تعتبر القيادة الروحية في المجتمعات الأسلامية عامة والمجتمع الشيعي خاصة ! من أكثر القيادات جماهيرية وأكثرها شعبية وتأثيراً في الواقع السياسي والأجتماعي ، كما تعتبر هي المنفذ الوحيد للفرد المسلم في تعاطيه مع تكاليفه وواجباته العبادية الدينية بأعتبارها هي حلقة الوصل الروحية والرابط الأمتدادي بين العبد ومعبوده المؤدي الى راحة ضميره وإبراء ذمتة ومن هذا الأساس تبقى عيون المجتمع ” الشيعي ” وجماهيره شاخصة نحو قيادته الروحية عند النوازل والأحداث وهي تنظر الى هذه القيادة وتنتظر منها : الحلول والأفعال تجاه تلك النوازل والأحداث ، ولا ينحصر الدور الروحي ” المرجعي ” للأمة بمستوى أجتماعي أو ديني أو سياسي معين !! بقدر ماهي كل المستويات تقع ضمن مسؤولياتها وواجباتها ، بأعتبارها هي الجهة الدينية النائبة للأمام ( عليه السلام ) في غيبته الشريفة والجهة المشرعة في هذا المجتمع أو ذاك ، وليس ما يلمح له البعض : من أن السياسة ليست من مسؤوليات ” القائد الروحي ” او ” المرجع الديني ” وإن تَدَخَّلَتْ هذه الجهة الدينية أو تلك القيادة الروحية بالسياسة فإن التبريرات تأخذ منحاً آخر وهو : من باب تقديم النصح والأرشاد ، وهي الأعذار الجاهزة للتنصل عن مسؤولياتها الشرعية عند فشل الساسة ” المنصوحين ” مسبقاً من هذه الجهات .
وفي خضم الصراعات المحتدمة الآن في الشارع السياسي الداخلي الأجتماعي للدولة لفشلها الكبير الملحوظ في قيادة الشعب العراقي بكل أطيافه نحو الأمن والأمان والأستقرار المنشود والتعويض عليه السنين المريرة التي عانى منها الشعب وعاشها بكل مآسيها ومساوئها من مظالم وويلات في ظل النظام البعثي المقبور ، وبعد أن بان تذمر غالبية الناس والمجتمع والجماهير العراقية على واقعها المزري الذي ضم كل ألوان القهر والظلم والحرمان والعوز والفقر والجوع ، وسيل دماء بريئة يومياً وقتل وتفجير وتهديد وتهجير ، وواقع مظلم يسير وينبيء بحرب طائفية ، وبعد أن بدأت تلوح في الأفق العراقي لوائح الأنتفاضة وإرهاصات التمرد ومطالبة الجماهير العراقية ” بتغيير ” هذا الواقع المأساوي المقيت ….. تنصل الجميع ! جميع العناوين ! جميع الرموز ! جميع الشخصيات ! العناوين السياسية ! والرموز الدينية ! والشخصيات القيادية ! تنصل الجميع من مسؤولياتهم وواجباتهم ! مسؤولياتهم وواجباتهم وتكاليفهم الوطنية والأجتماعية ! والأنسانية ! والشرعية ! وتركوا الشعب وحيداً تعصف به الشبهات وتتقاذفه الأمواج من كل الجوانب والجهات وتركوه وحيداً يخوض غمار الفتن ! تتلاقفه الذئاب الهائجة من كل حدب وصب ! ذئاب ووحوش من الداخل والخارج ! إسلامية وغير إسلامية قاعدة وغير قاعدة ميليشيا وغير ميليشيا ! يتفننون بقتلهم ! تفجيرات ! أحزمة ناسفة ! عبوات ! إغتيالات ! ذبح بالسكين ! قتل ! أختطاف ! إرهاب بكل أشكاله وصوره ! والشعب ينوء بنفسه وحيداً كأنه الطير المذبوح ! والعالم الداخلي والخارجي : بكل شخوصه وقياداته ورموزه وعناوينه ! يقف صامتاً ينظر الى طرق ذبحه موقف المتفرج ! وكأن الأمر لايعنيهم لا من قريب ولا من بعيد ! في أعظم وأكبر مأسات في ” دراما شعبية ” دامية عصرية على مسرح الوطن لن توجد مثلها ” تراجيدية ” حقيقية أكثر واقعية وحزن على مستوى التأريخ والتأريخ المعاصر في العالم .
بعد كل هذه المظالم والمفاسد والمآسي واللوعة والويلات المحزنة المبكية التي تقرح القلوب وتدمي العيون وتكسر الظهر : من ذلّة وأستعباد وإستهانة ولامبالات الجميع ! يخرج لنا قلمٌ جديد ! قلمٌ مزيف ! يحاول أن يعيد الأسطوانة المشروخة القديمة ! قلم يحاول أن يزين مهازل ومخازي من دفعوا له أجره ! بنفس الأعذار ! بنفس التبريرات ! بنفس التسويفات ! بنفس التزويرات ! خرج ليتصيد بالماء العكر ! ولم يسأل من تصيدوا قبله كيف وقعوا منكبين على أُنوفهم بهذا المستنقع ! خرج محاولاً أن يضفي بعض الرتوش والأصباغ على مواقف ظواهر متراجعة ويلونها بألوان الشرعية ونسي هذا القلم : أن هذه الأصباغ سوف تسيل مرةً أخرى ماأن تسقط عليها قطرات ” الحقيقة ” قطرات الأحداث فتزول وتعود الى شكلها القديم ! المكفهر ! الشكل والصورة الحقيقية لتلك الوجوه التي عرفها الشعب وأنخدع بها لسنين طويلة .
تناسوا وتغافلوا الأسلام وروحه الحقيقية ؟ : ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدو منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) آية 16: التوبة ) هل تحسبون أيها الناس إن الباري ( تعالى ) تارككم ؟ بينما الواقع البئيس البغيض للعراق اليوم يدعونا أن نتساءل عن جدوى وجود من يدعون أنهم من أهل الصلاح و أهل التقوى في مجتمع لا يعود تأثيرهم علي من يحيون داخل هذه المجتمع ؟ وما جدوى وجود أهل العلم وأهل الخير كل داخل محرابه يصلي لله ويعبده إذا كانوا فعلاً من أهل التقوى بينما المجتمع من حولهم يحترق بصنوف الفساد والمفسدين ويعج بالظلم والظالمين ؟ ما فائدة علم لا ينفع المجتمع ولا ينهض به ولا يعالج مشكلاته ويضمد جراحاته ؟ ما فائدة أبحاث ودراسات مؤلفات بُذِلَتْ فيها الجهود الميدانية المُضْنية ومع ذلك انتهى بها المقام إلى أن توضع فوق الرفوف ؟ من هذا الأساسات وهذه الوقائع والأحداث كانت مواقف السيد الصرخي الحسني ( دام ظله ) الملحوظة الملموسة الموثقة المسجلة لرد ورفع المظالم والمفاسد ودفعها عن العراق والعراقيين ! مواقفه ! بياناته ! خطاباته ! محاضراته ! لقاآته ! مقالاته ! دعا ويدعو بها جميع شرائح المجتمع العراقي ! ساسته ! شخصياته ! قادته ! رموزه ! دعاهم الى توحيد الصفوف وتسجيل المواقف الوطنية والشرعية والأنسانية والأخلاقية والتأريخية من أجل إنقاذ البلاد من هذا الأتون ! دعاهم منذ سقوط النظام الى إنقاذ العراق ! دعاهم منذ دخول الأحتلال الى رفض الأحتلال ! سجَّل الموقف تلو الموقف ! أصدر البيان تلو البيان ! أحتج الأحتجاج تلو الأحتجاج ! أعطى الحلول تلو الحلول لكل النوازل والوقائع والأحداث التي حلت على البلاد ! فهل من سامع وملبي لهذه الدعوات ؟ وهل من مطبق لهذه الحلول في برامجها ومناهجها وشروحاتها ؟
الآن يأتي أحدهم لينتقص من السيد الصرخي الحسني ( دام ظله ) لماذا هذا التهجم والأفتراء ؟ هل هو الحَسَدْ مَنْ ولَّدَ لدَيْكم البغْضاء ؟ هل كل هذا الحقد والظغينة بسبب أن الشعب العراقي الآن أحوج ما يكون إلى نموذج القائد الصالح المصلح ! الذي يتحرك بصلاحه وعلمه , وفهمه ، وفقهه , وأخلاقه , ومواقفه ، وسلوكه بين الناس ؟ يعيش في قلب الواقع بحلوه ومره ، يوقظ النائم ، يذكر الغافل ، ينصح المقصر . ينبه العاصي ، يشجع الجاد . يحيي السنة ويميت البدعة ، يرد الناس إلى الله رداً جميلا ، يأمر بالمعروف بمعروف ، وينهى عن المنكر بالمعروف ، يرد الظالم عن ظلمه ، يرد الناس إلى الله , والى منهج الله , والى كتاب الله ، يحبب عباد الله إلى الله , ويحبب الله إلى عباده ، والا فما فائدة صلاح الصالحين , وعلم العالمين , وتقوى المتقين دون أن يكون لها اثر ومردود في الواقع ؟ .
إن هذا الخلط بين الوسائل والأهداف يذكرنا ببعض من ينتمون إلى الجماعات أو الحركات الإسلامية في عالمانا الإسلامي وعراقنا الحاضر ، وهم يظنون أن مجرد أنتمائهم إلى جماعة من الجماعات العاملة على الساحة هو هدف في حد ذاته ، ولكن : إن الإنتماء للحركات الإسلامية هو وسيلة وليست هدف ، فليس كل من ينتمي إلى جماعة إسلامية تعمل لنصرة الإسلام ! لأن مثل هذا الانتماء فقط فهو عبء ثقيل , وبطالة مقيتة , لأن الانتماء الحقيقي لهذا الدين يجب أن يكون إنتماء العطاء , والإنتاج – كل حسب قدراته ومواهبه ، فلابد لمن يندرج تحت لواء العاملين لنصرة هذا الدين أن يكون لإنتمائه مردود واثر : مردود يشعر به المجتمع وأثر يَسْعَدْ بالبشر ، وليس مقبولاً من هؤلاء أن يكتفوا بإصلاح أنفسهم وفقط ، ويعيشون منعزلين في المنطقة الدافئة ، بل لابُدَّ وأن يصلحوا أنفسهم بالتزامن مع دعوة غيرهم وَدَلَّهُم على الخير وإرشادهم إلي الصواب وحثهم على العمل والبناء .
ولكن الواقع يخبرنا أن هناك عوائق تعشعش في أذهان الكثيرين من أهل الصلاح و أهل التقوى و أهل الورع وأهل الخير في مجتمعاتنا – وهم كُثَّرْ بفضل الله – هذه العوائق تحول بين إنتقالهم إلى دائرة (الصالح المصلح ) ، سبب ذلك ظن هؤلاء أن الأمر عظيم و له تبعاته ومسؤولياته ، وإنهم لا طاقة لهم بها ، كما ويخشى بعض هؤلاء ألا يكونوا على قدر هذه التبعات ولا لهذه المسؤوليات ، ولا للجهود المطلوب بذلها ، لذلك فهم يفضلون البقاء في المنطقة الدافئة ألا وهي منطقة الفرد الصالح ، ويربأون بأنفسهم أن يقتحموا أو يمارسوا دور الفرد الصالح المصلح في المجتمع ، ولكن عظمة هذا الدين انه وسع في مفهوم الإصلاح وبَسَّطَة لدرجة أن كل فرد في الأمة يستطيع ان يكون له أوفر الحظ والنصيب من فرصة الإصلاح المرجوة ، كل حسب قدراته وإمكانياته .