22 ديسمبر، 2024 10:56 م

اليد التي دقت رقبة صدام هي من هشمت جمجمة صالح!!

اليد التي دقت رقبة صدام هي من هشمت جمجمة صالح!!

منذ اندلاع الثورة اليمنية وتداعياتها وانطلاق عاصفة الحزم بعد ان تجاوز الانقلابيون ومن خلفهم من المليشيات و القوى الاقليمية حدهم وسعيهم لتصدير الفوضى خارج حدود اليمن وبالذات صوب الجزيرة العربية فقد نأيت بنفسي عن الولوج في الملف اليمني لما له من تداعيات وتعقيدات وجذور يصعب على اغلب الكتاب العرب التطرق اليها بشكل دقيق وتفصيلي الا لمن هو متواجد وقد عايش كل التفاصيل والمتغيرات التي فاقت كل التحليلات والتدابير وحتى من اعتى مخابرات الدول فاكتفيت بمقالات معدودة وركزت في مقالين مهمين على الوضع اليمني بعد عاصفة الحزم وكان لابد من كتابتهما في حينها للفت أنظار القراء والمتابعين الكرام لأس المشكلة وجذورها ونشروا في جريدة الوطن البحرينية وبالامكان الرجوع اليهما في الموقع الالكتروني لمن اراد الاستزادة ،فكان المقال الاول يحمل عنوان (بذور بريمر في بغداد أنبتت حنضلا في صنعاء!!)

والآخر حمل عنوان (صراع متقابل بين عاصفة ومفاعل!!)

واليوم وبعد ان خرج المشهد اليمني عن المألوف والروتين القاتل في حرب ضروس لم يتمكن اي طرف من تحقيق مبتغاه او من الغاء الآخر لكن القاسم المشترك الوحيد الذي نجح الجميع في تحقيقه هو القتل الجماعي للشعب اليمني المسكين الذي تحول بيد كل الاطراف المتصارعة على الارض الى دروع بشرية وتفوقوا بجدارة على مقدرة القنبلة الهيروشيمية في زرع الدمار الشامل وتحطيم البنى التحتية وافقار وتجويع وتشريد اهلها واخراجها كدولة حديثة من منظومة الدول المتحضرة العالمية لتتحول الى دولة مهلهة مليئة ببرك من حمامات الدم والمقابر الجماعية وكومة احجار ومخيمات وأوبئة وامراض ودمار !!

ولكل طرف من اطراف الصراع وجهة نظر ومبررات يحاول تسويقها لكن بقوة السلاح بعيدا عن لغة الحوار وهذه ليست مشكلة اليمن فحسب بل هي مشكلة متجذرة موروثة في الجينات بالجنس العربي فقلما اجتمع الاضداد على طاولة حوار لحلحلة مشاكلهم بعيدا عن التعالي و التخوين وصليل السيوف وجعجعة السلاح فمنذ القديم فان الحسام ممشوق يسبق ويتغلب على لغة العقل وهو الفيصل وربما يكون هو السبب الرئيسي لتخلفنا عن ركب العالم !!
ولن ينصلح حالنا ابدا وستنفجر بين الحين والاخر قنبلة ولغم لعدم توافر عناصر ماهرة حاذقة ولغاية اليوم يحكموا العقل والخبرة و يبادروا لتفكيكهما !!

وقد استغلت القوى الكبرى هذه العقلية العربية بل شجعتها ودفعت بها وتسعى وبكل خبث وحنكة بالوقوف مع جميع الاطراف المتناحرة والنفخ فيهم, فمنهم تسانده بالسر ومنهم بالعلن وكلما زاد الاحتقان والتطاحن زادت العقود الفلكية ومبيعات الاسلحة المتصدئة!
ومن مجموع ترليونات الدولارات التي انفقت على التسليح اكاد اجزم ان 99% منها نحرت بها الشعوب العربية والواحد بالمائة استخدمت في حربي العرب مع الكيان الصهيوني !!

نقطة الضعف العربية المتأصلة هذه والضياع وغياب المشروع العربي القومي ادركته جيدا ايران وهي تتحين الفرص ومنذ اندحارها على اسوار بغداد فقد لعقت جراحها واعادت تنظيم صفوفها وانفتحت على العالم الغربي وسبقت العرب بمراحل واستطاعت ان توجد لها مقاعد وفيرة في كل دولة مؤثرة في حين ان الحكومات العربية يحيك بعضهم المؤمرات ضد بعض الاخر يضطهد شعبه بدكتاتورية مقيتة وبشعة جدا لكسب الوقت في بقائه واولاده في السلطة لاطول فترة غير آبه بما تؤول اليه الامور ..

وبعد احتلال وسقوط العراق وتخلي العرب عنه واصطفافهم مع المشروع الامريكي المضلل في جعله واحة للديمقراطية تخلخلت اغلب الدول المجاورة واصبحت ذات ارضية رخوة وجدران متصدعة وكان الوقت مناسب جدا للانتشار السريع للمد الايراني لكن هذه المرة عن طريق الوكلاء واستغلال المذهب وتسخيره بذكاء في اذكاء الفتنة الطائفية وتجييرها لصالح المد الايراني كما هو حاصل في دول هي شبه محكومة من الولي الفقيه في بغداد والشام ولبنان ويمننا الذي كان يوما سعيدا، والاخرى تعمل خلاياها بكل ما اوتيت من دهاء وبانتظار ساعة الصفر!!

اليمن ذلك البلد الذي تمكنت ايران ان تضبط الايقاع فيه وتمسك بجميع خيوطه ولم تترك خيطا واحدا للطرف الاخر وقد قلنا مرارا ياسادتي انكم لا تقاتلوا الحوثي انكم تقاتلون ايران والحرب الدائرة هنالك شبيه بالضبط بالحرب العراقية الايرانية ابان ثمانينيات القرن الماضي مع اختلاف في الزمان والمكان والشخوص فالعدو واحد والمشروع هو مؤجل واحد وسوف لن تنتهي الحرب كما تشتهون وتريدون وستطول فصولها وستنزف اقتصادياتكم وهذا مبتغاهم الاول لتأتي بعدها الصفحة الثانية !!

فالصلف الايراني معروف وان كان قد هزم في حينها واعترف الخميني بانكساره عندما وافق مرغما على وقف اطلاق النار التي استمرت دون هوادة لثمان اعوام.. فاليوم الوضع مختلف تماما فالدماء التي تسيل لايوجد بينها دماء ايرانية بل هي عربية سنية وشيعية لذا لايوجد ضغط شعبي وداخلي ليؤثر في ايقافها !!

ماحصل من نهاية مأساوية للراحل علي عبد الله صالح كان متوقعا فالرجل على مسيرته السياسية المضطربة والتي حاول من خلالها التشبث بالسلطة بأي طريقة وحتى لو كان على حساب دماء شعبه كلفته حياته,, وبقتله انتهى فصل مرير من فصول فتنة اليمن وقد نكون مقبلين على فصول اخرى ربما هي اشد ضراوة وسيتضح بعدها اللاعب الرئيسي هنالك ..

هكذا يتم تصفية بعض القادة والرؤساء العرب ممن زحف على حين غفلة منهم ذلك المشروع والغول واخترق بلدانهم حيث ان وقوفهم بالضد منه او حتى اتخاذهم موقف المتفرج او حتى تسهليهم له و اصطففاهم فانه في نهاية المطاف سيعرضهم لا محالة للتصفية وهي تعد و تنفذ بعناية فائقة وبخلط للاوراق وينسدل الستار عنهم بعدها دون معرفة الجاني الحقيقي رغم ان كل الدلائل تشير بشكل او بآخر الى اليد والمكر الايراني المعروف على مدى تاريخها القديم والحديث في تصفية مناوئيها..

ربما قد تشفى البعض لطريقة مقتل صالح لما اقترفه من ظلم وخراب جلبه لشعبه بسبب ديكتاتوريته واصراره واستماتته وسعيه بالعودة الى السلطة وتنكره للمجتمع العربي وخطأه الجسيم بتحالفه مع ايران العدو الاشرس للعرب اليوم وتقويته للحوثيين بانظمامه لهم ومناصرتهم حيث كان يتوقع بحسابات خاطئة انهم الرقم الاصعب الذي لا يمكن تجاوزه وباستمالتهم وكسب رضائهم ربما سينصبوه رئيسا للجمهورية مرة اخرى..

والبعض الاخر تأسف لمقتله وعرضه بالشكل المهين دون مراعاة لحرمة الميت و رحيله المبكر عن اليمن والذي هو اليوم بامس الحاجة لقائد يعيد لم شمل شتاتهم وكان الامل معقودا عليه من مناصريه وبعضا من شعبه خصوصا انه وبعد ان شعر ان كفة الميزان الدولية لا تميل لصالح مشروع ايران التوسعي فحاول سريعا تبديل موقفه والانسلاخ عن حليف الامس والعودة بالاصطفاف مع جماهيره والتقرب من التحالف لكن قراره جاء متأخر جدا فقامت الايدي التي لم تعد خفية بقطع الطريق عليه وعلى باقي اطراف الصراع خوفا من خروج المشهد عن مساره فقررت سريعا ازاحته من المشهد نهائيا ..

ان اليد التي هشمت جمجمة صالح واليد التي ساقت صدام الى حبل المشنقة ورددت شعارتها الطائفية يد واحدة مع الفارق الكبير بين الاثنين فالاول اصطف وفسح وناصر مشروعهم ثم عند انكشاف اللعبة انشق عنهم فسارعوا لقتله والثاني اذلهم و قاومهم وافشل مشروعهم رغما لما حل من دمار للعراق وشعبه وماكانت لتهزم ايران في حينها لولا توحد العرب واصطفافهم
مع العراق رغما للاستغفال والتوريط والتعنت والغرور والمكابرة التي اصطبغ بها الطرفان لكنه وفي نهاية المطاف كانت النتيجة واحدة وتتمثل بسحق بلد عربي وتديمر اقتصاده ثم عاد المشروع الايراني للواجهة مجددا بالالتفاف والعودة من بوابة اخرى ولكن هذه المرة مع اجندة اضافية تعتمد على تصفية حسابات الماضي وابتلاع العراق والثأر من الخصوم وملاحقتهم و الوصول الى القيادات وتصفيتهم اما بصفقات وتحالفات دولية واقليمية واما باختراقات وخيانات وتحريك خلايا نائمة محلية!!

وبمقتل صالح أبرقت رسالة واضحة للجميع ان قوى الشر العالمي لاتريد استقرارا في المنطقة وانها مستعدة لازاحة كل من يقف بطريقها حتى لو كان يوما ما حليفها !!
ولعلها ان تكون درسا وعبرة للجميع بإن ينبذ العرب وقادتهم خلافاتهم جانبا ويسارعوا ويتحدوا قبل فوات الاوان وقبل ان يؤكلوا كما اكل الثور الاسود!!