوع مرجعياتها، نهج الطائفية السياسية. وقد وفر هـذا لقوى الارهاب جواً تعبث فيه بامن البلاد، وبيئة مناسبة للفساد، كما ساهم في تمزيق نسيج المجتمع العراقي، تاركاً اثار سلبية على المواطنة. وبخصوص فلسطين فان حماس تمسك بالحكم في غزة وساهمت في تشابك اللوحة وتعقيدها.
وهكذا يمكن القول ان الخلافات الايديولوجية والفكرية كبيرة وواسعة ولا يمكن التوفيق بينها، وتبقى ساحة صراع مهمة لا يمكن تجنبها. بل والاهم من ذلك ان على القوى اليسارية، خوض هذا الصراع على ارضية بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وعلى قاعدة حقوق وحرية الانسان وكرامته وتوفير الضمانات الاجتماعية. اما على صعيد السياسة وظروفها وممارستها، فهناك مشتركات و فرص للتفاهم والتشارك في مساحة ممكنة للعمل المشترك.
في المقابل، اجمع المجتمعون على ان الحركات الاسلامية التي تلجأ الى استخدام الارهاب والعنف، هي حركات تتوجب مقاومتها، فهي صاحبة مشروع ظلامي متخلف لا ينتمي في كل الأحوال الى عصرنا الذي نعيش فيه، عصر احترام الانسان وحفظ كرامته. وتجربة الدولة الاسلامية ( داعش) وممارستها للارهاب والعنف المنظم، وبهمجية شائنة، حيث القتل اليومي، وسبي النساء وبيعهن، وانتهاك الحرمات، والإعدامات الجماعية، والافعال الشنيعة الاخرى من تفخيخ وتفجير، إنما هي اعمال وحشية بعيدة كل البعد عن القيم الانسانية.