تستوقف المواطن العراقي المصطلحات المطاطة التي يستخدمها الساسة في “تشريح” بعضهم لبعض ولا أشك للحظة ” أن الله من وراء القصد ” في هذا التشريح .. والله طبعاً برئ من هذا البعض كما هو برئ من البعض ” الآخر ” الذي يكن للبعض الأول كل “الحقد ” ولا أشك أيضاً ” أن الله من وراء القصد ” في عقيدة جازمة لدى الجميع ” الأبعاض كلهم “.
الا أن مصطلح العملية السياسية وهو يتقافز على ألسن الساسة ومدمني الظهور التلفازي .. والتمشدق البرامجي .. والتحذلق الفضائي يمر بمخاض صعب هو الآخر .. ولا أشك ” أن الله من وراء القصد ” في قصدية أريد لها أن تكون مستودعاً لكل قمامات التأريخ ومزابله الحاضرة في الذهن المريض للسياسي العراقي .. وأزعم أنا الآن أن كلامي هذا لا يخرج عن القاعدة ” أن الله من وراء القصد “.
العملية السياسية .. إصطلاح متهدل مترهل أكل عليه الدهر وشرب ولا أقل من النقض عليه بأنه مائز بين ” العملية السياسية ” عن العملية العسكرية “.
ولما كان شعار الجميع هو دولة المؤسسات وليس دولة الميليشيات .. فما هو دور العملية العسكرية؟ وما الذي يمكن أن تمثله؟
ولما كان العمل العسكري خارج السياق جملة وتفصيلاً لكل الساسة ” ممن هم داخل العملية السياسية ” فعلينا أن نطيح بالاصطلاح الذي يفتي بالحق الضمني للمجاميع المسلحة في حمل السلاح كونهم ” خارج العملية السياسية”.. وبهذا التعويم فهنالك ” تفهم ” للعمل المسلح.
حين صدر الدستور بأغلبية واضحة للعيان ومقاطعة أيضاً واضحة للعيان .. وحين تشكلت الحكومات المتعاقبة إستناداً الى إنتخابات التي أقرّها الدستور طريقاً وحيداً فريداً للوصول الى مراكز صنع القرار .. حينذاك لم يعد لحاملي السلاح أي مسوغ أخلاقي أو دستوري أو قانوني .
وبهذا الالتزام الوطني بالقانون والدستور .. لم يعد هنالك عمل مسلّح ” قابل للتفهم ” .. وبذلك خرجت العملية العسكرية عن كونها طريقاً محتملاً للإنقاذ .. الى ” عمل مسلّح خارج عن القانون ” .. وعندها يجب إعادة تقويم الاصطلاح ” العملية السياسية ” الى ” العمل السياسي ” تفريقاً للعاملين بعذا المجال عن العمل الاجتماعي والاقتصادي والفني .. كتخصص في أحد مجالات الحياة.
ولعل متسائل هنا .. وما الجدوى؟
الجدوى هي أن العمل السياسي لايجب .. بل يحرّم إحتكاره من قبل جهة أو حزب أو شخص .. وعليه فالدستور الذي أقر التعددية يحرم الانفراد والاقصاء والتهميش.
بينما إصطلاح العملية السياسية يتيح وجود عملية معينة يمكن الانخارط في داخلها أو العمل خارج العملية .. وهنالك مكنة للتوهم في ان هذا العمل او ذاك قد يكون او لايكون خارج العملية بإعتبار أنها ” العملية السياسية ” تفترض منهجاً محدداً للسير نحو العراق الجديد.
هذا التفريق أوجبه الوقوف عند تصريح لأحد أفراد الحزب الحاكم ” السيد كمال الساعدي ” عضو حزب الدعوة الاسلامية .. قال فيه بالحرف
– إن إياد علاوي بات خطراً على العملية السياسية .
وأي عاقل يقف خارج الاصطراع السياسي للحزب الحاكم ومناوئيه في القائمة العراقية يجد أن هذا التصريح هو من أخطر التصريحات التي تمهد الطريق الى ” وضع ” جديد سيعقب خروج القوات الأمريكية.
وأي عاقل يتوقف هنيهة للتفكير في مخاطر هذا التصريح يجد أن الجانب الآخر ” مناوئو حزب الدعوة ” قرأوا هذا التصريح بدقة .. واستقرأوا تداعيات الموقف المحتملة لما بعد الانسحاب.
وان سكوتهم على هذا النهج الجديد في إدارة دفة العمل السياسي في العراق سيترك المجال واسعاً لحزب الدعوة كي يذهبوا الى أبعد نقطة ممكنة .. بإختصار – هم لن يتوقفوا –
وهنا بالضبط يمكن فهم قرارات علي الأديب .. وإعتقالات ” الشياب ” .. وبالتالي فهم النموذج النمطي للقادمات … وهنا أيضاً بالضبط يمكن فهم معنى التحركات التي تطالب بإنشاء أقاليم بدلاً من محافظات .. إنها محاولة إستباقية دستورية لتقليم أظفار حزب الدعوة عن إطلاق اليد لأعمال إنتقام وتنكيل لا يعلم الا الله الى أين ستنتهي بالوطن.