نشرت الاخت الكاتبة المحترمة هايدة العامري يوم الجمعة 13/5/ 2016 على موقع كتابات الموقر مقالة بعنوان ( ايها العراقيون هذا طريق الحل والحق فهل انتم سالكوه ؟ ). وكان عصارة ما افضت اليه الكاتبة هو اقتراحها بضرورة خلق تواجد باي عنوان تتخذه عناصر كفوءة ونزيهة متيمنةً بذلك بتجربة لبنانية وليدة خاضت الانتخابات اللبنانية بنتيجة مشرفة.
وقبل الولوج بما اريد خطًه هنا لابد من ذكر امور منها.
* حسناً فعلت مشكورة الاخت الكاتبة بتوضيح رايها في الحل الذي تتصوره لخروج العراق من معضلته السياسية، فمدى صعوبة المراحله التي يمر بها البلد معلومة للجميع لهذا على كل غيور شريف الدلو بما يراه حلاً مناسباً لهذه الازمة على ان لايكون لغرض الظهور الذي لاياتي بجديد او يجتر ويكرر ما يطرح او تم طرحة مسبقاً كالانتخابات المبكرة او حكومة الانقاذ ..الخ.
* ما نطرحه هنا يدور في دائرة النقاش المثمر الذي ينبع من النية الصافية التي لايزكيها الا الله تعالى في سبيل الاسهام لاثراء الساحة لتلمس الطريق الانجع متوخين تلاقح الافكار المخلصة البناءة وليس انطلاقاً من الغلبة او ادعاء الافضلية في طرح الرؤى وان حصل الاختلاف في الطرح النظري فهو على منهج ( الاختلاف في الراي لا يفسد في الود قضية ).
يعلم المتتبعون لمقالاتي انني توقفت عن الكتابة منذ بضعة اشهر لشعوري ان واقعنا المعاش اخذ بالتدهور يوماً تلو الاخر ولم تعد الكتابة لتقوُم او حتى تفت في عضد كيان ما مع الاسف الشديد وعلى كل الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعقائدية او ان شأت فقل الطائفية، اللهم الا شيئاً واحداً يعتز به المواطن المخلص الشريف وهو تضحيات ابطال الحشد الشعبي وتصديهم لهمج الدواعش.
ولكن واجب الاسهام في محاولة حلحلة الوضع المتردي في العراق واجب لامناص من الاشتراك به ما امكن.
انني ارى وبكل بساطة ان فكرة ايجاد مجموعة مستقلة تتصدى للعمل السياسي فكرة تتسم بنوع من السطحية نوعاً ما ولا تلامس عمق المشكلة العراقية بما تحملة من بواطن الامور التي لم تكن وليدة اليوم انما ينحدر امتدادها الى قرون تقريباً.
وقد ذكرت الكاتبة ما مفاده ( لا امل في الطبقة السياسية ) وانا اتفهم ان ماتعنيه ليس على مستوى التعبير المطلق انما هي تُقيد الامر بالساسة العراقيين المشتركين بالعملية السياسية وبالتحديد بعد 2003 على ما يبدو، ولكن لا مفر من ان اي مجموعة ستاتي مهما كان مستوى افرادها ورقي الخصائص التي يتميزون بها سيكونون بالتالي اناس سياسيون ماداموا سيزاولون السياسة ويتكفلون بحمل المسؤولية على عاتقهم.
ثم ان التجارب علمتنا ان هنال الكثير من البشر من كانوا مثالاً في الاستقامة ورفعة الاخلاق ولكنهم سقطوا في اختبار ما يسمى “الجهاد الاكبر” وهو جهاد مواجهة النفس وغرور الدنيا وحلاوة المنصب وبهرج الكراسي فمن المعلوم ان الانسان الصالح الذي يمكن التعويل عليه هو من يتحدى ما نطلق عليه ” المهلكات الثلاث ” وهي المال والسلطة والمرأة ( اي الاغراء الجنسي ). وبالتاكيد من حضي بالسلطة يسهل عليه طريق المال والمرأة.
ومقولة هارون الرشيد لابنه ( ان الحكم عقيم فلو نازعتني عليه لاخذت الذي بين عينيك ) تبين مدى شغف الانسان بالسلطة وحب الكرسي ان صح التعبير .
ان الحل في العراق ينطلق من فهم وادراك واقعه وخصائص شعبه، ليس الان بل عبر التاريخ وعوامل واسباب تطور الاحداث فيه ثم بناءً على ذلك يتم رسم خارطة طريق للاصلاح بشكل واضح ومفهوم للجميع مكشوف المعالم لا يتوارى خلفه اي مستور وبخطى وطيدة وجريئة وثابتة.
وبالانطلاق من هذا التوجه يتضح انه من الصعب على مجموعة او حزب بل لانبالغ ان قلنا حتى مؤسسة دينية مسك مفاتيح حل مشاكله بالشكل الذي يخدم العراق ومواطنيه والاخذ بيده نحو شاطئ السلام والبناء والتطور.
ولا اريد ان اسهم في ذكر صعوبة طريق الاصلاح ووعورته في العراق على ما هو عليه بذكر الجوانب الشائكة المتعددة وعلى جميع الاصعدة.
فقد اكد تاريخ هذا البلد كما اكد الكثير من علماء الاجتماع وابرزهم الدكتور الوردي على ما يسمى ازدواجية النفسية العراقية وامتيازها بشيء من التناقضات ودعًم هذا المنحى علماء الكلام بوصفهم الشعب العراقي بانه عبارة عن ( امة جدل )…الخ من الحقائق التي لاتبعث على التشجيع.
وربما كان وصف الامام علي (ع) اكثر من غيره شدة وغلضة على ابناء هذا البلد حينما وصفهم بوصف لم يسبغه على غيرهم وهو يخاطبهم غاضباً ( يا اهل الشقاق والنفاق لقد ملئتم قلبي قيحا ) فيجب التوقف كثيراً عند وصف الامام علي هذا بالذات، فاذا علمنا ان القيح لايتكون في القلب رغم تكونه في بقية اجزاء الجسم فاننا ندرك بان لسان حاله يقول لهم (ع) انكم سببتم لي ما لا يمكن ان يحدث. فكم هي كبيرة هذه الوصفة بحق هؤلاء القوم؟!!!.
وليس بعيداً عن هذا الواقع المؤلم فقد دعوا ابنه سيد شباب اهل الجنة لينصروه ولكنهم بنفس السلوكية المنافقة قاموا بخذلانه وقتله في الوقت الذي يرحب احفادهم بعد قرون بملك من خارج العراق وهو الملك فيصل منصبينه ملكاً عليهم خضوعاً للارادة البريطانية !.
وما يعصر القلب اكثر الماً باننا لم نستفد من كل هذا التاريخ الدامي الذي لايمكن ان يكون محط فخر مهما حاول البعض من ابراز التبريرات، تخرج علينا مرجعية السيد السيستاني حفظه الله قبل اسبوع بنتيجة قاسية هي الاخرى وربما تعتبر تحصيل حاصل لهذا الواقع المرير بمقولتها ( لا خير يرتجى من وراء الطبقة السياسية وانها اصيبت بخيبة امل لامكانية اصلاحها فالمشتكى الى الله تعالى ).
هذا هو السرد الموجز لمسيرة الشعب التاريخية واما الواقع المعاش فهو اشد صعوبة وفوضى حتى اصبح يعد من اكبر الدول التي تمتاز بقوة وسطوة المافيات التي تفوقت على المافيات الايطالية بمراحل وقد تكلم السيد رئيس الوزراء عنها في اكثر من مناسبة بل اشار الى شدة سطوتها وانه قد يعرض حياته للخطر بركوبه موجة الاصلاح وهو ما نراه الان على ارض الساحة السياسية وكيف تصرف الكثير من قادة الكيانات ازاء مرفق بسيط من مرافق الاصلاح وهو التغيير الوزاري ومحاولة التخلص من المحاصصة.
فكيف يمكن التعامل مع الكثير من الملفات المعقدة في الجوانب كلها، الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية او الطائفية الى جانب السياسية؟.
ما هي آلية التعامل للسيطرة على جانبي الفساد المالي والاداري؟، فقد امسى عرفاً سائداً ان يتسلم الموظف العراقي للرشوة لغرض تمشية المعاملات وقبل استلام المسؤول لمنصبه سواء وزيرا او مدير عام او حتى رئيس قسم يفكر بكيفية تعيين من يحب الى جانبه على حساب الكوادر العراقية الاخرى.
وجنوح الكثير من العشائر مع كل تقديرنا واحترامنا لها للسيطرة على الواقع الاجتماعي وفق مشتهياتها وبالعرف العشائري المعروف ( بالسواني ) حيناً وبمنطق القوة في اكثر الاحيان.
ومن يستطيع تغيير واقع التعيين المزري في وزارة الداخلية مثلاً والذي هبط بمستوى البلد الى الارض، فلك ان تتصور عزيزي القاريء كم هو الفرق بين الشروط المفروضة على المتقدم في الدول المتطورة للعمل كشرطي او حتى في دول مجاورة كدول الخليج وبين واقع حالة الشرطي لدينا والذي لايدرك شيئاً من المفاهيم الاجتماعية وبعيداً كل البعد عن فهم التعامل النفسي مع افراد المجتمع بل هنالك نسبة كبرى من الامييين منهم وما يتمتع به الشرطي البريطاني مثلاً وهو امر ان صلح واستطعنا جلب كادر مثقف للعمل كشرطة في وزارة الداخلية من شانه القفز بواقع البلاد الى الامام بمراحل.
هذا طبعاً الى جانب الملفات الكبرى والتي تعد الكثير منها ملفات اساسية لايمكن للبلد ان يستقر وتستتب اموره دون حسم امورها كملف الدواعش وموقف الاخوة السنة منه وملف كركوك وبقية المدن المتنازع عليها، وملف الاحزاب وملف تغيير الدستور ، وملف الانتخابات واصلاح امرها الذي لايمكن ان يستقيم ولايمكن الاتيان بفئة تخدم البلد بشكل مخلص وكفوء دون اصلاح مفوضية الانتخابات وايجاد مفوضية بالمستوى المطلوب من الكفاءات القادرة. ناهيك عن تعامل بعض الساسة بكل دونية مع الدول الاخرى واستعدادهم لبيع البلد لخدمة مصالحهم الضيقة ومن هذه المواقف المشينة على سبيل المثال لا الحصر مدح طارق الهاشمي لتركيا في الوقت الذي تتواجد قواتها على ارض العراق.
وهكذا بالنسبة الى ما يمكن ان نطلق عليه ملف المظاهر او ما شاكل ذلك فلابد من منع انتشار صور المسؤولين والرموز مهما كانوا تماماً كما هو موجود في بقية الدول ويكون الاقتصار على نشر صور الشهداء فقط.
وهكذا بالنسبة للعطل الرسمية وتعطيل الدوام بحيث يحدد عدد معين لايام العطل لا يتعدى اصابع اليدين وتلتزم به كل محافظات القطر وليس كما نراه الان بقيام محافظة بتعطيل الدوام في مناسبة معينة حسب قناعة حكومتها المحلية دون محافظة اخرى الامر الذي ساهم في ترهل الوضع الرسمي للدولة واضعف هيبتها.
ان رأيي يتلخص بعد هذا السرد الذي لابد منه الى تبني ما يمكن ان نطلق عليه ( حملات الحسم )، بحيث تتكاتف الجهود الخيرة لتبني حملة لتصحيح مرفق من هذه المرافق الشائكة ويتم العمل على اصلاحه وبعدها يتم تبني مرفق آخر ومن الممكن التزام اكثر من ملف ان تطلب الامر.
وقد يثير البعض تساؤلاً حول آلية او كيفية تطبيق ذلك. والجواب على هذا ليس بعسير فما دامت الحالة السلبية مشخصة ومتفق على ضرورة اصلاحها والتخلص من تبعات ما جلبته وتجلبه من سلبيات على البلد فهذا يعني نصف العلاج والنصف الاخر هو بالتاكيد يكمن في امور واضحة لا خلاف عليها ومنها:
* جدية المتولين على امر الاصلاح وغاياتهم وتبعياتهم.
* اخلاصهم ونزاهتم وامكانياتهم. ولمعرفة حقيقة اي شخص واخلاصه او نزاهته وامكانياته وكفاءته لابد من الرجوع الى دراسة تاريخه بشكل جدي لامجاملة فيه.
* الاستفادة من التجارب التي مر بها البلد سواء الناجحة منها للاستعانة بها او الفاشلة للابتعاد عنها.
* الاستفادة من خبرات وتجارب الغير دولاً وشعوباً وافراد ما امكن لاختصار عامل الزمن وتقليل الجهد والمصاريف.
* الاستعانة بالامكانيات وجلبها من مصادر ودول تريد للعراق الخير بشكل يتم التاكد منه.
* اعطاء الدور الاعلامي اولوية كبرى، فعلينا ان نعترف بقصور الدور الاعلامي لدينا فيجب اعداد حملات اعلامية كبرى للتركيز على امرين، تغذية الروح الوطنية وحب الوطن لدى الجمهور وثانيهما نشر الوعي وتحسين الواقع الثقافي وبشكل ملزم لمن لايعيه لتخلفه ولو بالقوة. فلايمكن مثلاً تقبل دخول مجموعات متخلفة الى الردهة التي يرقد فيها العديد من المرضى مع نسائهم وهن يصرخن لمجرد ان حالة مريضهم سيئة بسبب تخلفهم وعدم ادراكهم لحقوق
المرضى الاخرين، ولايجب ترك العراق بهكذا وضع متخلف في الوقت الذي تتقدم فيه بقية الشعوب سبقت هذا البلد بمراحل ونحن في القرن الواحد والعشرين ومن المؤكد ان هنالك من يريد بقاء هذه الشريحة المتخلفة على حالها لاستمراره باستغلاله البشع لها وتسخيرها لمآربه الضيقة.
واخيراً بقي هنالك ملف مهم جداً اعتبره انا راس الحربة في القضية العراقية وما لم يحسم لايمكن لشمس العراق ان تشرق ولهذا فانني اخصص له المقالة الثانية المكملة لهذا الموضوع سائلينه تعالى ان ياخذ بيد العراق والعراقيين الى مصافي الدول السعيدة انه نعم المولى ونعم الوكيل.