قراءة في كتاب: التوسع الرأسمالي واليسار الديمقراطي
شكلت وحدانية خيار التطور، بعد انهيار تجربة بناء الاشتراكية،، معضلة فكرية للباحثين والمفكرين المهتمين بدراسة تطور العلاقات الدولية، نتجت عنها كثرة من الإشكالات.. منها: هل وحدانية خيار طريق التطور الرأسمالي الأخذ بالنموذج الأميركي للديمقراطية مثالا وحيدا للتطبيق في الدول غير المتطورة (المعروفة في الفكر السياسي سابقا بالدول النامية) التي كانت تعيش على هامش خياري التطور الاشتراكي والرأسمالي؟ ومنها: ما هو تأثير الانتقال لوحدانية التطور الاجتماعي على الصعيد العالمي على بناء الدولة الوطنية في المجتمعات التي تتخلص من الاستبداد؟ ومنها: ما هي العلاقة بين العاملين الدولي/ الخارجي والوطني/ الداخلي في حسم الصراعات الاجتماعية الوطنية، وما هو الحاسم فيهما؟ وأخيرا من يعطي الشرعية للسلطات الحاكمة في الدول الوطنية، هل الشرعية الانتخابية، أم الشرعية الديمقراطية وما هو الفرق بين الشرعيتين؟
تشير التجربة التاريخية بعد انتهاء الحرب الباردة واعلان وحدانية سبل التطور االرأسمالي في ظل العولمة ، إلى أن ضعف اليسار الإشتراكي سواء على الصعيد العالمي أو الوطني، أدى إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في العالم، وكان عدم الاستقرار اكثر وضوحا في المنطقة العربية. فعلى الصعيد العالمي نلاحظ ان نظام القطبية الواحدة أدى إلى :
هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى على المنظمات الدولية وتوجيهها لخدمة مصالحها الخاصة، أدى إلى فشل الأمم المتحدة في حل المنازعات الدولية وصيانة السلم والأمن في العالم؛
هيمنة الدول الكبرى على القرار السياسي للدول الوطنية وتراجع مفهوم السيادة الوطنية؛
فرض النموذج الامريكي للديمقراطية على الدول الوطنية، أدى إلى تخريب هذه الدول وانتشار العنف والفساد المالي والإداري في كثير من هذه البلدان؛
فرض شروط قاسية على البلدان النامية من قبل المنظمات المالية الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليان، التي تسيطر عليها الدول الرأسمالية الكبرى، من خلال الوصفات الاقتصادية التي تدعو إلى خصصة المؤسسات العامة وتقليل الدور الاجتماعي للدول في البلدان النامية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الفقروتدني مستوى المعيشة لاعداد كبيرة من المواطنين؛
تنامي ظاهرة الإرهاب وظهور المنظمات الإرهابية الدولية التي ينتشر نشاطها في كثرة من الدول.
وتزامن مع الظاهرة السابقة، توسع اللجوء إلى إرهاب الدولة من قبل الدول الرأسمالية الكبرى من خلال استخدام القوة المسلحة والعقوبات الاقتصادية والضغط السياسي، لفرض الهيمنة على الدول الوطنية التي تتخذ سياسة مستقلة في التنمية الوطنية؛
ومن أجل حل التناقض بين وصفات الليبرالية الجديدة لتطور البلدان الوطنية ومبدأ السيادة الوطنية جرى تعويم هذا المبدأ لصالح حرية التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان الاخرى من خلال الترويج لمفهوم التدخل الإنساني، فجرى استبدال مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بمبدأ التدخلات العسكرية لحسم النزاعات والحروب الداخلية، واستخدام القوة بهدف استبدال انظمة سياسية استبدادية بأخرى ” ديمقراطية”؛
عملت الليبرالية الجديدة على توظيف جهود العلماء والباحثين في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، للترويج لوصفات الليبرالية الجديدة، السياسية والفكرية، على الصعدين الداخلي والخارجي، فقامت بتأسيس معاهد الابحاث لتنظيم النشاط الفكري للباحثين، بهدف اعطاء مسحة علمية لأفكار اليبرالية الجديدة. وقد بدأت هذه المعاهد منذ بداية التسعينيات الترويج للمفاهيم الاساسية لليبرالية الجديدة المتمثلة في حرية التجارة والأسواق والمعلومات باعتبارها النهج الوحيدة للتطور الاجتماعي والاقتصادي على الصعيد العالمي.
تراجع دور القطبية الواحدة في حل الأزمات وتقليل التوترات في العالم الذي تشهد انتشار الحروب الأهلية في معظم القارات والتي بلغ عددها 62 حرباً منها 54 نزاعا مستمرة لحد الآن وضحاياها تزيد على ضحايا الحرب العالمية الثانية؛
تزايد المخاطر على السلم والأمن الدوليين، بسبب امتناع الدول الرأسمالية الكبرى عن وضع حلول للخلافات بين الدول وجاء الموقف من الخلاف الروسي الأوكراني، ليؤكد فشل نظام القطبية الواحدة في خلق السلم والاستقرار الدوليين وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية والمفاوضات؛
إنكشاف زيف وازداوجية المعايير في قضايا حقوق الإنسان ومعالجة أزمة النازحين واللاجئين، التي ركز عليها إعلام الليبرالية الجديدة خلال فترة الصراع بين المعسكرين. ( يبلغ عددهم اللاجئين 95 مليون، حسب احصاءات مفوضية الأمم المتحدة اللاجئين)؛
فشل نظام القطبية الواحدة في قيادة النظام الدولي الجديد الذي نشأ بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، ومن أبرز مظاهر الفشل، انسحابها من افغانستان الذي اذهل العالم، بتسليم افغانستان إلى طالبان التي ازاحتها الولايات المتحدة من السلطة بالغزو العسكري، بحجة مسؤوليتها عن أحداث 11 سبتمبر. لقد أدى هذا الإنساحب وقبله الانسحاب من العراق إلى فقدان مصداقية الشعارات الأمريكية بمحاربة الإرهاب، وقدرتها على الدفاع عن اصدقائها؛
أشارت التجربة إلى أن الهدف الحقيقي للعولمة الرأسمالية، هو عولمة رأس المال ليتحكم بمصادر الثروة في العالم وليس عولمة المصالح المشتركة لدول العالم كما تروج له الدول الرأسمالية الكبرى؛
اثبتت السنوات التي مرت على تطبيق العولمة الرأسمالية، أنها غير قادرة على مواجهة الأزمات التي تتعرض لها البشرية، حيث لاحظنا نزوع دول العولمة نحو الوطنية في التعامل مع جائحة كرونا متخلية عن الركائز الرئيسية للعولمة المتمثلة بحرية تنقل الأفراد والبضائع والخدمات ورأس المال وفتح الأسواق؛.
انتجت القطبية الواحدة الإعلام المعولم الذي سيطر على حرية المعلومات وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالح الدول الرأسمالية الكبرى، وكان الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية تجسيدا حقيقياً لطبيعة الإعلام المعولم حيث تميز بالحس العنصري والتمييز والإنحياز والرأي الواحد في نقل الأحداث وتحليلها، وقلب الحقائق والتدليس والتحريض على الكراهية والعنف ضد الروس، وهذا تكرار للهنج الذي سارعليه الإعلام المعولم ضد المسلمين بعد أحداث 11 سبتمر.
نمو الأحزاب اليمينية المتطرفة في كل الدول الرأسمالية وبلدان أخرى في العالم، مقابل تراجع شعبية أحزاب الاشتراكية الديمقراطية وضعف دور الأحزاب الشيوعية واليسارية؛
تحول موضوع صراع الحضارات التي بشرت بها الليبرالية الجديدة، كغطاء أيديولوجي للاندفاعة العسكرية والروح العدوانية الأمريكية إلى سياسة عنصرية استعلائية ونظرة دونية ضد الشعوب في العالم غير الرأسمالي، بسبب تنبني النخب الحاكمة فيها لأفكار الليبرالية الجديدة، باعتبارها الاداة الأيديولوجية التي ترتكز عليها في سياستها الخارجية.
فشل محولات مفكري الليبرالية الجديدة في التغطية على النتائج الاجتماعية السلبية عند تطبيق وصفات الليبرالية الجديدة في العديد من الدول الوطنية خارج العالم الرأسمالي، حيث تشهد هذه البلدان تخلخل نسيجها الاجتماعي وعدم استقرار بنيتها السياسية.
أما على صعيد الدول الوطنية فإن الأساليب الجديدة التي اتخذتها الدول الرأسمالية الكبرى في ظروف الرأسمالية المعولمة لتهميش الدولة الوطنية والهيمنة عليها، يمكن اجمال تأثيرها بالنقاط التالية:
أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها دول الرأسمالية المعولمة على الدول الوطنية بهدف جرها إلى حركة الرأسمال واضعاف قدرتها على النمو والتطور الاقتصادي المستقل وبالتالي تفتيت تشكيلتها الاجتماعية وافقار طبقاتها الاجتماعية المكافحة من اجل الاستقلال والسيادة الوطنية.
تشجيع الطائفية السياسية كأداة لتفتيت الدولة الوطنية.
التدخلات العسكرية في النزاعات الداخلية في الدول الوطنية وتوجيهها لخدمة أهدافها المتمثلة بالاطاحة بالحكومات الوطنية وفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية بقوة السلاح خلافاً للشرعية الدولية.
مساندة اليمين المتطرف وتقديم الدعم المادي والمعنوي والعسكري، لحسم الصراعات الاجتماعية الداخلية لصالح اليمين المتطرف، ساعد على نمو تيار الإسلام السياسي، وتصاعد نهجه إلى تخريب الدولة الوطنية وتفتت وحدتها السياسية لصالح كيانات طائفية وإقليمية وقومية.
مساندة الحكومات الدكتاتورية، باعتبارها حليفاً للرأسمال الدولي وكابحاً للتطور الوطني المستقل.
أن أسباب خفوت دور أحزاب اليسار الاشتراكي في البلدان العربية، ترجع إلى تخلف بنيتها الفكرية والتنظيمية وبالتالي عدم قدرتها على مواكبة الأحداث، بعد انهيار تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية، ولم تكن مهيئة للتغييرات السياسة الدولية التي أنتجها الطور المعولم من التوسع الرأسمالي التي تعمل باتجاه تحول تبعية الدول الوطنية التي ميزت حقبة المعسكرين إلى اندماجها بصيغة الإلحاق .
لقد طرحت خيارات عديدة لتكون أحزاب اليسار الاشتراكي فاعلة في مجتمعاتها، منها، أن تتحول أ إلى أحزاب يسارية ديمقراطية تشكل وريثا تاريخيا للحركة الوطنية الديمقراطية العربية وفاعلا نشطا في صيانة الدولة الوطنية من الإلحاق والتهميش، ومنها، إن التغييرات التي فرضتها الرأسمالية المعولمة، أجبرت قوى اليسار والديمقراطية في العالم على إحداث تغيرات على طبيعة ومضمون كفاحها من أجل الاجابة على كثرة من الأسئلة الفكرية والسياسية الناتجة عن إنهيار النموذج الذي بشرت به لشعوبها. ومن أجل أن تكون قادرة على النشاط بفعالية في الظروف الجديدة، قامت كثرة منها بمراجعة تجربتها السابقة، في كافة المجالات، ففي الجانب الإيديولوجي،على سبيل المثال، اخذت بتعدد مصادر الفكر الاشتراكي بدلا من الاعتماد على الماركسية فقط، وفي الجانب التظيمي، تجاوزت الطبقية من خلال توسيع قاعدتها الاجتماعية، كما قامت باعادة النظر بتركيبتها التنظيمية باعتماد الديمقراطية في حياتها الداخلية بدلا من المركزية الديمقراطية. كما تخلت أغلبية هذه الأحزاب عن الثورة ودكتاتورية البروليتاريا في كفاحها للوصول إلى الاشتراكية.
إن المراجعة السابقة، شهدت تجارب ناجحة، مكنت بعض الأحزاب أن تتكيف مع الاوضاع الجديدة. فعلى الصعيد الأوربي شهدت محاولات ناجحة، كان من أبرزها في المانيا حيث استطاع اليسار الألماني توحيد صفوف التيارات الاشتراكية بتكتل سياسي وانتخابي تمثل بحزب اليسار الذي اصبح رابع حزب في البرلمان الالماني، حسب نتائج الانتخابات الأخيرة. أما الأحزاب التي بقيت بمواقفها السابقة، ايديولوجيا وسياسياً فقد بقيت تراوح في مكانها تعيش على ماضيها التليد.
أما في المنطقة العربية، التي شهدت صعود تيار الإسلام السياسي، اجتماعياً وسياسيا، فلم تختلف ردود أفعال الحركة الإشتراكية بكل تلاوينها، وبهذا المجال، يمكن رصد ثلاث تجارب،
-الاولى، تجربة الحزب الشيوعي اللبناني الذي يعتبر من أول الاحزاب الماركسية العربية الذي حاول نقد التجربة الماركسية العربية، خاصة موقفها من القضية القومية والوحدة العربية والديمقراطية الداخلية، ورغم كل الجهد الذي بذله الحزب في الجانب الفكري، إلا ان تأثيره العملي في الحياة السياسية والمجتمع اللبناني بقى محدوداً لحد الآن.
– الثانية، تجربة حزب التقدم والإشتراكية البراغماتية في المغرب، هي من اكثر التجارب الناجحة في تعزيز دور الحزب الوطني والاجتماعي، وانعكس على حصول الحزب على نتائج جيدة في الانتخابات( 12 مقعدا في الانتخابات الاخيرة، وكان له سابقاً 18 مقعدا) وشارك بحكومة ائتلافية برئاسة حزب العدالة والتمنية الإسلامي.
-الثالثة، تجربة الحزب الشيوعي السوداني وهي من التجارب الأخرى التي تحتاج إلى بحث معمق، حيث بقى لصيقاً ببيئته الاجتماعية، وبذلك حافظ على دوره في المجتمع السوداني حتى في ظل حكم البشير، الأمر الذي جعله يلعب دورا فاعلا في الثورة الشعبية الذي اسقطت حكم الإسلام السياسي. واعتقد أن بقاء الحزب قريبا من هموم الفئات الشعبية وابتعاده عن كثرة التظير والتركيز على سياسة وشعارت ملموسة مفهومة من المواطنين، هي التي عززت دور الحركة الاشتراكية الديمقراطية في المجتمع وعلى صعيد الحركة السياسية التقليدية في السودان التي تمتلك تجربة عريقة في العمل السياسي بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى.
تكثيفاُ، نشير إلى أن ضعف فعالية اليسار الإشتراكي، إدى إلى تنامي النزاعات الوطنية وتحولها إلى صراعات حادة، ونمو الميول الطائفية والعنصرية والقومية، وتحول كثرة من الدول الوطنية إلى دول فاشلة غير قادرة على توفير الأمن الاجتماعي ، اضافة أزمات سياسية وصراعات بين النخب السياسية التي نهبت الثروات الوطنية وبالاشتراك مع الدول الرأسمالية الكبرى
يحاول الكتاب الجديد للصديق أ.د. لطفي حاتم، تحليل التناقضات التي تحول دون نجاح مساعي الهيمنة الأمريكية لفرض نموذج العولمة الامريكي على البلدان النامية وبقية دول العالم، مكثفاً هذه التناقضات بالنقاط التالية:ـ
أولاً، التعارضات بين الدول الرأسمالية الكبرى حول السيادة الفعلية على موارد وأسواق الدول الوطنية.
ثانياً، تعارضات بين أطراف الهيمنة الرأسمالية الكبرى على تصدير رأس المال واستغلال العمل الرخيص خارج حدودها.
ثالثاً، تعارضات بين قوى اليمين المتطرف المتسم بالنزعة الوطنية في الدول الرأسمالية الكبرى وبين العولمة الامريكية الكسموبوليتية الهادفة إلى التبعية والالحاق.
رابعاً، تعارضات بين أطراف التشكيلة الرأسمالية العالمية حول النزعة الديمقراطية ومحاولة تحجيم نزعاتها حول الديمقراطية.
خامساً، تعارضات مع نزعة الولايات المتحدة الإنفرادية بفرض هيمنتها على الدول الاخرى عن طريق العقوبات الاقتصادية التي تتعارض مع مصالح الدول الرأسمالية الكبرى.
كما تحاول أبحاث الكتاب، القاء الضوء على الأسباب التي أدت إلى تضاءل دور الدولة الوطنية في السياسة الدولية والتي يرجعها إلى تخلي النخب الحاكمة عن مبادئ الاستقلال والسيادة الوطنية بسبب تشابك مصالحها الخاصة مع قوى الهيمنة الدولية، وتبلور ملامح مرحلة انتقالية يطلق عليها بازدواجية السلطة بين المركز الرأسمالي والحليف الحاكم في الدولة الوطنية، حيث ينعكس هذا التغيير على المنظومة السياسية للدولة الوطنية وسلطتها السياسية تمهيدا لبناء المستلزمات الضرورية لتشكيل التكتلات الاقليمية التابعة.
ومن أجل حل التناقض بين وصفات الليبرالية الجديدة لتطور البلدان الوطنية ومبدأ السيادة الوطنية، يشير الباحث إلى تعويم هذا المبدأ لصالح حرية التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى من خلال الترويج لمفهوم التدخل الإنساني،
يشير الكتاب في هذا الصدد إلى استبدال مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بمبدأ التدخلات العسكرية لحسم النزاعات والحروب الداخلية، استخدام القوة بهدف استبدال أنظمة سياسية استبدادية بأخرى (ديمقراطية) إضافة إلى استخدام الضغط الاقتصادي من خلال الوصفات الاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية.
لقد حاولت أفكار الكتاب تحليل مخاطر الطائفية السياسية على الدولة الوطنية، مركزة على التجربة العراقية كمثال ملموس لاعادة بناء الدولة بعد الغزو الأمريكي عام 2003 على أساس نظام المحاصصة الطائفية ـ العرقية الامر الذي نتج عنه تشكيل دولة فاشلة خاضعة للإرادات الاجنبية، غير قادرة على تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع. ويحذر الباحث، من تطبيق نظام المحاصصة في البلدان العربية التي شهدت احتجاجات شعبية بعد عام 2011.
– من أجل تعزيز دور اليسار الإشتراكي، يطرح الكتاب عدة أسئلة تواجه الباحث المهتم بالفكر السياسي الاشتراكي، منها، هل باتت الاشتراكية ضربا من الخيال الغابر؟ هل تتمكن القوى الديمقراطية من بناء أنظمة سياسية تعني بمصالح الطبقات الفقيرة؟ ماهي الأساليب الكفاحية القادرة على تلبية مصالح القوى الوطنية والديمقراطية؟ ماهو النموذج الواقعي الذي تسعى القوى اليسارية لتحقيقه في المرحة الراهنة بعد أن أصبح تحقيق الاشتراكية بعيد المنال؟ كيف يمكن التوفيق بين مفهوم الحزب الجماهيري والحزب الإنتخابي؟
يعترف الباحث ان هذه الاسئلة تحتمل اجابات متعددة لا يستطيع العقل الفردي الاجابة عليها، لذلك حاول تركيز اهتمامه على النموذج الاجتماعي الذي مازالت له شعبيته قائمة إلا وهو نموذج ” دولة الرعاية الاجتماعية ” الذي يعطي ملموسية لكفاح الاحزاب اليسارية والديمقراطية في تحشيد كافة الفئات الاجتماعية الكادحة والفقيرة، الذين يشكون أغلبية اجتماعية، معللا إختياره بالمعطيات التالية:
مفهوم دولة العدالة الاجتماعية يرتكز على موازنة المصالح الاجتماعية بين طبقات التشكيلة الاجتماعية في الدولة الوطنية.
استناد دولة العدالة الاجتماعية على الشرعية الديمقراطية للحكم والذي تتنافس فيها القوى الاشتراكية واليمينية الرأسمالية.
تعتمد دولة الرعاية الاجتماعية على الطبقات الاجتماعية العاملة وصيانة مصالحها الطبقية.
يمكن اعتبار دولة العدالة الاجتماعية شكلاً متطوراً من أشكال الديمقراطية الاجتماعية تحقق في بلدان في عدة بلدان في شمال أوربا.
لا يخلو الكتاب من العديد من الاستنتاجات التي تدعوا الباحثين والمفكريين إلى مواصلة التعمق بدراستها في المستقبل نشير إلى بعضها :ـ
إن الاستناد إلى الشرعية الانتخابية للسلطات التي تقوم على آليات الديمقراطية، الانتخابات فقط، يضعف الشرعية الوطنية للدولة، لأن بناء الدولة الديمقراطية يشترط توفير الضمانات الاجتماعية، التي تقوم على قاعدة التوازنات الطبقية للتشكيلة الاجتماعية الوطنية.
إن حل مشكلة الدول متعددة القوميات يتطلب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، على أساس فيدرالي لضمان حقوق كل القوميات، بهدف تعزيز وحدتها الوطنية.
تطوير المفهوم الديمقراطي للوحدة القومية على قاعدة التقارب الاقتصادي العربي المتمثل في بناء أسواق عربية مشتركة، تشكل في نهاية المطاف القاعدة السياسية لاتحاد كونفيدرالي عربي واحد.
إن مقاومة نهج التهميش والإقصاء الذي تعتمده سياسة الدول الرأسمالية، تتطلب البحث عن أشكال جديدة للنضال الوطني، تقوم على إشراك جميع الطبقات والفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني، وإقامة دول تحترم حقوق الإنسان، السياسية والاجتماعية.
أخيرا، إن الأفكار الواردة في الكتاب تستحق القراءة بتمعن باعتبارها خلاصة لجهد نظري متميز ناقد ومتابعة مباشرة من قبل الباحث المبدع، لتطور العلاقات الدولية وتأثيراتها على الدول الوطنية، خلال العقود الخمسة الأخيرة، مركزا بشكل خاص على نقد أفكار الباحثين في البلدان الغربية الذين يروجون لأفكار الليبرالية الجديدة، باعتبارها الوصفة النموذجية لإعادة بناء الدولة الوطنية في المنطقة العربية خلال حقبة نظام القطبية الواحدة.