الى // مجلس الامن القومي الايراني : مقترحات لإعادة ضبط المسار الإيراني الإقليمي للتعايش السلمي

الى // مجلس الامن القومي الايراني : مقترحات لإعادة ضبط المسار الإيراني الإقليمي للتعايش السلمي

أولًا: مقدمة أمنية
في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية وتآكل النفوذ الإقليمي، لكم تواجه الجمهورية الإسلامية مرحلة حساسة تستوجب مراجعة جذرية للمنهج الخارجي.
لقد أثبتت التجربة الميدانية في العراق وسوريا واليمن ولبنان أن النفوذ القائم على الوكلاء المسلحين قابل للتآكل السريع عند غياب البيئة الشعبية الداعمة.
ورغم الإنجازات التكتيكية التي تحققت، إلا أن الكلفة الاستراتيجية بدأت تفوق المكاسب الميدانية، مما يستدعي تصحيحًا هادئًا لا صداميًا للمسار.
ثانيًا: تشخيص الوضع الراهن
1. تراجع الثقة الشعبية في المحور الإيراني داخل أغلب البيئات الشيعية والعربية.
2. تآكل صورة إيران الدينية والثورية بسبب الانخراط في صراعات مذهبية ضيقة.
3. اختناق اقتصادي داخلي يعجز عن تبرير استمرار الإنفاق الخارجي.
4. تزايد عزلة الحلفاء المحليين وفقدانهم للحاضنة الاجتماعية.
5. تحول “النفوذ الإيراني” من رصيد تفاوضي إلى عبء دبلوماسي يثير الريبة الإقليمية والدولية.
ثالثًا: التحليل الاستراتيجي
إن استمرار اعتماد طهران على مبدأ إدارة النفوذ عبر الصراع أفرز نتائج عكسية.
فالقوى الكبرى لم تعد ترى في إيران “قوة ممانعة”، بل “عامل فوضى” يهدد الاستقرار الإقليمي.
الأهم من ذلك أن المجتمعات العربية نفسها باتت تنظر إلى إيران كدولة تتغذى على الانقسام، لا كقوة داعمة لقضاياها.
هذا التحول في الوعي الجمعي هو الخطر الأكبر، لأنه يُفقد إيران عمقها الاجتماعي الناعم الذي كانت تملكه في تسعينيات القرن الماضي.
رابعًا: التوصيات العملية
1. قصيرة المدى (من 6 إلى 12 شهرًا)
إعلان مبادرة “الجوار أولًا” لترميم العلاقات مع الدول العربية عبر حوار مباشر غير مشروط.
تجميد الدعم العسكري المباشر لبعض الفصائل، وتحويله إلى دعم تنموي وإنساني يظهر الوجه المتعاون لطهران.
مراجعة خطاب الإعلام الرسمي، واستبدال لغة “الهيمنة” بلغة “الشراكة في المصير”.
2. متوسطة المدى (من سنة إلى ثلاث سنوات)
دمج الأذرع السياسية والعسكرية في مشاريع اقتصادية إقليمية مشتركة، لضمان تبعية مصلحية لا ولاء عقائدي هش.
إعادة هيكلة الحرس الثوري خارجيًا، بفصل الوحدات العقائدية عن المهام الاقتصادية والسياسية.
تبنّي سياسة “الردع الذكي”: الرد عند الضرورة فقط، لا التورط في كل ساحة اشتباك.
خامسًا: المخاطر في حال تجاهل المقترحات
تحول الحلفاء إلى عبء: ستبدأ القوى الموالية بالبحث عن داعمين جدد مع تراجع التمويل الإيراني.
انفجار داخلي مؤجل: استمرار الإنفاق الخارجي سيؤجج الغضب الشعبي ويفتح الباب أمام اضطرابات أعمق.
تراجع القدرة التفاوضية: سيُنظر إلى إيران كطرف ضعيف يبحث عن مخرج لا عن اتفاق.
خسارة الفرصة التاريخية لإعادة التموضع: وهي أخطر نتيجة محتملة على المدى الطويل.
الخاتمة
إن نجاح إيران في المرحلة المقبلة لن يُقاس بعدد الميليشيات ولا بمدى تهديدها لخصومها، بل بقدرتها على إعادة تعريف القوة.
القوة الذكية لا تُبنى على الحديد والنار، بل على الفهم العميق للتوازنات.
وكما يُقال في الاستراتيجيا الحديثة: الخصم الذي تعرفه وتحتويه، خير من الحليف الذي يُكلفك أكثر مما يمنحك.
إن الوقت لم يفت بعد لتصحيح الاتجاه، شرط أن يتحلى صانع القرار بالشجاعة الكافية ليتخلى عن أوهام “المطلق الثوري” ويبدأ بعصر “الواقعية الإيرانية الجديدة”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات