دائماً ما نكتب الى من يهمه الأمر بطلب معالجة مشكلة معينة أو شكوى عسى أن ينصفنا صاحب الأمر، ولكن اليوم نكتب أيضاً الى من لا يهمه الأمر. ونقصد بكلمة الأمر هنا هو أمر الشعب العراقي، فاليوم ما أكثر النفوس التي لا يهمها أمر الشعب بقدر ما يهمها جيوبها وملذاتها. بالتأكيد هؤلاء يتابعون عن كثب كل ما يـُكتب عنهم ليس لأجل الأصلاح وأخذ العبر، ولكن ربما لأجل الأنتقام من كل من تسول له نفسه ويتجرأ قلمه بنقد السيء والمسيء. في العراق اليوم أناس أخذ الخبث والضلال منهم مأخذاً، أستعاضوا رحمة القلب بحب المال والسلطة وهؤلاء هم من لا يهمهم أمر الشعب بالرغم من أنهم تصدوا لمسئولية خدمة الشعب وأقسموا على ذلك. هؤلاء تركوا ثلث الشعب تحت خط الفقر ومثلهم من الأميين، ولا يندى جبينهم لخمسة ملايين يتيم ومليون أرملة، بل كل همهم كرسي الحكم وأبتكار طرق جديدة لسرقة مال الشعب الفقير. تحول من كان بالأمس لاجئاً فقيراً يلوذ بحيطان وأسواق البلدان القريبة والبعيدة ويدّعي ليل نهار أنه ناصر المظلومين، تحولوا الى أفندية ومعممين بخواتم في الأيدي وأختام في الجباه، تحميهم فرق مدججة ولهم حسابات تغص بأموال السحت. اليوم أصبح شعبنا يتمنى حياة الحرية والعدالة والعيش الكريم في عراق يطوف على بحيرة من النفط بل البعض راح يترحم على النظام السابق، بينما نرى اناسا يلمعون صورة السلطان الجديد وينتهكون الحرمات ويغتصبون النساء ويقتلون الأبرياء بلا رحمة، ويزوّرون ويرتشون ويسرقون ليل نهار دون خوف ولا وجل، منهم وزراء ومدراء عامين ومحافظين وشرطة وجيش ومسئولين حكوميين وتجار وسياسيين، وهؤلاء هم من لا يهمهم الأمر. لقد كان للعراق رائحة زكية ولونا أخضر واليوم رائحة الفساد تزكم الأنوف واستبدل اللون الأخضر باللون الأحمر والأسود.
ليس هؤلاء هم فقط من لا يهمهم الأمر بل المرجعية الدينية دخلت في هذه الفئة، فالمرجعية هي التي أتت بالسياسيين الفاسدين وحرّمت على من لم ينتخبهم صلاته وصيامه وزوجته. المرجعية الدينية مهتمة فقط بجمع أموال الخمس وتحويلها الى الخارج ولا تنظر الى المحتاجين من أتباعها، وما كلامهم على الفضائيات الا لذر الرماد في العيون لأن بمقدورهم عمل الكثير لتغيير واقع الحال. لنرى الأيام القادمة في 25 كانون ثاني ما سيكون موقف المرجعية من المظاهرات الشعبية التي ستنطلق في المدن العراقية مطالبة بتوفر الخدمات. سابقاً قالوا أنها مؤامرة فماذا يقولون الآن؟
ومما يحز في النفس ويؤسف له فأن الكثير من الشعب العراقي أيضاً انظم الى فئة من لا يهمه الأمر طوعاً أو كرهاً بالرغم من أنهم المتضررون من الفساد والرشاوي، ولسان حال الأكثرية يقول لماذا أضحي أنا فليضحي غيري وبالنتيجة يكون المضحون قلة مقارنة بالساكتين، فقطرة الصبغ لا تغير لون ماء البحر. لقد أصبح الضار والمتضرر كلاهما من فئة من لا يهمه الأمر لأن الضار شيطان متكلم والمتضرر ساكت عن الحق شيطان أخرس.
إن من لا يهمهم الأمر قد فرخوا كالجرذان وانتشروا في كل زاوية من زوايا الوطن إبتداء من أصحاب الكراسي العاجية حتى أصحاب الكراسي المكسورة، الكل فاتح دُرج خزانته ويقول للمظلومين إدفعوا إدفعوا. فلم يعد الحل سهلاً لأن الذين لا يهمهم الأمر من أصحاب الكراسي العاجية قد لصقوا أعجازهم بالكراسي ولصقوا الكراسي بالقصور وأصحاب الكراسي المكسورة يحسدون أصحاب الكراسي العاجية ويعملون على أن يكونوا منهم. هؤلاء لم يرف لهم جفناً بعد أنفضاح الرشوات المليونية والسرقات المليارية في كل الصفقات وفي كل الوزارات والمحافظات إبتداء من صفقات الكهرباء الى عقود البنى التحتية والصحية والتعليمية والرياضية والعسكرية الى عقود الأسلحة الكندية والصربية والروسية والقادم أكثر. هؤلاء لا يهمهم امر الشعب بل يهمهم امر جيوبهم. يشكلون اللجان التحقيقية ولكنها لجان ككل اللجان تضر ولا تنفع. هل رأيتم رئيس وزراء دولة و مستشاره يصرحون في التلفزيون بأن رئيس هيئة النزاهة البرلمانية دفع خمسة ملايين دولار لأيقاف التحقيق بتهم البنك المركزي؟ لماذا التصريح في الأعلام اليس لديكم جيش وشرطة وقضاة المحكمة العليا كلهم تحت إمرتكم وتستطيعوا جلب أكبر راس كما قال كبار رجال مخابراتك؟ الستَ في دولة تقودها أنت؟ أن كان لديك دليل فقدمه الى قضاتك مع هامش ” لأجراء اللازم ” وإن لم يكن لديك دليل فلماذا هذا التهريج الأنتخابي أم أنكم إختلفتم على توزيع الغنيمة؟ وعلى الطرف الآخر فإن رئيس النزاهة متورط في عملية غسيل أموال من البنك المركزي كما ذكر الدكتور سنان الشبيبي المخلوع، ووزارة المالية تعرف ولديها وثائق بالتحويلات المصرفية ورئيس الوزراء وأصحابه يعرفون. مؤخراً وضع تقرير منظمة الشفافية العالمية العراق في ذيل قائمة مدركات الفساد كثالث دولة فاسدة في العالم، ولكن رئيس النزاهة لم يعجبه لأنه نزيه للغاية القصوى فقال أنه سوف يعترض لدى المنظمة. طبعاً هو لا يريد الأعتراض على كون العراق دولة فاسدة تحت لجنة نزاهته وانما يريد الأعتراض لأن تلك المنظمة أعتمدت على نفس مؤشرات العام الماضي أي أنهم فاسدون ولكن يريدون أن يكونوا في الترتيب الخامس أو السادس وليس الثالث. نحن متأكدون أن رئيس النزاهة سوف لا يقدم أعتراضاً مكتوباً لأنه يعلم ان التقييم صحيح وسوف تطلب منه منظمة الشفافية القرائن والدلائل على أن العراق ليس فاسداً والنزاهة لا تملك حتى تعطي بل أن هيئة ولجنة النزاهة متهمتان بالفساد، فهم لا يخجلوا من تسمية لجنتهم بلجنة النزاهة أو هيئة النزاهة والفساد ينخر بهما وبدوائر الدولة كافة لا نستثني واحدة.
العام الماضي قدم رئيس الوزراء قانون الموازنة لسنة 2012 وبعد مناقشات البرلمان وتصحيح بعض البنود أضيف باب بخصوص الفائض من مبيعات النفط وتخصيص جزء منه ليوزع على العراقيين المحتاجين نقداً. عاد القانون بعد التصويت الى رئيس الوزراء ولم يعترض وبدأت حكومته بصرف الميزانية حد الفلس لأن يخافون الله. وما أن جاء تقديم الحسابات النهائية لهذه السنة لأجل إقرار ميزانية السنة القادمة إعترض الرئيس لدى ” محكمته الأتحادية ” على فقرة فائض النفط بأن البرلمان لا يحق له تعديل أو إضافة أي فقرة الى الميزانية، فكان له ما يريد لأن أموال العراق سائبة وتعلم على السرقة. يبدو أن باب فائض واردات النفط صار يسرب لك الريح فيجب غلقه وتستريح؟
في أقوال العرب القدماء – سواء رضينا على سيرتهم أم لم نرض – حِكـَم وتحليلات دقيقة. انظروا الى هذا القول الذي قاله أحد الحكام في حق العراق بعد أن جمع مقربيه. قال: ” لقد علمت أنَّ العراق كَدُرَ ماؤها وكثر غوغاؤها واملولح عذبها وعظُم خطبها وظهر صرامها وعسر اخماد نيرانها، فهل من ممهد لهم بسيف قاطع وذهن جامع وقلب ذكي وأنف حميّ فيخمد نيرانها ويردع غيلانها وينصف مظلوميه “. ما أشبه اليوم بالبارحة، فعلاً لقد كدر ماء العراق واملولح عذبه بعد ان قطع جيراننا المسلمون مياه الأنهار عنا وفاضت مياه المجاري على مياه الشرب. فعلاً لقد كثر غوغاء العراق من السياسيين والفاسدين، الأفندية والمعممين، فعلاً لقد عظم خطب العراق وعسر إخماد نيران العسكر والغوغاء وإخماد شهوة الفساد والسرقة لدى هؤلاء ممن لايهمهم الأمر فلم يعد الأعتراض والتظاهر مجدياً الا إذا استمر لأشهر عديدة.
نقول الى من لا يهمه الأمر إنتظروا إنا معكم منتظرون وسيأتي يوم حساب المظلومين وحساب الله يوم لا ينفع مال ولا بنون. والى من يهمه الأمر من الخيرين والصالحين والوطنيين نسألكم هل من ذهن عراقي جامع وقلب عراقي ذكي وأنف عراقي حمي يقود الشعب فيخمد نيران الفساد ويردع غيلان الكراسي وينصف مظلومي الشعب؟ الى من يهمه الأمر من الشعب العراقي المظلوم بعد أشهر ستكون هناك إنتخابات لمجالس المحافظات ثم أنتخابات برلمانية عامة، فهل ستنتخبوا من لا يهمه الأمر مرة ثالثة ورابعة؟