بدأ الاحتلال البريطاني للعراق في بداية القرن العشرين، قامت ثورة العشرين ضد الاستعمار، وقد كانت وقفة تاريخية وموحدة من كل عشائر العراق، مما اضطر الاحتلال في نهاية الامر الى اعلان الملوكية وتنصيب الملك فيصل الاول، بعد ذلك شهد العراق هدوءً نسبياً لسنين قليلة سرعان ما اضطربت الاوضاع بسبب الحرب العالمية الثانية من جهة وسياسة الوصي الموالية للانكليز في تلك الفترة من جهة اخرى، والنتيجة التأثير السلبي وتردي الوضع المعاشي والصحي والتعليمي لشريحة واسعة من الشعب مع انه يمتلك اغنى الموارد .
عبد الكريم قاسم اينما كانت اتجاهاته فأثاره التي تهم الناس باقية لحد الان، واعتقد انها كانت نتيجة احساس بألاخرين واعطائهم ابسط حقوقهم، فمن يملك مثل ذلك الاحساس وينظر الى المواطن البسيط بنفس العين !!!
خرج الاحتلال مرة اخرى ولكن هذه المرة ترك البلد بدون مؤسسات حقيقية ومكتملة مما ضاعف المهمة وجعلها اكثر صعوبة، وقد فتحت الكثير من الابواب السيئة وتضاعف الفساد والخروقات الامنية والاخطر التشرذم الطائفي للمجتمع بمن فيهم الطبقة السياسية .
اننا نعود الى نفس اثار تلك الحقبة من الاحتلال البريطاني، لكن هذه المرة يضاف اليها الصراع الطائفي والسياسي، والسؤال من يملك الخيار والمبادرة للحل البرلمان ام الحكومة ؟
من الواضح ان البرلمان ليس لديه شيء مهم سوا التناحر وتوجيه الاتهامات بعضهم لبعض، بل ان الكثير من القوانين معطلة ولم يجري تعديلها وغرق الروتين الاداري في فوضى القوانين المتقاطعة يقابله عجز المؤسسة التشريعية واخفاقها بالاداء، اما الحكومة فهي تتحمل بشكل كامل ما يجري في البلاد، والسبب في ذلك عدم وجود استيراتيجية واضحة لقيادة البلد وحل جميع المشاكل التي يعاني منها، مضافاً اليه سياسة الاحزاب المعكوسة في الاداء الحكومي وبالنتيجة اضطراب وتقاطع الاحزاب هي الاخرى في ادارة الدولة، مما ركز الصراع السياسي وجر معه الطائفي كما اسلفنا، وزاد من معاناة المواطن فاصبح الخاسر الاول والاخير، ولن تسهم الوعود والعطايا بأزالت همومه، لانه متشائم وعديم الثقة والدولة لا تملك الادوات لتحقيق الرفاهية له، الى جانب الروتين الاداري المعقد الذي اصبح عائقاً امام اجراءات الدولة نفسها وزاد من تعاسة العراقيين .
اننا بحاجة الى ثورة ادارية لقلب الاوضاع وتحسين الاداء ولأن نكتسب ثقافة التفاهم والشعور بالمواطن، وان يدرك المسؤولين بأنهم ليسوا خالدين في المناصب وانما تبقى الاعمال الخيرة، وان جراح الناس لا يمكن شفائها بالدعايات والاقوال والوعود، والمطلوب عمل حقيقي، وهدوء والكف عن التناحر والاتهام ، خاصة وان المنطقة الاقليمية تمر بمرحلة جديدة من الصراع، نحن بحاجة الى وحدة وموقف موحد يضاهي ثورة العشرين ونلتزم بتوجيهات المرجعية لكي لا ينجر العراق الى ما يحدث حوله والا فالعواقب وخيمة .