23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

اليد الواحدة لاتصفق

اليد الواحدة لاتصفق

لايمكن للمخلوق البشري أن يعيش بمفردة بمعزل عن ألأخرين مهما عظم شأنه من الناحية المادية والسلطوية أو الفكرية لأن الفرد يكون في حاجةٍ ماسة لفرد أو مجموعة أفراد عند لحظةٍ معينة من لحظات الحياة. حتى الدول بمختلف أنواعها تحاول بين الفينةِ وألأخرى تطوير علاقتها مع دولةٍ ما أو مجموعة من الدول لتضمن وقوف تلك الدول معها عند الضرورة القصوى أو في مجالات معينة أخرى. هذا المفهوم الذي نحنُ ألان في صدد طرحة بطريقةٍ مبسطة سبق وأن طُرح في مواضيع كثيرة حسب المفهوم الفلسفي والفكري لصحاب الطرح. جميع الطروحات تصب في معينٍ واحد ألا وهو- ألأتحاد قوة..والتعاون يخلق لحظة من لحظات ألأنتصار في هدفٍ مشترك. في مراحل التعليم ألأبتدائي كان المعلم يفسر لنا أهمية التعاون وراح يضرب لنا المثل المعروف للجميع عن مجموعة العيدان التي لايمكن أن تتهشم إذا جُمِعَتْ في حزمةٍ واحدة   الى آخر الحكاية . اليوم جلستُ قرب السياج الخارجي لدارنا المتواضعة بعد أن أنهكني التعب لأنجاز عمل ما في الحديقةِ الخارجية الصغيرة. كانت هناك مجموعة من ألأسلاك الشائكة الفائضة عن الحاجة ترقد بطريقةٍ عشوائية قرب الجدار. منذ زمن ليس بالقليل وأنا أحاول نقلها الى مكانٍ آخر أو إهدائها الى جار من الجيران ربما يستفيد منها في مكانٍ ما. شمرتُ عن ساعدي وشرعت بسحب تلك ألأسلاك الشائكة بحركةٍ للخلاص منها الى ألأبد. كانت بالنسبةِ لي ثقيلة جدا وراحت متشعباتها الحديدية تتعلق في أغصان هذه الشجرة أو تلك وكأنها تسخر من قوتي التي حاولتُ مضاعفتها بشق ألأنفس. لم أنجح في إنجاز المهمة إلا بشيء بسيط لايمثل طموحي الكبير في إنجاز تلك المهمة. جلستُ متهالكاً قرب الجدار أرسل نظراتي الى المساحة الممتدة أمام الدار. سمعتُ صوت أقدام تقترب مني تخرج من بيتنا المتواضع لتستقر قربي. ” أكدر أساعدك؟” . نظرتُ اليهِ بفرحٍ وحزنٍ في نفس الوقت. صبيٌ في المرحلةِ الثانية من المدرسة المتوسطة. جاء هذا اليوم الى بيتنا كي يتلقى دروساً مجانية في الرياضيات على يد شريكة حياتي كنوع من المساعدة اليه. إبتسمتُ في قرارة ذاتي وكأنني أستهزأ بكلامة ” هل تستطيع أنت أن تسحب معي هذه ألأسلاك الجاثمةِ هناك كدينصور منقرض في زمن التاريخ القديم. ؟” . 
شكرتهُ بصوتٍ مرتفع معللاً السبب أنني لاأريد أن تتسخ ملابسهُ النظيفة. وقف الى جانبي صامتاً خجولاً لايعرف ماذا يفعل. بدون سابق إنذار سالتهُ فيما إذا كان قد سمع بحكاية الفأرةِ التي أنقذت ألأسد يوماً. أخبرني بجوابٍ سلبي يدل على أنه لم يسمع هذه الحكاية يوماً ما. قفزتُ واقفاً مخاطباً إياه ” تعال معي  إذا نجحتَ في مساعدتي لأخراج هذه ألأسلاك الشائكة ووضعها في المكان الذي أروم وضعها فيه عندها سأحدثك عن تلك الحكاية. ” تحفز الصبي ورحنا نجر تلك ألأسلاك ولهاث أنفاسنا تتصاعد الى الفضاء بصوتٍ مسموع. الغريب أن الصبي لم يكن كما كنت أتصور. كان قوياً بدرجةٍ ملحوظة لاتتناسب مع هيكله الجسدي. جلس قربي على ألأرض وأتسخت ملابسة بالتراب والعشب وماشابه ذلك.

طلب مني أن أحكي له تلك الحكاية. وأنا اذكر الفأرة وكيف أنها كانت تتوسل بألأسد حينما أراد أن يلتهمها في لمح البصر- راح سيف يضحك بأعلى صوته – كيف يمكن أن تساعد تلك الفأرة الصغيرة ذلك الحيوان المهول؟ تركتهُ يهدأ قليلاً كي أرسل له حكمة بليغة في التعاون عند الحاجة الملحة حينما يحتاجها بعضنا للبعض ألآخر.كانت قسمات وجهه ونظراته تتغير مع تقدم سرد الحكاية. وقع ألأسد يوماً في مصيدة من حبالٍ شديدة القوة كان صيادٌ ما قد نصبها في الغابة لتهشيم معنويات ذلك الملك الحيواني الذي يتفاخر في تنقلاته اليومية في طول الغابة وعرضها ولاأحد يستطيع الوقوف في وجهه مطلقاً. كان ألأسد قد فقد قواه من شدة المحاولات المتكررة للخلاص من ذلك ألأذلال الجسدي والنفسي الذي تعرض له من جراء تلك الشبكة القوية. جاءت الفأرة تعرض على ألأسد مساعدتها لتخليصهِ من عذابهِ الجسدي والنفسي. سخر منها ألأسد – وكيف تستطيعين مساعدتي بجسدكِ النحيف هذا ؟- قفزت الفأرة برشاقة وراحت تقرض الحبل بسرعةٍ هائلة من كافة الجهات  وفي لمح البصر تحول ألأسد من سجينٍ الى مخلوقٍ طليق . شكرها بقوة مخبراً إياها أنها ستكون في مأمن مادام هو على قيد الحياة. نظر سيف نحوي بصمتٍ وشاهدتُ في نظراته تفكيراً عميقاً لمدلول تلك الحكاية. في الزمن الذي نعيش فيه ألآن تواجهنا ملايين الحكايات كتلك الحكاية لكننا لانلتفت اليها وكأن شيئاً ما قد رانَ على قلوبنا وتحولت أرواحنا الى مشاريع لاتنتهي من العنف في كل مكان. الغني لايعترف أصلاً بالطبقات المسحوقة ويعتبرها مجرد مخلوقاتٍ فائضة عن الحاجة ولن يأتي اليوم الذي سيحتاج فيه تلك – الفئات المسحوقة- . رجل السياسة الكبير والرجل الذي تحول فجأة من لاشيء الى وزير يحيط بنفسهِ برجالٍ وسلاحٍ ولايحترم قواعد المرور والسير. لو تحولت كل الفئات المتصارعة في بلدي الى قوةٍ واحدة ورمينا خلف ظهورنا أسباب الخلافات الثانوية وتوحدنا لنكون قوة واحد بأختلاف طوائفنا ومعتقداتنا وعشنا تحت مفهوم واحد ألأ وهو حب الوطن وألأرض المقدسة لكان حالنا شيئا آخر ولن يستطع أي صياد على وجه الكرة ألأرضية أن يوقع أسداً واحداً من جميع ألأسود التي تتصارع فيما بينها لأقتطاع جزء من الغابة لتنفرد بها بعيداً عني وعنك وعن ألآخرين.