-1-
شبكاتً الاصطياد للمال كثيرةٌ ومتنوعة وليست محصورةً بعدد معين ، ولا مرهونة بأسلوب واحد …
-2-
وهناك من يُتقن فنّ اصطياد الهبات والصلات والعطايا من السلطويين ومن ذوي الجاه والمال .
ومن هؤلاء ” وعاظ السلاطين ” الذين يطلقون الكلام والفتاوى على طبق “المقاسات” الخاصة التي يرتاح لها اولئك السلطويون …
وهذا ليست بليّة كبرى فحسب ، بل هي في سلبياتها يمكن ان تُعدّ من الكوارث …
نعم انها كوارث تعصف بالدين والعقل والاخلاق كما تعصف الرياح الهوجاء بالأشجار وأطيب الثمار ..!!
-3-
وعلى الجانب الآخر تلتمع سِيَرٌ ومواقف ، تعبق بعطر الأصالة والاستقامة والزهد في كلّ ما يبعث به السلطويون ليشتروا به الذمم ويطوقوا به اعناق الرجال …
وتبرز صورٌ رائعة تعكس ” المناقبية ” في أجمل قسماتها ، وأنبل مضامينها …
-4-
ومن طريف ما قرأت في هذا الباب قصة (صفوان بن سليم) مع ” سليمان بن عبد الملك ” :
قيل :
” قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة (…) واستند الى المحراب واستقبل الناس بوجهه فنظر الى (صفوان بن سليم) عن غير معرفة فقال:
ياعمر من هذا الرجل ؟
ما رأيتُ سمتاً أحسن منه ،
قال :
يا امير المؤمنين (…) هذا (صفوان بن سليم) قال :
ياغلام كيس فيه خمس مائة دينار ،
فأتى بكيسٍ فيه خمس مائة دينار فقال لخادمه :
ترى هذا الرجل القائم يصلي ، فوصفه للغلام حتى أثبته، فخرج الغلام بالكيس حتى جلس الى (صفوان) فلما نظر اليه صفوان ركع وسجد ثم سلم واقبل عليه فقال :
ما حاجتك ؟
قال :
أمرني امير المؤمنين ، وهو ذا ينظر اليك وإليّ
أنْ ادفع هذا الكيس وفيه خمس مائة دينار اليك وهو يقول :
استعنْ بهذا على زمانك وعلى عيالك ، فقال صفوان للغلام :
ليس أنا بالذي أرسلتَ اليه ، فقال له الغلام :
الستَ صفوان بن سليم ؟
قال :
بلى انا صفوان بن سليم
قال :
فاليكَ أُرسلتُ ،
قال :
اذهب فاستَثْبِتْ ، فاذا أثبتَ فهلم ،
فقال الغلام :
فأمسكْ الكيس معك وأذهب ،
قال :
لا ، اذا امسكتُ الكيس كنتُ قد أخذتُ ، لكن اذهب فاستثبت فأنا هاهنا جالس ،
فولّى الغلام فأخذ صفوان نعليه وخرج ولم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة )
صفة الصفوة /ج1/385
أرأيت كيف يصونُ (صفوان) نفسه من أنْ يقع في الفخ ؟
ان الأموال التي يدفعها السلطويون في مثل هذا المورد ليست قربة الى الله، وانما يملكون بها الولاءات السياسية – كما هو معلوم –
ومن هنا كان فرارُ (صفوان) من قبول المال المرسل اليه من السلطان
عملاً ينطوي على وعي سياسي من جانب، ونفس كبيرة لا تنقادُ للشهوات والمطامع الدنيوية، جديرة بالتقدير والاكبار من جانب آخر …
-5-
والآن :
قارنوا بَيْنَ ” صفوان ” وأضرابه من الأحرار النبلاء المترفعين عن قبول ما يُعرض عليهم من أموال السلطويين، وبيْن اولئك اللاهثين وراءهم لاحباً بهم ولكن حُبّاً بالمناصب التي يستطيعون من خلالها الاستحواذ على المال الحرام …
انهما فريقان ما أبعد الفرق بينهما ..
فريق لا يتورع عن بيع دينه ، وخيانة شعبه ووطنه واكتناز الاموال بالحيل والسرقات وبكل الوسائل التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وفريق يتورع عن مال يُقدم له على طبق من ذهب، ولكنه يرفضه ويفر منه خشية من ان يكون من اعوان الظالمين …
إنّ أهم مطالب الشعب العراقي اليوم – بعد ان نهبت ثروتُه الوطنية ، وتحولت مئات المليارات الى جيوب الفاسدين المفسدين – هو القاء القبض عليهم ومحاسبتهم قضائيا، وانتزاع ما نهبوه منهم دون أن تأخذ أحدٌ بهم هوادة .
انه مطلب المرجعية الدينية العليا ،
ومطلب الجماهير العراقية بأسرها
والسؤال الآن :
لماذا التباطؤ ؟
ولماذا التأخير والتسويف ؟
وماذا ستكون ردود الفعل اذا استمرت عمليات الالتفاف على الحق المعلوم والشعب المظلوم ؟!