تحت عنوان (الناخب والمنتخب سيكونان معا تحت المطرقة) كتب الزميل اياد الزاملي مقالاً ضمنَه احباطه من اختيارات الناخبين في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت يوم 20 نيسان الجاري وافضت من وجهة نظره الى اعادة انتخاب ذات القوائم التي أثبتت ” فشلها في إدارة محافظاتهم كما أثبتت فشلها في البرلمان والدولة” على حد قول السيد اياد الزاملي , والذي يخلص في مقاله الى ان المهمة القادمة للنخب المثقفة والكتاب والاعلاميين هي ” ليس انتقاد المنتَخَب الذي سيصبح مسؤولا بل انتقاد الناخب ايضا الذي أتى بهذا المسؤول الى سدة الحكم والادارة… وبالتالي سيكون (الناخب) -والكلام لايزال للسيد الزاملي – مسؤولا امامنا مسؤولية كبرى تصل حد التقريع ان جاءنا باكيا, شاكيا من سوء إدارة من انتخبهم”.
ان حالة الاحباط التي عبرعنها الزميل يمكن تفهمها, ويمكن التماس العذر له ولمن أُحُبِطَ من نتائج الانتخابات, لكن لايمكن القبول بأي حال من الاحوال بمنطق التقريع الذي يدعو النخب الثقافية اليه اي تقريع الناخبين على سوء اختيارهم في الانتخابات,لأنه وبكل بساطة أن هذا المنطق (الانتقامي) يتعارض ورسالة المثقف الجماهيري في الحياة وهي نشر المعرفة الصحيحة, وتعليم الجهلاء و تثقيف قليلي العلم, والتوجيه الواعي, والمشاركة الجدية في تربية المجتمع التربية العلمية السليمة,وتأصيل ثقافة الحياة, هذه هي رسالة المتعلم والمثقف والمتنور كما أفهمها والا لما سميَّ مثقفا, أما التقريع وجلد الذات والانتقام من ابناء شعبنا البسطاء لانهم أنتخبوا من استطاع اقناعهم واقتنعوا به فهو هروب من المسؤولية.
ان المنطق الصحيح هو بتشمير السواعد والنزول الى الشارع والتحدث الى البسطاء من الناس وتنويرهم وتثقيفهم وهذا هو منهج الانبياء والاوصياء لا بمخاطبة الناس من بروج عالية, او من وراء حجب, اوالتعالي عليهم وتوجيه النصائح اليهم بلغة الاوامر. ان التواضع للناس والنزول الى مستواهم عند مخاطبتهم هو الاسلوب الناجع لتثقيفهم, ألم يقل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا معاشر الانبياء أمرنا ان نخاطب الناس على قدرعقولهم, ألم يذكر لنا التاريخ حادثة وقعت مع الرسول يوم كان جالسا في المسجد فجاءه اعرابي فسأله قائلا ” يامحمد امصيام في أمسفر؟” فرد عليه الرسول بالقول” كلا لا امصيام في امسفر” وهنا التفت اليه الصحابة وسألوه يارسول الله ماذا سئلك هذا الاعرابي وبماذا اجبته؟ فقال (ص) ان هذاالاعرابي من قوم يبدلون الالف واللام في لغتهم بالالف والميم وكان يسئل هل من صيام في السفر؟ فرددت عليه بنفس لغته ان لاصيام في السفر.
اخلص للقول ان على المثقف التحلي بسعة الصدر وهو يؤدي رسالته في تنوير الجماهير, وهذا الطريق هو طريق ذات الشوكة ونحن لازلنا في اول المشوار, على انني ارى في النتائج الاولية للانتخابات تطوراً ملحوظاً في نوعية القوائم المنتخبة بالاضافة الى القوائم التقليدية, وقراءتي الاولية للنتائج تقول ان تقدما مقبولا تحقق للقوى المدنية في هذه الانتخابات ويكفي دليلا على ذلك إنفتاح بعض القوى السياسية المحافظة على القوى المدنية وتحالفها معها في هذه الانتخابات وهذا تطوريستحق الثناء لان معناه ان القوى المحافظة بدأت تعي انها لايمكنها_حتى وان كانت لها قاعدة جماهيرية كبيرة_ ادارة العراق من دون الاستعانة بالقوى المدنية .
واختم بالقول اننا وبدلاً من صب جام غضبنا على الناخب البسيط الذي اقترع وفقا لقناعاته المحدودة,علينا ان نحاسب انفسنا كمثقفين لماذا تركنا هؤلاء المواطنين من محددوي العلم والتثقف لقمةً سائغةً للاخرين؟ ولماذا لم تنشط (جحافل) مثقفينا مثلما نشط الاخرون في الوصول الى قاع الجماهير؟ لماذا يصر اغلب – وليس كل- مثقفينا على الانطواء على أنفسهم وعالمهم الخاص والعيش بنرجسية وتعالي على الاخرين؟ لو ان كل مثقف منا التزم عشرة مواطنين وتعهدهم بالتثقيف والتنوير خلال السنوات العشرالماضية من عمر التغيير لأصبح لدينا الان قاعدة واسعة من المواطنين الواعين الذين يستطيعون الادلاء بأصواتهم في الاقتراع بوعي تام نتيجته اختيار الافضل لخدمة هذا الشعب. كم مثقف منا يؤدي الان ما أداه المناضل الاممي الرائع تشي جيفارا الذي ترك السلطة وأمتيازاتها ونزل الى الغابات والادغال سعيا وراء تحقيق رسالته الانسانية السامية وهي محاربة الظلم وإعانة المظلومين وتحقيق العدالة الاجتماعية؟
اننا اليوم نفتقر الى المثقف الرسالي الذي كان يؤدي دوره في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم من أمثال المناضل الخالد (ابوكاطع) شمران الياسري؟
يؤسفني يازميلي ان اخبرك ان اغلب مثقفين ا- وليس كلهم واشدد على هذه الكلمة – في يومنا هذا من الذين يفتقرون الى روح التحدي والمواجهة, واقوى مايستطيعون فعله هو التلذذ بنرجسيتهم في (شارع المتنبي) كل جمعة و(الهمبلة) على بعضهم البعض في ملتقياتهم الخاصة بنصوص ادبية, اوقصائد شعرية,او انتاج ثقافي ينطبق عليه وصف (الزواع الفكري), فكيف تتوقع اذا من هؤلاء المثقفين احداث اي تغيير في واقعنا المتخلف؟
ثانية وثالثة ورابعة مهمتنا التثقيف وليس التقريع وجلد ابناء شعبنا, انها مهمة الانبياء والرسل الذين اوصاهم الله تعالى بقوله (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). رسالتنا الرفق بأبناء شعبنا واللينة معهم وليس تقريعهم حتى لاينفضوا من حولنا فيتلقفهم غيرنا.
وللحديث تتمة … تقبل مودتي وتحياتي.
[email protected]