23 ديسمبر، 2024 3:15 م

الى صديقي …..أنا مازلتُ على قيد الحياة !!

الى صديقي …..أنا مازلتُ على قيد الحياة !!

ها هي الأيام ترسلُ أليك رسائلها وها هو القدر يبعث أليك التحذير ..كلماتك مازالت تسكن جمجمتي وأنا أترنح بين مخالب الموت ..كنتَ تحدثني عن الحنين الى الوطن وكنت أنا أجيبك بمخاوفي من أصحاب اللثام تحت جنح الظلام ..كنت تقول لي الغربة عن الوطن إنتحار بطيء وكنتُ أجيبكَ إن الكلام هنا ممنوع عقوبته قتل وقضية تقّيد ضد مجهول ..أتذكر تحذيراتك لي كلما تسنح الفرصة للحديث بيننا وأتذكر دعاء قلبك الطيب لي بالبقاء ..فللموت في وطني صار له ألف طريقة وطريقة ..رصاصات خرساء عمياء وسيارات تتحول الى نار مستعرة خلال ثواني وسيارات تدهس دون رحمة دون رقيب وأشباه رجال ملثمون يجولون ويسرحون هنا وهناك ..معذرةً منك أن أثرت بداخلك المواجع ..فمن يرى مايجري هنا لأبناء الوطن صدقني سيلعن الساعة التي فيها ولد وجاء الى هذه الحياة ..

لم أتخيل يوماً من الأيام أن أرى أشلاء الصغار مبعثرة على سواحل بحار الموت في اليونان وغيرها تتلاقفها الامواج بكل هدوء ..نائمين مبتسمين كالنوارس البيضاء كل ذنبهم إنهم ولدوا في العراق ..لم أتخيل أن يصل بنا الحال أن نكون مهجرين داخل أوطاننا ولم أتخيل أن تصطادنا طرق الغابات الوعرة وأسلاك الحدود وكأننا هاربون من الجحيم …نعم فعلاً أنهُ الجحيم بعينه ..بعدما كانت الوردة تزهر في صباحات بلادي..أصبح الموت يشرق علينا كل يوم.. أعرف أن همومك كبيرة لكن همي أكبر من خارطة وطن رسمناها بأحلامنا ..وأعرف إنك تنتظر الوصال مع الأهل و الأحباب لكننا هنا ننتظر الحياة بفارغ الصبر ..ننتظر أن يحكمنا من يخاف الله ويخاف على حياتنا وقوتنا اليومي لا أن يسرقنا وينهبنا بكل صلافة عين..

..أتذكر حينما كنتُ أحدثك عن أحلامي وأمنياتي ..فهي مازالت حبيسة دفاتري وأحدثك عن الأنسان المفقود في بلدي وهو مازال مجهول المصير يترنح بين ألة موت لاترحم وبين ساسه لصوص لايشبعون يحكموننا بأسم الديمقراطية تارة وتارةً إخرى بأسم الدين ..وياليتهم لو سرقوا بإنصاف !!..أجزم لك ياصديقي ..الوطن أصبح دون ثروات .بل اجزم لك ان أولاد أولادنا سيدفعون الضرائب ..لأن الوطن أصبح مفلساً بكل معنى الكلمة ..

فلا تفكر في وطن بعد الأن وأحرق كل أحلامك بالرجوع أليه ..وأنسى كل ذكرياتك فيه .. فأنا قد بدأت أعوّد نفسي على النسيان ..لكن صدقاً لم أنس ولاحرف من كلماتك لي حتى وأنا أغوص بأعماق غيبوبتي تذكرتك وتذكرت الوطن الجريح وغربتك المريرة التي أستسلمت ورفعت رايتها البيضاء أمام أول قطرة دم سالت من جبيني ذاك الصباح …