18 نوفمبر، 2024 1:14 ص
Search
Close this search box.

اليريد الكرامة يركض ويانه

اليريد الكرامة يركض ويانه

هناك نوع من الموال من الشعر العامي يطلق عليه الزهيري، وهذا نموذج قصته ان فتى احب فتاة من بنات قريته، فقام بارسال اهله لخطبتها، وكان ابوها يتحجج ويماطل بعد ان عرف قصتها مع الشاب، فاقسم ان يدعها في البيت بدون زواج لآخر العمر، وكان كلما يأتي العاشق للخطبة، يقول الاب اصبر لحين انقضاء موسم الحصاد، فيصبر المسكين، وبعدها يتحجج الاب بموسم البذار، الى ان سرقه العمر واصبح كبيرا وقد ولت سنوات الشباب الجميلة فشكا امره الى كبار القرية فقالوا له: اصبر، فقال:
( الدهر غدّار وبكل وكت فاتنّي
لاتامنه لوزرعلك ورد فاتنّي
بد ذات ماله وفه كل وكت فاتنّي
ايست منه وضكت اثمار زرعه صبر
ورفعت راسي وعليّ اعداي لهّم صبير
ناشدت اهل العكل والراي كالوا صبر
كلت الصبر وين والايام فاتنّي
وها نحن نشيب مع مهزلة الكهرباء، عشر سنين عجاف ونحن نهرول خلف اسلاك المولدة، ونعيش في زمن وسخ بكل المقاييس ، حتى انني اجزم ان لامحنة مرت على العراقي الشريف مثل هذه المحنة، اما الفاسدون فهو وقتهم الذي تمنوه منذ الاف السنين، الشعب الذي يسكن مدينة بغداد حاليا خليط غير متجانس، ثقافات متعددة، ثقافة البدو وثقافة المدينة وثقافة الريف، حيث تأمر ثقافة البادية: ان الحك بالسيف والعاجز يدور اشهود، وتأمر ثقافة الريف ان الكذا الذي تعدى فخذي، عساه بكذا او بكذا، وتبقى ثقافة المدينة التي لم يبق من سكانها سوى بيوتات قليلة لان بيوتاتها الباقية  قد اندثرت تحت وطأة الهجرة او القرف من الهمج الذين خربوا كل شيء وغيروا معالم بغداد، وثقافة المدينة تصرخ وتستنجد ولسان حالها يقول: قلّتهم ذهب وكثرتهم جرب.
دائما اتجنب ان اخوض بمواضيع كهذه، لكن الامور وصلت الى خط النهاية، وتذكرت مسلسلا تلفزيونيا عرض في سبعينيات القرن المنصرم، وصادف ان شهدت بغداد ازمة للنقل قاتلة حينها، وكانت واسطة النقل الرئيسة هي مصلحة نقل الركاب، يظهر المسلسل الزحامات الخانقة التي يواجهها المواطن بانتظار ان يتربع على كرسي المصلحة، وفي يوم ما وساعة ما تأخرت المصلحة وانتظر الناس وحين جاءت كانت مكتظة، فصرخ احد الواقفين بالجموع : (اليريد الكرامه يركض ويانه)، مخطىء من تصور ان القضية تتعلق بالمالكي وحزب الدعوة فقط، استيقظت مدينتي بالامس على اسلاك الكهرباء الوطنية وهي تتدلى من عروشها، هذا القطع المتعمد للاسلاك تمارسه جهات سياسية ودينية، اضف الى ذلك الضغط الذي يواجهه موظفو وعمال محطات توزيع الكهرباء، حيث يتم تهديدهم ان يقطعوها ، هذا يجري وسط صمت الناس وجبنهم وخوفهم، لا بل تعدى الامر الى ان هناك تهديدات ان لم تنتخبوا الجهة الفلانية، وللعلم فان التهديدات جماعية، ونحن نمتلك رئيس وزراء ينادي بالقانون ويقول ان الدولة قوية والحكومة قوية، في حين ان الحكومة ضعيفة جدا ولاتستطيع ان تعمل شيئا، حكومة فاسدة تغاضت عن المفسدين واللصوص والقتلة، بقيت تنظر للقاتل وهو يكبر وهي تغض النظر، الى ان تمادى القاتل والفاسد واللص، فصار لزاما على القلة القليلة الباقية من الشرفاء ان تغادر الوطن، وعليها ان تنتخب كبيرا لها يقف على الحدود العراقية ويهرب باتجاه اية دولة وهو يصيح: اليريد الكرامه يركض ويانه.

أحدث المقالات