7 أبريل، 2024 10:35 ص
Search
Close this search box.

الى متى يبقى التل بلا بعير؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

كنت اقضي فترة تجنيدي اﻻلزامي ما بعد التخرج من الكلية في زمن صدام عندما حدثت الحرب اﻻخيرة. في حينها اضطرب امر الجيش بشكل غير مسبوق على حد وصف الضباط ونوابهم ممن شهدوا حرب ايران وحرب الخليج فقد اشار الجميع في الجبهة حينها بان الجيش لا يلتزم بشكل كامل بسياقات الحرب هذه المرة فقد انقطع التواصل بين الخطوط واضحى من الصعب الحصول على الموقف بدقة وصار احدنا يبحث في المزبلة (في قيادة الفرقة 18 قلعة صالح) عن صمون الجيش الذي لم يكن يؤكل وهو بعز شبابه فكيف به وقد دهمته الفطريات..!!

واحتفظ بقصص عن اناس قضوا من غير ان يعرف بهم احد.. ذبحوا بدم بارد.. ودفنوا بليل بهيم.. ثم عدنا للعاصمة وخلال ايام رأيت البعض يصفق للقتلة فرحا بانتصارهم على جنود مجهولين..

خلال الحرب بلغت بنا الكآبة حدا لا يطاق ووضح ان الهزيمة قد حلت وانتهى اﻻمر ولكن “الرفيق القائد” كان سادرا في غيه كما تعودنا عليه. ومما اثار انتباهي ان بعض الرفاق من نواب الضباط بدؤا برمي الكلام بشكل عرضي عن ان اﻻستعدادات ليست بمستوى التحدي وان من يريد القتال ينبغي ان يكون رجلا وليس (….).

ولكن وسط هذا اﻻنهيار النفسي وجدت نماذج لا تستطيع الكف عن الفكاهة.. في عز التعب وجد من يستطيع التبسم.. ومنهم احد الجنود الذين كنت معهم.. نسيت اسمه ولم انس فكاهته.. ففي مرة كنا ننتقل داخل مدينة قلعة صالح ولمسافة قريبة جدا.. وكنا بمؤخرة البيكاب فنظر الى احد طلاب المدارس وقال له.. روح لبيتنا وسلم لي على امي.. تره رايحين للمنكطعة..؟! وبعد دقيقتين كان يشخر في فراشه داخل المدينة..!!

ذات يوم كان جالسين بالقرب من صورة صدام خارج سور الفرقة الحزبية التي كلفنا بحمايتها في قرية قرب القرنة.. كان الغروب وشيكا.. فنظر صاحبنا الى صورة صدام وقال.. الى متى يبقى البعير على التل؟ وهنا انفجر الجميع بالضحك لانه قالها وكأنه يخاطبه فعلا وشدد على كلمة البعير.. وبعد خفوت الضحكات تنحيت جانبا وفكرت بموضوع رأيته مطابقا للواقع ولوصفه معا، ثم بعد مرور دقيقتين تركت التفكير واستمر هذا الترك واﻻنقطاع مدة 11 سنة حتى عاد الموضوع ببالي من جديد..

هل اننا نعيش في دولة ام في قطعة من الصحراء فيها التلال بديلة عن المنازل وفيها اليباس بديلا عن الخدمات وفيها البعير بديلا عن الرئيس.. هذا كان حال العراق حينها فهل تغير الحال اليوم؟ البعض يرى ان الصحراء تمددت وان التلال سادت وان “البعران” اضحوا قادة السياسة في العراق. لقد انحدر اﻻلتزام بالنظام وازداد تفشي الفساد في الدوائر والتعذيب في السجون الى حدود مخيفة.. ولكن الشعب اضحى لا يخاف من هذه اﻻمور.. وﻻ يعرق جبينه خجلا منها.. فقد نجح البعران ومن يسوسهم في ضبط ايقاع اليوم في العراق.. تفجير صباحي.. تقييد حركة “اخو منع التجول” .. سؤال عمن اصيب كيلا يكون معرف بقرابة او صداقة..

نحن نعيش في صحراء تتمدد وبعران اليوم ورغم مرور السنين ما زالوا يلومون بعير اﻻمس.. يلومونه وهم ينحدرون بنا الى العشائريات والثأر وتصفية الحساب.. خلال يوم واحد تقوم مجموعة مكونة من افراد قلائل بتجفيف مناطق واغراق اخرى.. قائد مليشيا ينبغي اعدامه حال ثبوت ما يدعيه من جرائم يخرج حرا طليقا.. دستور لا يحترمه كتابه.. وزارة يتحكم بها “زعطوط” فيغضب المطار لغضبه.. ايتام بلا رواتب ورواتب بلا ايتام.. مرضى نفسيون يحدثوننا على الفضائيات عن انجازات وهمية..

انه التصحر الكبير وكل ما جنيناه من تغيير بين اﻻمس واليوم اننا قلبنا السؤال فصرنا نقول..

الى متى يبقى التل بلا بعير؟

اودعناكم

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب