23 ديسمبر، 2024 4:18 م

الى عراق ما بعد التحرير

الى عراق ما بعد التحرير

لانزال نتلقى الاخبار بحنين وشوق عن بلدنا الام العراق. وكأننا به كأسد جريح ملقى على الارض والمتربصين به يطرقون جسده من كل حدب وصوب. صورة للاسف تبقى قاتمة وسوداوية تغطي اغلب مشاهده. لكن انتصارات متلاحقة تحققت ولازالت تلوح في الافق تبث فينا الامل اكثر وتبرق ومضة الامل من جديد . وبنظرة فاحصة ومحللة للاوضاع اكثر يمكننا ان نلخص ما يمر به العراق على شكل نقاط:-

1- -خطر الارهاب الخارجي (داعش) : حيث انها تحتل وتسيطر مناطق تبدأ من الموصل الى صلاح الدين بعض مناطق الانبار وعلى تخوم محافظات كديالى وكركوك . وان كان اليوم الوضع اكثر تفاؤلا من حيث التحرير لكن الخطر قائما بوجود المسببات وسيأتي شرحها لاحقا.

2- ازمة هبوط اسعار النفط وقلة الموارد المالية: وتأتي خطورة هذه الازمة حيث تؤثر تأثيرا تماسيا مع مستوى دخل المواطن من جهة ومن جهة اخرى مع مستوى انفاق الدولة على المشاريع التنموية والمشاريع الاخرى المرتبطة بالاعمار والتشغيل لكافة مؤسسات الدولة العراقية.

3- ازمة النازحين : والتي تؤدي الى مشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية قصوى لاتتحملها كبريات الدول حيث اعداد تتعدى عشرات الالاف هجروا بيوتهم وخسروا مصادر ارزاقهم مهجرين الى اماكن لايعرفون عنها او يخبرونها كما مدنهم الاصلية وهي ازمة كارثية في حياة وتاريخ الشعوب اذ تستمر اثارها لاجيال وسنوات عديدة.

4- ازمة الخروقات الامنية الداخلية للمحافظات التي ليس فيها مواجهة مباشرة مع داعش: وهذه مشكلة معوقة للاستثمار والتنمية المرتبطة بمشاريع القطاع العام والخاص المختلفة. وهي مسألة تستحق التوقف لمضي اكثر من عقد من الزمن والمؤسسة الامنية لازالت عرجاء لاتصل الى مستوى معالجتها. وبغض النظر عن حجم الخطر والضرر الا انه مربك حقا للمواطن العادي ناهيك عن المستثمر وكما يعرف (ان رأس المال جبان) اي انه لايجازف في الاستثمار في منطقة رخوة امنيا .

5- ازمة الفساد المالي والاداري : حيث لايزال هذا الوجه الثاني للأرهاب . وهو بنفس الدرجة من التأثير سواء للاثار الاجتماعية والنفسية ام لمستوى الخدمات وانحدار مستواها الفني والنوعي والمؤثر على المواطن العادي المستهلك وردة فعله السلبية الانطباع عن كل مايرتبط بالدولة والمواطنة حتى ام على المستوى المالي والاقتصادي حيث تظهر طبقة قليلة متخمة من الفاسدين فاحشة الثراء على حساب طبقة كبيرة من المواطنين العاديين والتي غالبا ما تظهر الاحصائيات انهم تحت مستوى خط الفقر .

6- ازمة انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول: وهو مؤشر على ان اغلب القيادات والكوادر السياسية لم تصل الى مرحلة تخطي الفئوية والحزبية والطائفية الى مرحلة ارقى وهي الوطنية وانها لم تصل الى نيل شرف الرمز والقدوة والقيادة (كقائد وطني عراقي) ينال اغلبية او ثقة جميع الاطياف والمكونات للمجتمع العراقي. ومن الطبيعي ان تكثر الاشاعات والاقاويل حول كل قرار تنتجه الحكومة بسبب ان الشعب يفسره على غير ما أريد به.

7- ازمة التدخل السافر لدول الجوارالجغرافي والجوار الاقليمي وحتى المجتمع الدولي: وهي بحد ذاتها مشكلة ان ترضي جميع الاطراف في وقت واحد وهم اصلا اضدادا متكالبين ومختلفين الا ان اجنداتهم اتحدت لان تتدخل في شأن العراق الداخلي.

8- ازمة السياسيين انفسهم وانعدام الثقة فيما بينهم: وهذه الازمة ان ربما تكون وقتية لاهمية وجود نظام الانتخابات لكنها مسألة تعود بالاساس الى ثقافة الانتخابات لدى عامة الشعب . فمن وصل الى سدة البرلمان لم يصل مالم ينتخبه مجموعة من الناس وهم ان احسنوا الاختيار والانتخاب لنعموا بخدمة افضل من سياسيين افضل.

9- ازمة المحاصصة مابين الفرقاء السياسيين او ما يطلق عليه (موازنة المكونات): هذه الازمة للاسف تقصم ظهر الكفاءة والكفوئين فما زال الترشيح يأتي لسقف معين اسمه حصتك وحصتي وحزبك وحزبي فلا يعلو كفوء ابدا . ومن جهة اخرى فانها تبقي وتكرس للاحتقان الطائفي والحزبي والفئوي المناطقي.

10- ازمة الفقر والبطالة لطبقة واسعة من الشعب: وهذه الازمة هي الاهم اجتماعيا ، حيث ان المواطن البسيط ليس له هم غير ان يشبع قوت عياله ونفسه ويؤمن لهم ابسط حقوق العيش البسيط وهي (المأكل والملبس والسكن والدفيء او التبريد). والتي غالبا ما تكون هي الناتج المشترك لجميع باقي الازمات المذكورة انفا.

ولو انطلقنا للتفكير بأيجابية اكثر ربما سنجد بصيص امل يمكننا من خلاله ان ننفذ الى الضوء والخلاص من هذه الظلمة الحالكة والمشاكل المتشابكة. ولعلنا نبدأ بالمشكلة والازمة الاولى (الامنية) والتي يمثل حلها كمفتاح رئيسي لبقية الازمات .

ففي الجانب الامني نقترح ضرورة ان تبادر العقول العراقية من الان الى ان تخطط في كيفية ادارة العراق عامة والمناطق المحررة من رجس داعش ومن حضنهم خاصة . ففي ثلاثة خطوط رئيسية يمكن الانطلاق للحل وهي:- ١- المساواة في التعامل بين جميع المناطق في الحقوق والواجبات. ولربما هذا التعامل يشفع لنا بتفتيت افكار الحواضن ومن نقم على الاجهزة الوطنية العراقية وان يستجيب في التخلي عن الاجانب ويرجع للاخلاص للوطن الواحد. ٢- الحفاظ على الامن داخل المناطق الامنة من المفخخات والانتحاريين. وذلك بتطوير الجانب الاستخباري والاجهزة الكاشفة للمتفجرات والتي تتمثل بسيارات كاشفة توضع في مداخل المدن والساحات المهمة في المدن وايضا الاكثار من الكاميرات التسجيلية. ٣- الحفاظ على المنجزات وحفظ الامن داخل المناطق المحررة كي لاتعاد مجازر الخيانة كمجزرة سبايكر والصقلاوية ومسك الارض والحيلولة دون ان يعاد نفس السيناريو اي بسقوط الموصل وصلاح الدين مرة اخرى بيد مليشيا او حزب جديد. ولعلنا هنا نستعين بمقترح الاخ الدكتور حميد الهاشمي وهو (وضع العراق يحتاج الى اشراك جميع المعنيين به، على الاقل ممن هم ضد داعش. يعني مثلا، تشكيل قوات محلية في كل منطقة محتلة من داعش او على محيطها. وليكن المآل جيش يمثل السنة لكن بدون داعش فهو امر هين جدا بل بالعكس سوف يحتاجون التحالف معك باستمرار وان آل المآل الى اقليم فليكن فهو افضل من احتلال داعش).

ان لم نخطط ونستعد للاتي باخذ تجارب الماضي بعين الاعتبار فسيعاد نفس السيناريو بعد حفنة من السنين والسبب هو : ١- اذا بقي عدم الاستعداد النفسي للعراقيين في عدم الاتحاد وعدم تقبل الاخر على علله ومساوءه . في مقابل الاستعداد النفسي لسماع غير العراقيين من دول الخارج. الهادفة الى التفرقة والتحريض والاقتتال الداخلي في سبيل تعمد اظهار الضعف لبلد ذو موارد بشرية وموارد طبيعية وثروات هاءلة يمكن ان يكون قوة عظمى في المنطقة خاصة لامتداد جذوره وحضارته الى عمق التاريخ .

٢- وجود تهديد خارجي حقيقي وهو اجهزة مخابراتية ودولية تعمل خلف الكواليس تعزز من فرص التحريض والدعم بالمال والسلاح اضافة الى ما اسميه (مصادر شرعنة الشر ) من فتاوي دينية تقوم على اساس التكفير ونبذ الاخر وتعزز من الكلام المغذي للكراهية والافكار القاءمة على سفك الدماء. ٣- انعدام الحس الوطني بعلو الحس المناطقي والطاءفي والفءوي .وهذا مانراه في غياب ثقافة التسامح وافشاء السلام وحب الاخر والاحسان اليه . افكار تعزز بلغة تعصب وافشاء للسب وشرعنة للشتيمة ولروح الانتقام تطرح يوميا كفعل او كردة فعل لازالت مطنبة ومؤثرة وبعمق وعلى المستوى الجماهيري الشعبي ، الديني ، السياسي واخر ما اخشاه (الثقافي والنخب والكوادر المثقفة) وكأن العراق لم يكن عراقا واحدا انما عدة دويلات متحالفة ومتشاركة لفترة من الزمن ولما انفك هذا الحلف وانفصمت هذه الشراكة انساق الغالبية لمصلحته في مكان اخر. وهنا نلحظ غياب الحس الوطني او الدعوة للعراق كدولة وعلم ووطن متكامل . للاسف مايكرس لهذه الحالة هو اساس وبذرة سيئة جدا اسمها المحاصصة ينبغي معالجتها . ٤- المشكلة الاكبر هي في غياب الممثل الحقيقي لمن يمثل غالبية العراقيين من الغالبية اي ان نعرف من هو الممثل الحقيقي للاغلبية من الاخوة الشيعة ومن الممثل الحقيقي للاغلبية من الاخوة السنة . وبتوفر المسؤولية سيكون لنا احترام الاغلبية ومن يمثلها ومن غير حيف لأي احد سواء كان اغلبية ام اقلية سيمضي الجميع للامام والكل يحذر من انه لو انجرف لمشكلة الماضي لأنساق لحروب طاءفية او انتهاك وغزو خارجي مغموس بمذابح ومجازر لاتخلف غير الدماء والشهداء .