23 ديسمبر، 2024 2:59 م

اليتيم والقصر الملكي قصة من واقع الخيال

اليتيم والقصر الملكي قصة من واقع الخيال

الجزء الثاني
وماهي الى مدة يوم اويومان حتى جاءت مفرزة من وزارة الداخلية السعودية وقاموا بتسجيل عائلة السيد مانع ومنحهم شهادة الجنسية لان قوانين الاحوال المدنية في تلك الفترة اصبح تطبيقها في اغلب بلدان المنطقة وكان محمود من ضمنهم ولكنهم سجلوه بأسم محمود مانع على اعتبار انه ابن الشخص الذي يعمل عنده..
اصبح محمود ينظر يوميا لشهادة الجنسية والهوية التي منحتها له الدولة التي يسكن فيها وينظر الى صورته الشخصية بتعجب… استمر المطاف به خمسة سنوات تقريبا تعارف من خلال عمله بجلب المياه على احد ضباط شرطة الهجانة في المنطقة والذي كان يميل له كثيرا كصديق فطرح على محمود فكرة التطوع بالشرطة في تلك الدولة فوافق على الفور ولكنه ابقى الامر معلقا بموافقة السيد مانع الذي يعتبر والده في الاوراق الثبوتية وبعد عودته الى منطقته طرح الموضوع على العم مانع فوافق وقال له نحن نبقى اهلك ونتمنى لك التوفيق في حياتك فابلغ صديقه الضابط على الموافقة وبعد اسبوع اكمل صديقه كل اجراءات التطوع فقام محمود بوداع عمه مانع الذي اعطاه مبلغ مالي جزاء عمله طيلة هذه السنوات فقال له محمود اين اذهب بهذا المال وانا ذاهب الى الوظيفة ولكن العم مانع افهمه ان هذا حقه وعليه ان يستشير أصدقائه الجدد في الخدمة بذلك وبالفعل بعد ان عرف التفاصيل صديقه الملازم فهد بذلك قام بفتح له حساب بأقرب مصرف سعودي وتم ايداع المبلغ فيه…
التحق محمود في بداية خدمته في دورة تدريبية في العاصمة الرياض والتي يسكن اهل الملازم فهد فيها حيث اعطاه عنوان اهله هناك ووعده بانه سوف يزوره في معسكر التدريب عندما ينزل في اقرب اجازة له…
تغيرت حياة محمود كليا وخاصة اثناء التدريب في الدورة واكتشافه حياة جديدة بعيدا عن حياة الرعي والبادية فهنا كل شيء متوفر والامور طيبة ماعدا مشقة ساعات التدريب.. كان كل المعلمين ينادونه باسم محمود البدوي لأنه ضخم البنية ويتحمل التدريب ولايبالي لذلك.. وبعد مدة تسعة اشهر وفي نهاية الدورة جاءتهم لجنة عسكرية فيها كبار الضباط يريدون ان يختاروا الكفوئين واصحاب الاجسام الضخمة فقط وكان محمود اول الاختيار فذهب معهم الى معسكر آخر وابلغوه انهم يريدون منه دخول دورة تدريبية اخرى لمدة ثلاثة اشهر وتكون دورة قوات خاصة لانهم يحتاجونهم في مهمات خاصة بعد نهاية الدورة ولكن المعسكر الجديد كان قاسيا بتدريباته على محمود ومع هذا كان دوما يقاوم الحياة ويصبر على ذلك.. وما انتهت الدورة الخاصة حتى منحوه لقب الفارس الاول على اقرانه وهنا وبعد يوم واحد على نهاية الدورة جاء احد الضباط من القصر الملكي واختار محمود وشخص آخر معه فقط وذهب بهم الى القصر وابلغهم انهم سوف يكونون في الحماية الخاصة للملك. كل هذا ومحمود مازال يجهل الكثير في الحياة ولكنه كان يتعايش بصمت مع الجميع مدركين انه يعرف كل شيء.. كانت الامور في تلك الفترة داخل القصر الملكي تسير بصورة جيدة وكان هناك مدرسة الزامية لتعليم القراءة والكتابة بنظام التسريع لكبار السن فدخلها محمود وكانت احب شيء الى قلبه وخلال ثلاث سنوات فقط تجاوز المرحلة الابتدائية ولينهي الدراسة المتوسطة بثلاث سنوات اخرى وهو ضمن الخدمة في القصر الملكي فانفتحت له الحياة اكثر عندما صدر مرسوم ملكي بأرسال كل من يرغب من افراد الحماية الملكية الخاصة الى الدراسة في بريطانيا على شرط ان يكون من خريجي المتوسطة فما فوق وبدون دراية ومن باب حب الاستطلاع رشح محمود نفسه لتلك الدورة… وفعلا تم منحه جواز السفر وصعد الى الطائرة ومعه عدد من اصدقائه وكانت هذه اول مره يصعد فيها محمود الطائرة ويذهب خارج المملكة وعند جلوسه في مقعد الطائرة عادت الذكريات الى محمود الذي اصبح عمره الان الثانية والعشرين تقريبا… فقام يتذكر ايام قريته في العراق ورحيله مع البدو ومجيئه الى السعودية والمصادفة التي جمعته مع الملازم فهد الذي ما زال صديقه ويتواصل معه دوما والظروف التي جعلته يواصل دراسته هناك والتي ارسلته الى هذا المقعد داخل الطائرة.. حلقت بهم الطائرة عده ساعات وكان قلب محمود يرجف كثيرا خائفا من الطائرة رغم انه كان البطل في كل دورات التدريب وعند وصولهم الجهة المقصودة نزلوا من طائرتهم وكانت هناك سيارات خاصه تنتظرهم واوصلوهم الى المنطقة التي سوف يلتحقون فيها وينهون دورتهم هناك كان محمود ومن معه لا يجدون اللغة الإنجليزية نهائيا ولا يعرفونه ولا حرف واحد من ذلك ولكنهم مع الممارسة استطاعوا ان يجيدوا اللغة الإنجليزية واستطاعوا من خلال دورتهم التدريبية والتي كانت مدتها ثلاث سنوات والتابعة لاحد الاكاديميات العسكرية في المملكة المتحدة تم منحهم على اثرها شهاده اكاديمية عسكرية تؤهلهم بان يكونوا ضباطا في الجيش الملكي السعودي وكانت تسلسل محمود الاول في هذه الدورة حيث قامت المملكة المتحدة بمنحه سيف الشرف الذي تمنحه جلالة الملكة لكل طالب من المتفوقين في الكليات العسكرية البريطانية.
هذا محمود ومن معه وهو يحمل هذه الشهادة وهذا الوسام الذي قدمه لعامر لاحد امراءه في الجيش السعودي والذي بدوره سلموه الى الديوان الملكي حيث قام الديوان بإبلاغه بان جلاله الملك قرر منحه رتبه اعلى من زملائه كونه كان الاول في دفعته هنا اصبح الملازم اول محمود في الجيش الملكي السعودي من المميزين والمقربين الى الديوان الملكي وكان يعتمد عليه في كل واجب يكلف فيه…… وعودةً على قريته في جنوب محافظه نينوى حيث جاءت والدة محمود الى القرية بعد سنة اوسنتان لتبحث عن ابنها لعلها تأخذه معها الى دار زوجها الثاني ولكنها وجدته قد سافر الى منطقة مجهولة لا يعرفونها اهل القرية وبما انها في ظروف لا تسمح لها بعتابهم.. قامت بتفويض أمرها الى الله سبحانه وتعالى ودعائها الى ولدها ان يوفقه الله ويحفظه اين ما كان وشرحت لهم اسباب زواجها الثاني والظروف الصعبة والقاسية التي مرت فيها واجبرتها على الزواج وان تركها لابنها وسط اقاربه كان لابد منه…وابلغت مختار القرية وزوجته بان يبلغوها باي خبر يأتيهم من ابنها. ابلغها المختار بوجود امانة لابنها عدد من الماشية ولكنه اضطر لبيعها كون السنين تأتي احيانا عجاف وتكون قاسية عليهم
وان مبلغ المال قد اشترى له بها قطع ذهبية ولكنها امانة لا يستطيع منحها لاحد… بعد ان اصبح محمود ضابط في الحرس الملكي السعودي اصبح له معارف كثيرة وخاصة قسم منهم من الامراء من العائلة الحاكمة فاصبح له نفوذ في المملكة وفي احد المرات اقام الديوان الملكي دعوة عامة الى كل السفراء واعضاء السفارات من الدول العربية الموجودين في المملكة.. وهنا عادت الذكريات بمحمود الى بلده العراق فكان متشوقا بان يلتقي بأعضاء السفارة العراقية وهذا ما حصل فعلا وعندما التقى بهم سألهم هل يوجد معهم او بينهم احد من اهالي محافظة نينوى فقالوا له نعم يوجد لدينا القنصل الاستاذ عبد اللطيف الجبوري وهو من اهالي قضاء الشرقاط وكانت في وقتها تابعة اداريا لمحافظة نينوى وابلغوه انه قنصل عام للسفارة العراقية في الرياض وبعد ان قدم نفسه الملازم اول محمود البدوي تعرف على القنصل الذي سأله عن منطقة تابعة الى قضاء الحضر محافظه نينوى فقام القنصل بالإجابة بأنه يعرف تلك المناطق كونه من سكان المنطقة المجاورة لها عندها بادره محمود بالسؤال عن قريته فأجابه بان زوجة عمه كانت تسكن تلك القرية قبل اكثر من 20 عام تقريبا وانها تزوجت عمه عبدالستار بعد وفاة زوجها وان لديها الان ابناء وبنات واغلب ابنائها ضباط في الجيش ومن باب الشوق اللاإرادي سأله محمود عن اسم تلك المرأة فاستغرب القنصل من هذا السؤال فقال له هل لديك معارف هناك قال اجبني على سؤالي الان هل اسمها ((امهيه)) قال نعم ولكن من اين عرفت اسم زوجة عمي فنزلت الدموع من عينيه وقال انها امي وانا ابنها الذي تركته وعمره لا يتجاوز اربعة اوخمسة سنوات في القرية وسرد له كل قصته من اولها الى هذه اللحظة التي التقيا فيها فتعجب كل العجب الاستاذ عبد اللطيف من هذه القصة الغريبة والعجيبة في نفس الوقت هنا سال الملازم اول محمود الاستاذ القنصل عبد اللطيف كيف يمكن له ان يلتقي بوالدته فقال له ان الامر ليس بالصعوبة وما عليك الا ان تحصل لهم موافقه خاصة لزيارة المملكة لها ولزوجها والافضل في موسم الحج وانا اتكفل في الباقي وسوف تأتي الى هنا وتتعرف عليها وتشرح لها كل قصتك لأنني لا اريد الا ان احدثهم بشيء وموسم الحج الجميع يرغب بأداء هذه الفريضة والمجيء الى هنا..وبقي التواصل فيما بينهم الى عدة شهور وفعلا قبل موسم الحج بأيام قام محمود بالطلب من احد الامراء بمفاتحة وزارة الخارجية السعودية بمنح تأشيرة دخول خاصة لإثناء من معارفه في العراق وتم تلبية طلبه فتكفل القنصل عبداللطيف بمتابعة الموضوع وكانت ايام صعبة جدا على محمود فرغم ما وصل اليه الا انه لا يملك لا ام ولا اب ولاعائلة فهو الوحيد رغم انه قارب على الثلاثين سنة من عمره ولكنها ارادة الله في ذلك…
وما ان بدا موسم الحج حتى بدا الحجاج يتوافدون من كل فج وصوب على المملكة العربية السعودية وهنا ابلغ القنصل الاستاذ عبد اللطيف الملازم الاول في الحرس الملكي محمود بان قافلة والدته سوف تكون عن طريق البر …