23 ديسمبر، 2024 3:55 م

اليات استرداد الاموال العراقية المهربة الى الخارج

اليات استرداد الاموال العراقية المهربة الى الخارج

إن المتورطين في عمليات الفساد يتفننون في إخفاء ثمار الفساد وعائداته باعتماد طريقة تهريبها إلى الخارج وإيداعها بحسابات بنكية محصنة أو تداولها في سوق الأعمال ضمن أنشطة غسيل الأموال من خلال انشاء او الانتماء إلى مؤسسات استثمارية لا تظهرهم بشكل واضح في الصورة.عن طريق شبكة بالغة التعقيد من العلاقات والحسابات والأرصدة، التي تبدو عمليات تتبعها مهمة مستعصية.
ومن الامور المحيره ان العراق بالرغم من الحجم الهائل للاموال المهربة سواء قبل 2003 او بعدها ورغم كل الحديث عبر وسائل الاعلام عن ضرورة ملاحقة تهريب الأموال، الاانه لاتتوفر في العراق  إحصاءات أو تقديرات دقيقة لحجم الأموال المهربة بالرغم من وجود هيئة للنزاهة كان من المفترض ان تكون اولى واجباتها ضبط حجم الأموال المنهوبة ومعرفة الملاذات التي نُقلت إليها. وأن تقوم بالتحريات والاستدلالات، لمعرفة المال العام المُهرب. حيث تعتبر مديرية استرداد الاموال احد التشكيلات  في هيئة النزاهة ونص عليها قانون النزاهة رقم (30) لسنة 2011 في المادة (11) ومهمتها استرداد اموال الفساد المهربة الى الخارج بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية وتضم مديريتين احداهما لاسترداد الاموال والثانية لاعادة المتهمين ومحاكمتهم في العراق. الا ان عمل دائرة استرداد الاموال لم يكن بحجم المليارات التي تم تهريبها، فهيئة النزاهة منذ تأسيسها نجحت لمرة واحدة باسترداد الاموال التي اختلستها احدى موظفات امانة بغداد، اما ملفات الوزراء والشخصيات الاخرى فامازالت حبيسة الادراج المغلقة .
وتشير تقديرات الخبراء على سبيل المثال الا ان صدام حسين وأسرته قد استولوا على 40 مليار دولار من أموال العراق خلال سنوات حكم الرئيس السابق، لكن اي حكم قضائي لم يؤكد هذه التقديرات.وكانت الإدارة الأميركية قد شكلت فريقا من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة ووزارة العدل للقيام بهذه المهمة، غير أن هذا الفريق لم يحقق النجاح المرجو من هذه المهمة ما أدى الى ضياع الكثير من المستندات الخاصة بهذه الثروة، وقد تنقل الفريق منذ ذلك التاريخ بين 50 دولة كان للعراق أو لصدام بصفة خاصة تعاملات مالية معها. كما أن قسما من الأموال المهربة يعود إلى عمليات اختلاس قام بها مسؤولون حكوميون تورطوا بها وقاموا بتهريبها إلى الخارج، ومن ثم اختفوا مع تلك الأموال . وبالرغم من تصويت مجلس النواب العراقي بالإجماع على تعديل قانون ضبط الأموال المهربة، ومنع التعامل معها في الأسواق المحلية، إلا أن مبالغ كبيرة من الأموال العراقية المهربة قبل العام 2003 وبعده مازالت مودعة لدى مصارف عالمية.
مسألة استعادة الأموال ليست مستحيلة ولكنها ليست سهلة وتتطلب استراتيجية وتكاتفاً من جميع الخبراء القانونيين، واستغلال الاتفاقيات الدولية والمبادرات الدولية ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التى انضمت إليها حتى الآن 148 دولة وقد حددت هذه الاتفاقية الآليات اللازمة لاسترجاع الأموال المنهوبة التى تم تهريبها للخارج وأنه إذا ثبت الاتهام فى حق المتهم وصدر حكم قضائى بمصادرة الأموال المنهوبة، يتقدم النائب العام بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لإعادة هذه الأموال إلى الدولة المطالبة باستعادة اموالها وفقا للاتفاقية وهذا يتضح من خلال المواد 54 ، 55 ، 57 ،
كما أطلق البنك الدولى والأمم المتحدة عام 2008 مبادرة أخرى تسهل على حكومات الدول النامية استعادة الأموال المنهوبة التى نقلها رؤساء فاسدون إلى دول غنية أطلق عليها اسم مبادرة ستارStar لاسترداد الأصول المسروقة وتسقط هذه المبادرة أية حصانات سياسية أو دبلوماسية على مهرب الأموال، حتى لو كان مازال رئيسا للدولة، بشرط أن تتقدم حكومته بطلب للتحفظ على هذه الأموال الموجودة فى أى من بلدان العالم الأعضاء فى اتفاقية البنك الدولى حتى يتم التحقيق فى حجم هذه الثروات وكيفية الحصول عليها من الاتفاقية ولقد اشارت التقارير الى ان حجم تلك الاموال حوالي  225 مليار دولار.
           ان من المسائل الصعبة التي تواجه جهود ملاحقة الاموال المهربة تتمثل في الحصول على البينة القانونية الكافية التي تثبت ارتكاب هذا الشخص أو ذاك لجريمة تهريب الأموال. حيث أن دول العالم ومن اجل المحافظه على ثقة المودعين في نظامها المصرفي  تطلب بعض الإجراءات من البلدان التي تسعى لاسترداد أموالها المنهوبة، مثل توفير الأدلة الكافية على أن الأموال المودعة في مصارفها أو التي هي بحوزتها هي أموال منهوبة فعلا أي غير شرعية. لذلك اطلقت مجموعة الدول الثمان في اجتماع قادتها في دوفيل بفرنسا عام 2011 جهدا دولي تحت اسم شراكة دوفيل مع الدول العربية التي تمر بمرحلة تحول من أجل مساندة تلك الدول نحو إقامة مجتمعات حرة وديمقراطية ومتسامحة. في قمة كامب ديفيد، أقر زعماء مجموعة دول الثمان بالتقدم المهم الذي تحقق في عدد من الدول التي تمر بمرحلة تحول، وتعهدوا بمواصلة دعمهم لعمليات التحول تلك في أربعة مجالات أساسية ذات أولوية، هي: تحقيق الاستقرار، وخلق الوظائف وفرص العمل، والمشاركة/الحكم الرشيد، والاندماج في الاقتصاد العالمي.
أن  عملية استعادة الأموال تتطلب صدور حكم نهائي من قاض طبيعي، لأن الدول الاخرى لا تعترف بالاحكام التي تصدر عن المحاكم الاستثنائية أو الخاصة ، ومن ثم فانها تعتبر الحكم الذي يصدر عنها، غير ذي بال، لأن استعادة الأموال يجب ان تكون بحكم نهائي من محكمة جنائية، اي من قاض طبيعي ومن الضروري ان تتوافر في الحكم الصادر، الضمانات القانونية كافة مثل: حق الدفاع عن النفس واخذ الوقت لدراسة القضية وتحضير الدفوع، فضلا عن استنفاذ الطرق القانونية للطعن فيه.وهناك اجهزة دولية ومنظمات تقدم مساعدات كبيرة في اعادة هذه الاموال، لكنها تحصل على نسبة منها غير ان تشكيل لجنة رسمية بقرار من رئاسة الادعاء العام وبتفويض رسمي من الحكومة يوفر تلك النسبة، فضلا عن تزويدها بما يؤيد هذه الاتهامات، وبذلك يحق لها التقدم بطلب رسمي للدول الخارجية للتحفظ على هذه الممتلكات الى حين البت في القضايا، وبهذا لا يحق للدولة او البنوك الخارجية خصم اي نسبة من هذه الاموال جراء اتخاذ اجراءات تحفظية عليها. اما مايتعلق بتحويل الأموال السائلة المنهوبة إلى عقارات أو استثمارات في البلدان التي هُـرّبت إليها، فان الدولة إذا ما كانت تملك ما يُثبت أن تلك الأموال تعود لها، فستُعامل كما تُعامل الأموال والأملاك المحجوزة على الأشخاص، أي أنها ستكون مُخيّرة بين أخذ العقارات وبيعها أو تحويلها إلى أموال سائلة، إذا رفضت الخيار الأول.
             من الامور التي لايمكن نكرانها هي تلك التي تتعلّـق بتراخي الدول المستقبلة للأموال المنهوبة في إرجاعها، خوفا من تأثر عُـملتها المحلية وتضعضع اقتصادها في صورة إعادة تلك الأموال، خاصة في ظل الأزمات الإقتصادية التي تعصف ببعض البلدان الغربية. بيْـد أن الاتجاه العام، كان رفض تلك الذرائع انطلاقا من مبدإ “العدالة الدولية”، التي لا تُجيز أن تنعم مجتمعات مُوسرة بالرخاء، بينما يتضرر أصحاب الحق في تلك الأموال .
ان جهود استعادة الاموال المهربة تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على معلومات عن الحسابات البنكية للمسؤولين السابقين، رغم إحالة الوثائق المتعلقة بها إلى الدول التي استقبلت تلك الأموال مما يعيق تحديد الحجم الحقيقي للأموال المنهوبة من العراق حيث ان اهمية تلك المعلومات تكمن في أنها تساعد على تفكيك الشبكة العنكبوتية التي نسجها أشخاص فاسدون، بإنشاء شركات وهمية واستخدام أسماء مزوَّرة، للتخفي خلفها وحجب المصدر الحقيقي غير الشرعي لتلك الأموال  مما يتطلب الاستعانة بمصادر المعلومات المؤسسية والمالية والعقارية المناسبة، لاستخدامها في التحقيقات المالية، والإستفادة من سجلات التصريح المالي والضرائب وغيرها من الأدلة.
ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺍﺳﺘﺮﺩﺍﺩ ﺍﻷﺻﻮﻝ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺆﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻷﻁﺮﺍﻑ مثل ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﺠﻠﺲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻐﺴﻞ ﻋﺎﺋﺪﺍﺕ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻭﻛﺸﻔﻬﺎ ﻭﺿﺒﻄﻬﺎ ﻭﻣﺼﺎﺩﺭﺗﻬﺎ، 1990؛ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻭﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺭﺷﻮﺓ ﺍﻟﻤﻮﻅﻔﻴﻦ ﺍﻷﺟﺎﻧﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، 1997؛ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻮﻁﻨﻴﺔ، 2000؛ وﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، 2003.
عمليات الاسترداد تمر بثلاث مراحل هى، البحث عن الأموال، تجميدها، ثم مصادرتها، والكشف عن آلية ردها لدولة المنشأ، علما بأن كل مرحلة تختص بتنفيذها جهات معينة.
فمثلا مرحلة الكشف عنها، تقوم بها الجهات الرقابية فى دولة منشأ تلك الاموال بالتنسيق مع نظيرتها فى الدول الاجنبية. وهنا تبرز الحاجة الى خلق تنسيق داخلى واضح بين الجهات الرقابية والادعاء العام فى بداية الاجراءات
كما  أن إجراءات استرداد الأموال تتوقف على عدد من العوامل من بينها، أن تلك الاجراءات تتم وفقا لقوانين الدول الاجنبية، لذا نحتاج دائما الى التعاون بين الجهات الرقابية ونظيرتها بالخارج لمحاولة ترجمة المعلومات والوقائع التى يتم التوصل اليها بشأن أية أموال. كما ان تنفيذ عمليات رد الاموال تستلزم صدور احكام قضائية نهائية مشتملة على غرامات بمبالغ مالية يمكن من خلالها المطالبة باسترداد الاموال، بجانب أن قوانين الدول الأجنبية تطلب ان تكون هناك علاقة بين المال المقضى به فى الحكم والأموال الموجودة لديها.
هناك عدة طرق لإسترداد الأموال المنهوبة من الخارج، أولها إقامة دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية فى الدول الموجود بها هذه الأموال، وذلك بعد ثبوت الإدانة فى المحاكم العراقية.
أما الطريقة الثانية فهى الطرق الدبلوماسية الضاغطة بين الحكومات والتعاقد مع شركة من الشركات الدولية المتخصصة فى التحرى والبحث عن هذه الأموال المهربة من حجم الأموال كما حدث من قبل فى رومانيا والمجر ، وهذه الشركات متوافرة فى بريطانيا ومتخصصة فى ذلك.

          الطريقة الثالثة هي استخدام الاليات التي جاءت بها  ‬مبادرة Star  ستاروتعتمد علي تضييق الخناق علي اللصوص ليس في‮ ‬بلدانهم حيث‮ ‬يمتلكون كل السلطات،‮ ‬وإنما في‮ ‬الأماكن التي‮ ‬يهربون إليها أموالهم‮. ‬ومن فوائد هذه المبادره انها تسقط اي‮ ‬حصانات سياسية او دبلوماسية‮ ‬يتمتع بها‮ ‬مهرب الاموال‮ ‬حتي‮ ‬لوكان رئيس جمهورية وما زال في‮ ‬موقعه‮ ‬وتعتمد علي‮ ‬طلب من الحكومة العراقية بالتحفظ علي‮ ‬هذه الاموال والممتلكات في‮ ‬بلدان العالم‮ ‬الاعضاء في‮ ‬البنك الدولي‮ ‬حتي‮ ‬يتم اجراء تحقيق في‮ ‬حجم هذه الثروات وكيفية الحصول عليها‮ ‬وهذا لم‮ ‬يتم في‮ ‬الحالة العراقية او ان تطلب احدي‮ ‬الدول المصدقة علي‮ ‬اتفاقيه الامم المتحده لمكافحه الفساد من الامم المتحدة والبنك الدولي‮ ‬بالتحفظ علي‮ ‬هذه الاموال لتعرضها لاضرار جراء الفساد‮ ‬التي‮ ‬ارتكبه هولاء الفاسدون خاصه لو ان شركات دولية اجبرت علي‮ ‬دفع اموال‮ ‬غير مشروعة في‮ العراق مقابل منحها امتيازات خاصة او لحصولها علي‮ ‬موافقات قانونية لبدء العمل‮.‬وهذه الشركات عليها ان تبادر بان تعلن عن هذه المبالغ‮ ‬قبل ان تكتشف فتقع فريسة عقوبات دولية في‮ ‬برنامج حوكمة الشركات التابع للبنك الدولي‮ ‬وهنا دور هام للجاليات العراقية في‮ ‬الدول الغربيه للضغط علي‮ ‬هذه الشركات وملاحقتها قضائيا حتي‮ ‬تكشف عن هذه المبالغ‮.‬
           الطريق الرابعة هي تفعيل جهد منظمات المجتمع المدني من اجل العمل على اقناع الجاليات العراقية في الخارج لتقديم بلاغات الى‮ ‬المدعي‮ ‬العام في‮ ‬كل دولة اوربية حيث ان منظمة الشفافية الدولية  ‬وهي‮ ‬منظمة دولية تضع خارطة شاملة للفساد‮ بامكانها توفير الخبرة القانونية لهذا الموضوع واستخدام القانون الاوروبي‮ ‬في‮ ‬محاكمة ناهبي المال العام ويمكن ان تتم بموجب تلك البلاغات مصادره هذه الاموال اولا ثم منع الفاسدين من الدخول الي‮ ‬الدول الأوروبية خاصة وان عدد من هؤلاء الفسدة موجود في‮ ‬دول أوروبية حاليا‮ ‬.