22 ديسمبر، 2024 1:40 م

الى حراس الفجر… وركب الفردوس الأعلى

الى حراس الفجر… وركب الفردوس الأعلى

3 سنوات عجاف تخلت فيها الموصل عن ربيعها وحل الخريف في أزقة وشوارع المدينة, التي ضجت بأصوات الثكالى والأرامل وأختنقت بالدم والدموع, وغزا السواد الأزقة والطرق فمملكة الظلام قد أرخت سدول ليل طويل على شمس الموصل, وأختفت مظاهر الحضارة, فلم تعد ترى سوى يافطات سوداء تغزو الشوارع.
في المنازل المهجورة التي خلت من ساكنيها صدى أنين, وصراخ السبايا الايزيديات, وصليب في كنسية تفتقد الأجراس وأصوات القداس, وطرقات تبحث عن مرح الصبية وأصوات طوابير المدارس, المدينة تبحث عن ساكنها الحبيب النبي يونس (عليه السلام) الذي غادر الى غير رجعة ليس لبطن حوت يلفظه بل الى مجهول لا عودة منه, ليبقى كل سكان وشوارع وأزقة المدينة في بحث دائم عنه فغائبهم لن يرجع هذه المرة.
في شوارع الموصل دمية طفلة وشرائط لضفيرتها الذهبية, وبقايا ملابس ممزقة, يبدو أنها سقطت من جحافل السائرين الى المجهول, وبقايا أثار مدينة دور شروكين التي غادرت بعيداً هي الاخرى, , وقطعة من أجنحة الثور المجنح الذي يأنف أن يبقى في مملكة الخفافيش والجهل والتخلف.
بعد كل تلك المشاهدات والسنوات المظلمة والمجازر المروعة (مجزرة قرية كوجو المعروفة بأم المجازر, مجزرة سبايكر, مجزرة الصقلاوية, تفجير ضريح النبي (يونس عليه السلام) تدمير الاثار العراقية, القتل والترويع بحق المخالفين لهم, قتل المنتسبين في الجيش والشرطة من أهالي الموصل) وقائمة الفظائع والجرائم يطول ذكرها.
هاهي مملكة الشر تلفظ أنفاسها الأخيرة وتنفض محافظات العراق التي أستبيحت من قبل الدواعش غبار سنوات ثلاث وفي مقدمتها الموصل, وتسعى لأستعادة ربيعها, الذي أينعت قطافه ليس من الماء هذه المرة بل بدماء الغيارى من أبناء الرافدين الجيش والحشد والشرطة الأتحادية وكل غيور هب للدفاع عن الوطن والمقدسات.
الموصل وأن كانت تسعى لأستقبال الربيع, وتغسل وجهها بماء طهور الا أنها لن تخلع ثوب الحداد على حراس الفجر وصناع النصر رجال الله وهم يجودون بالنفس والمال للدفاع عن الأرض والشرف, فهي ستبقى حزينة وتردد في أرقتها عبر الآفاق صوت المقدم البطل علي النداوي وهو يردد ( والله هذا يومكم وهنيالة الي ينال الشهادة بهذا اليوم) وتبقى تردد صوت أمية جبارة وهي تعلن ( مااندك راسي مو هذولة الي واحد يخاف منهم) فهي تأبى أن تحني رأسها حذرا من رصاصات قناص داعشي, وستبقى تردد صوت مصطفى العذاري وهو يقول( عندي عشر رصاصات اني جريح راح استشهد وما اسلم انفسي) وستبقى تردد صوت حيدر المياحي وهو يعلن بأعلى صوته ( لا تخافون احنة اهلكم والله لاتخافون تعالوا تعالوا اشربو مي لا تخافون) وستبقى تردد بأعلى صوتها صوت المراسل البطل علاء العيداني الذي بقي حيا وفقد نور عينيه ( عيوني فدوة للعراق ) وستبقى تردد صوت الشهيد مرتضى سرحان ( وهو يوصي بأطفاله ويكتب لصديقه ( ما ريد اطلاق نار بالتشييع هاي وصيتي الك )
ستبقى الموصل وكل مدن العراق ترى بعيون علاء العيداني وهو يوثق لحظات النصر, وتبقى عيون العراقيين ترى النصر بعدسة الشهيد علي الأنصاري , وتبقى كل المدن تترد أصوات الخالدين الذي هزموا النسيان, وأرشدوا الباحثين عن الخلود الى طريق المجد, وهم يتسابقون ككردوس الى الفردوس الأعلى ليتلحقوا بركب الحسن (عليه السلام) وهم يرسمون النصر ويحرسون فجر الرافدين لينجلي ليل القتل والظلم والوحشية والتخلف لتشرق الشمس من جديد وتكتب بحروف من نور أسماء الخالدين في لوائح المجد.
في كل المعارك يُعرج الناس على ذكر الشهداء والجرحى, بصفتهم صناع النصر, لكن في المعارك الاستثنائية ينسى الناس كل الأحداث ويستحضروا الشهداء كما هو حال معركة الطف, ومعركة العراق تلك طفوف العصر الحديث لأنها معركة استثنائية بكل المقاييس, فقد غيرت مجرى التاريخ شأنها في ذلك شأن كل الثورات والحروب والمنعطفات المصيرية التي تنحت أحداثها في قلب التاريخ وبدونها لن يبقى للتاريخ عبق ولا ألق, فتحية لكم يا حراس الفجر وكرودس الفردوس الاعلى كما أشرقت شمس يوم جديد على بلاد الرافدين.