22 نوفمبر، 2024 3:50 م
Search
Close this search box.

الى انظار العبادي و وزير نفطه العظيم – بيع العراق باسلوب الخصخصة

الى انظار العبادي و وزير نفطه العظيم – بيع العراق باسلوب الخصخصة

ابتلاع شركة توزيع المنتجات النفطية انموذجا
قبل ايام قليلة, طالعنا وزير النفط العراقي بتصريح غريب و مثير للجدل, ان لم يكن مثيرا للشكوك اصلا, حول خصخصة قطاع التوزيع في وزارة النفط العراقية. و الملفت للنظر ان السيد الوزير اعلن عن تشكيل لجنة لدراسة الابعاد القانونية و الادارية و الاستثمارية و اسلوب اجراء عملية الخصخصة مع مراعات ما وصفها بالقوانين النافذة في هذا الموضوع, على ان تقدم التوصيات بهذا الخصوص في غضون شهر. وبرر الوزير قراره بالرغبة في تطوير هذا القطاع الحيوي و المهم من خلال الخصخصة, وهو المبرر الذي عاد و غيره لاحقا عندما قال انه لا يريد شركات خاسرة في الوزارة بحلول نهاية العام الحالي, مشيرا الى ان التوزيع من جملة هذه الشركات الخاسرة!.
و حسب مصادر مطلعة, فأن اعلان موضوع خصخصة التوزيع جاء بقرار الوزير السري الذي سبق الاعلان عنه بفترة عدة اسابيع حيث شكلت اللجنة المعنية بهذا الموضوع سرا, الامر الذي يثير علامة استفهام كبيرة عن سبب سرية القرار قبل اعلانه.
لكن علامة الاستفهام الاكبر تتمحور حول غرابة القرار نفسه في بلدنا العزيز المعروف بتفشي الفساد و سوء الادارة و هدر الموارد, عدا عن المحاصصة المقيتة في توزيع المناصب. من المعروف ان شركة توزيع المنتجات النفطية تكاد تكون الشركة الوحيدة الرابحة في العراق و التي تمول خزينة البلاد بحصة معتبرة من مواردهاظو حيث يصل ما تدفعه شركة التوزيع لوزارة المالية بعد استقطاع النفقات و الاجور و المصاريف ما لا يقل عن 2000 مليار دينارتذهب الى ميزانية البلاد العامة سنويا, فضلا عما تقوم هذه الشركة بدفعه من اموال بغية تمشية شؤون الوزارة و تشكيلاتها الاخرى, لاسيما نفقات مكاتب السيد الوزير نفسه و الوكلاء الى جانب الشركات الخاسرة الاخرى في الوزارة مثل شركة المعدات الهندسية الثقيلة على سبيل المثال. و بما ان شركة توزيع المنتجات النفطية تتميز بكونها شركة رابحة جدا, كونها تمثل الجهة الحصرية الوحيدة المضطلعة بتوزيع المنتجات النفطية في العراق, فأن ذلك يعني انها تتمتع بموقع سوقي فريد من نوعه لا يملكه و لا يتوفر عليه اي تاجر او شركة اخرى في العراق و ربما العالم. ان تفرد شركة التوزيع التي تعمل بدون منافسة و بسلطة مطلقة تهيمن كليا على مقاليد عملية التوزيع في العراق, انما يمثل مصدرا لقوة هذه الشركة التي من الواضح ان الايادي الخفية تريد السيطرة عليها تحت عنوان الخصخصة.
يثير الموضوع برمته اسئلة و علامات استفهام جدلية كبيرة. لماذا الان, و لماذا شركة التوزيع, و لماذا هذه القوة المالية المنتجة والرابحة على وجه الخصوص, و لصالح من, و من يملك ان يشتري هذا القطاع الضخم و الهائل, و اخيرا, اين ستوجه الاموال التي ستتحقق عن الخصخصة يا ترى؟
ان هذه الاسئلة تستحق الوقوف عندها و البحث فيها معمقا. لقد جاء اختيار وزير النفط العراقي الحالي بطريقة المحاصصة الطائفية كما هو ديدن عراق ما بعد صدام, و ان كان ظاهر الاختيار مهنيا. و من المعروف ان المجلس الاعلى كان وراء اختيار هذا الوزير وتأييده بحجة مهنيته و درايته و تاريخه النفطي العريق. لكن ما يجري خلف الابواب المغلقة يشير باصابع الاتهام المباشرة الى نوايا احد الاحزاب الاسلامية المتنفذة من هذا الاختيار. لقد ادرك هذا الكيان الحزبي الاسلامي ان الموارد التقليدية المتأتية من خلال الاساليب التقليدية مثل العمولات و الفساد و المحابات و حتى السرقات ما عادت مجدية و لا كافية بعد انخفاض اسعار النفط و تراجع عائدات العراق و توجهات الحكومة العراقية الاضطرارية للتقشف و الحد من النفقات نتيجة للعجز المالي الكبير الى جانب تكاليف الحرب الهائلة ضد تنظيم داعش. و بالتالي, برزت فكرة الخصخصة من العدم لتطرح بهذا العنوان البائس ممثلا في قول الوزير ” الرغبة في تطوير هذا القطاع”. و ان لنا ان نسال عن اي تطوير تتحدثون سيادتكم يا ترى؟ و هل نظرتم الى دول الجوار النفطية و سياساتها التوزيعية لتجدوا مثيلا لهذا التوجه الغريب الذي طرأ عليكم فجأة يا ترى؟ ان شركة التوزيع تمثل قوة مالية منتجة بكل المقاييس, و تعمل بطريقة مربحة للدولة العراقية و تضمن نتيجة لسياستها العامة توفر المنتجات النفطية باسعار معقولة للمستهلكين في الداخل. و بالرغم من ان طرق عمل الشركة تبدو تقليدية في ظاهرها, الا ان هذا الاسلوب معتاد و متعارف عليه بين اوساط الناس منذ عشرات السنين, لاسيما ان اسعار الوقود موحدة في جميع ارجاء العراق فضلا عن توفر المحروقات بانواعها في كل مكان, الامر الذي يؤكده عدم حصول ازمات و لا طوابير في عملية التوزيع منذ سنوات طويلة, ما يعني تحسن و تطور اداء و ادارة الشركة و قيادتها العليا التي تمكنت من الارتقاء و معالجة المشاكل و الخلاص من مرحلة الازمات القديمة. من جانب آخر, فأن قوانين الاستثمار التي اقرت خلال السنوات الماضية سمحت باستيراد المحروقات من الخارج لصالح القطاع الخاص و بيعه بالاسعار التي يريد و بما يتلائم مع ظروف البيع, الى جانب ان هذه القوانين تسمح ببناء مصافي خاصة للغرض ذاته. اذن لماذا لم يقم احد باستيراد المنتجات النفطية او انشاء مصافي لهذا الغرض يا ترى؟ يكمن السبب في ان هذا النشاط الخاص لا يمكن ان ينافس في العراق امام هيمنة شركة التوزيع الناجحة في عملها في هذا البلد, الى جانب الكلفة الباهضة التي تتطلبها اقامة انشطة من هذا النوع بغية تحقيقها لجانب المنافسة مقابل شركة التوزيع. و هنا, برزت فكرة الخصخصة من العدم بعد ان افلس ذلك الحزب الاسلامي المتنفذ و تراجعت موارده المالية ليضع نصب عينه الاستيلاء على قطاع التوزيع بغية تمويل انشطته. فهل يعقل ان تقوم وزارة النفط بخصخصة قطاع التوزيع الذي يمثل قوتها المالية الابرز و درة التاج ضمن القلادة النفطية في العراق يا ترى؟ هل يعقل ان يضحي وزير عريق ومعروف بمهنيته النفطية, او هكذا يقال عنه, يضحي بهذا المنجم العظيم ليسلمه الى قطاع خاص في بلد يعاني فشلا عاما في مجال اداء القطاع الخاص الذي لا يضيف الى اقتصاد البلاد شيئا يذكر؟
ان الدول الذكية عادة ما تقوم بالخصخصة عندما تكون هنالك حاجة للاموال التي يفترض ان يتم تحويلها الى نشاطات مربحة اخرى, و هذا بالعادة يكون عبر خصخصة انشطة خاسرة عموما بعد التثبت من ان اسباب خسارتها تعود الى البيروقراطية و سوء الادارة و بطئ الاجراءات و غيرها من الاسباب التي عادة ما تتوفر و تشتد في الكيانات البيروقراطية الحكومية, و هو امر يتنافى كليا مع حالة شركة التوزيع التي تحقق ارباح كبيرة للدولة العراقية برغم ما تخسره نتيجة لديونها المستحقة على وزارة الكهرباء التي لم تدفع للتوزيع منذ سنوات, و التي تقدر بمليارات الدولارات, الى جانب النفقات و التحميلات المالية الضخمة التي تفرضها وزارة النفط على شركة التوزيع بغية تمشية امور الوزارة, و من جملتها النفقات التي طرأت على البلاد جراء الحرب على تنظيم داعش الارهابي و ما ترتب عليها من ضخ محروقات كبيرة للقوات المقاتلة جيشا و شرطة و حشدا, فضلا عما تتحمله شركة التوزيع من تعويض مستمر لما فقد من انتاج مصافي بيجي التي كانت تنتج بحدود 40% من استهلاك البلاد المحلي من المحروقات, والتي تضررت كليا الى جانب المصافي الاخرى في المناطق التي احتلها التنظيم الارهابي, و التي عوضتها الشركة بالاستيراد و تحملت فرق القيمة ليصل المنتوج للناس بالسعر المدعوم برغم ارتفاع سعر استيراده و شحنه والتأمين عليه من موارد الشراكة. و ان موضوع تعويض شركة التوزيع لهذا النقص عبر الاستيراد يمثل جانبا مهما في المعادلة التي تعمد وزير النفط العراقي اغفالها عن قصد. فما الذي سيحصل لو تم خصخصة التوزيع اذا اردنا ان نعوض النقص يا ترى؟ هل سيلجأ القطاع الخاص للاستيراد من الخارج و البيع بالاسعار العالمية يا ترى؟ هل سنشاهد المواطن العراقي المسكين الذي سحقه الفساد الحكومي و سوء ظروف الحياة و نقص الخدمات و انعدام الامن, هل سنشاهده و هو يضطر للتوجه الى المحطة لشراء الوقود بالاسعار العالمية و هو يعيش في بلد اقل ما يقال عنه انه يعوم على بحيرة من النفط يا ترى؟ ام ان الموضوع لا يعدو كونه مجرد محاولة لاشراك اخرين خارجيين في هذه الارباح, و هل يعقل ذلك يا ترى؟ هل يعقل ان نشرك اطرافا خارجية في ارباحنا التي تذهب لكل الناس, فنخصخص لصالح نخب معينة لا شك انها شركات واجهات لتقوم بمشاركة هذا الشعب المسكين موارده المستحصلة من جراء التوزيع يا ترى؟
لقد كان الادعى للسيد الوزير المحترم ان يفكر مليا قبل الرضوخ امام املاءات ذلك الحزب الاسلامي المتنفذ في السلطة بغية الشروع في خصخصة التوزيع, و ماذا ستقول سيادة الوزير للاجيال القادمة عن هذا القرار الخطير يا ترى. ان شركات و وزارت فاشلة و خاسرة باكملها لم تتجرأ حكومات العراق المتعاقبة منذ العام 2003 بكل ما يعرف عنها من فشل و سوء ادارة, لم تتجرأ على خصخصتها و التضحية بها بهذه الكيفية الاعتباطية و العشوائية التي تريدها انت. و لنا في وزارة الصناعة وشركاتها المتهالكة مع قطاعات التصنيع العسكري المنحل السابقة خير دليل على هذا الكلام. لقد كان الاجدى ان تخصخص القطاعات الخاسرة بغية العمل من اجل انعاشها عبر دمجها بالقطاع الخاص في ظل ظروف عمل تجتذب الاستثمارات و تحمي حقوق و اموال المستثمرين اسوة بالتطور الحاصل في كل العالم, الامر الذي لم تتحقق اشتراطاته, و لا يبدو انها ستتحقق يوما مادام المنبطحون يحكمون هذا البلد الجريح.
و لنا كذلك في قطاع توزيع الكهرباء مثل آخر, حيث ان هذا القطاع لا يختلف من الناحية التنظيمية و الادارية كثيرا عن قطاع توزيع المنتجات النفطية, غير ان فشله الشامل في العمل ما كان سببا في الغائه او تحويله الى قطاع خاص, و ان عملية خصخصة الجباية التي تقررت مؤخرا كانت نتيجة طبيعية لفشل جباية الكهرباء, و ليس سببا لبيع محطات التوليد و شبكات التوزيع الكهربائية الوطنية. فبأي منطق و بأي حق تريد انت و من يقف خلفك يا سيادة الوزير خصخصة القوة المالية الابرز والاكثر وزنا ضمن الدولة العراقية يا ترى؟
كما ان هنالك علامات استفهام اخرى في هذا الموضوع كذلك, و منها ان العراق سيضل معتمدا على الاستيراد الخارجي لسد النقص الحاصل في عمليات الانتاج المحلي على المستوي القريب و المتوسط ربما. و هو ما يعني ان فروقات مالية كبيرة لابد من تحملها عن سعر الاستيراد و السعر المدعوم. فاذا ما تم خصخصة التوزيع, فمن الذي سيتحمل هذا الفرق لصالح المواطن العراقي المسحوق يا ترى؟ ام هل سنشهد يوما تقول فيه وزارة النفط العراقية العظيمة انها غير معنية باسعار المشتقاة النفطية في دولة العراق النفطية, لاسيما ان قطاع التوزيع هو القطاع الواجهة الذي يعرفه الناس و يحس بأثره المباشر على حياتهم؟ و هل ان السيد الوزير يريد اجبار الناس على شراء المشتقات النفطية محليا باسعارها العالمية في بلدنا النفطي كي يربح المستوردون و يصيبوا الثراء من دماء الفقراء العراقيين يا ترى؟
ان الشعارات الفضفاضة عن التطور و التقدم ما عادت تجدي نفعا و لا تنطلي على عقول احد من ابناء هذا الشعب الجريح, فمن تريد ان تخدم, او ربما تخدع, سيادة الوزير. و هل سبق لنا ان شهدنا تجربة خصخصة ناجحة في العراق حتى نبدأ مباشرة بخصخصة منجم التوزيع المالي الاكثر قوة يا ترى؟ هذا المنجم الذي لا يبدو ان هنالك آخر يدر اي موارد مثله في هذا البلد طولا و عرضا.
ان هذه الكلام و هذه المساعي المشبوهة الرامية لابتلاع شركة التوزيع و تسليمها الى القطاع الخاص تذكرنا بما حصل في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 حينما شرعت الحكومة بخصخصة قطاعات الدولة باسعار مضحكة لتذهب الى جيوب زعماء المافيات و الاسر الثرية في ذلك البلد الذي انتهى من شعب يعيش ضمن دولة نووية عظمى كانت تمثل احد قطبين في العالم الى مجرد شعب مسحوق تتسلط فيه ثلة قليلة من اقطاعيين جدد و مافيات و عوائل يتحكمون برقاب اناسهم, و يمتصون دمائهم دون رحمة. فهل هذا ما تريد تقديمه لشعبك الجريح سيادة الوزير المحترم؟

أحدث المقالات