23 ديسمبر، 2024 9:39 م

الى الشاعر الكبير (محمد على الخفاجي) … يا ابن صاعود النخل ستبقى شاعرًا ومسرحيًا كبيرا

الى الشاعر الكبير (محمد على الخفاجي) … يا ابن صاعود النخل ستبقى شاعرًا ومسرحيًا كبيرا

الشاعر والفنان المسرحي والأديب والروائي وكل مبدع هو رسول عصره وليس هو الذي ينسج معاني الجمال فقط ويبدع الصورة بالحرف ويبعث الروح في الكلمة ويبنيها بالمعاني والدلالات والصورة والأفكار والرؤى المتجددة . ليس الشاعر موقفاً أدبياً أو جمالياً فقط بل هو موقف أخلاقي وأنساني أيضاً في تعامله مع الكلمة وفي تعامله مع الذات ومع الأخر ومع الأشياء في الواقع وخارج منطقة الواقع … هكذا هو الشاعر محمد علي الخفاجي فهو إلى جانب كونه شاعرا ومسرحيا مبدعا فهو إنسان أيضا يتمتع بروح المحبة والسمو والأخلاق العالية … لم أره يوماً يحمل ضغينة او حقداً او كرهاً لأحد انه صديق الجميع .. لم ينس مدينته كربلاء يوما وقد رحل عنها بفعل ظروف قاهره ولم ينس أصدقاءه ومحبيه يتفقدهم واحداً واحداً يسأل عن أخبارهم ، إبداعهم ، همومهم , أفراحهم .
هذا هو الخفاجي متعدد الثقافات فهو شاعر ومسرحي ولغوي وقبل كل هذا أنساني ولد في كربلاء عام 1946 عمل مدرسا للغة العربية بعد إكماله الدراسة الجامعية في كلية الآداب جامعة بغداد ، شهدت له كربلاء قصائده الأولى في دواوينه شباب وسراب عام 1964 ، مهرا لعينيها عام 1965 ، لو ينطق النابالم 1967 ، أنا وهواك عام 1970 ومسرحية ثانية يجيء الحسين التي استقاها من منابع مدينة كربلاء الثرة ومن أعظم ينبوع في التاريخ الإنساني فداءاً وبطولةً وأدباً وثقافةً وحضارة ، ملحمة الطف الخالدة والتي فازت بجائزة المسرح العراقي في يوم المسرح العالمي . ثم تواصل في شعره وكان ديوانه لم يأت أمس سأقابله الليلة عام 1975 منعطفا جديدا في رؤاه الشعرية وانتقاله إلى القصيدة السياسية قصيدة الإنسان والحرية ، قصيدة الموقف والكلمة الصارخة بوجه الظلم والعدوان والزيف والباطل إنصافاً للحق والعدل وحرية الإنسان وتحطيم قيود العبودية ومصادرة الرأي وسجن الفكر التي تمرد عليها الخفاجي في شعره وحياته .

لا أريد التحدث عن الخفاجي شاعرا فلقد تحدث الكثير بهذا الخصوص .. ولكنني سأتحدث عن الخفاجي مسرحيا بشيء من الإيجاز والتكثيف فقد بدأت بوادر عطائه المسرحي في مطلع السبعينات من القرن الماضي ، أي قبل أكثر من أربعين عاما عندما كان يزور كلية الفنون الجميلة قسم المسرح ليلتقي أصدقاءه هناك طلبةً وأساتذة … وراح يجلس معهم على كراسي الدرس يتلقى محاضرات ودروس نظرية وتطبيقية في الصوت والإلقاء ومدارس التمثيل والإخراج والتذوق الموسيقي والأزياء وتاريخ المسرح ونظرية الدراما وعلم الجمال كمتلقي وليس كطالب على يد عمالقة المسرح في العراق إبراهيم جلال وجاسم العبودي وجعفر السعدي واسعد عبد الرزاق و سعدي يونس وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد وغيرهم . هذا التواصل اليومي مع المسرح خلف رغبة وحبا للعمل الدرامي واثر في شعره تأثيرا كبيراً بحيث تحولت لغته تدريجياً إلى لغة درامية تفيض بالحوار والفعل والصراع والحركة المتجددة .
وهكذا انطلق الخفاجي في عالم المسرح مؤلفا ليكتب لنا (ثانية يجيء الحسين) و (أدرك شهرزاد الصباح) ومن بعدها مسرحية (حين يتعب الراقصون ترقص القاعة) التي فازت بجائزة اتحاد كتاب المغاربة عام 1974 ومسرحية (أبو ذر يصعد معراج الرفض) التي فازت بجائزة اليونسكو عام 1980 ومسرحية (ذهب ليقود الحلم) وفي عام 2001 قدم الشاعر الخفاجي مسرحية (أحد يسلم القدس هذه الليلة) إضافة إلى مسرحيات للأطفال
لقد حاول الخفاجي في مسرحياته الشعرية أن يجعل التاريخ بكل ما يحمله من رموز مضيئة ومظلمة جسرا إلى الحاضر في محاولة لإيجاد مغزى واحد للأهداف والقيم التي ينطوي عليها كلا المسارين الماضي والحاضر في إطلالة واستشراف للمستقبل
لقد تعامل محمد علي الخفاجي مع الشعر بوصفه عنصراً درامياً وحاول توظيفه في خدمة البناء الدرامي وتناميه مستغلاً الطواعية والمرونة التي تتوافر في الشعر العربي الحديث واضعا في حسابه أن الشعر الدرامي ليس زخرفا يضاف إلى المسرحية بل هو عنصر مهم من عناصر بنائها ويدخل في صميم الفعل الدرامي وليس خارجاً عنه ولذا فقد كتب نصوصه الدرامية جميعا بشعر حر ومنثور أحياناً يعتمد على وضوح المفردات وبساطة التراكيب ويخلو كلياً من خصائص الشعر الغنائي فقدم لنا لغةً من أهم مظاهرها الأسلوبية هو الإيجاز والتركيز في الصياغة و التكثيف والتصوير في المعنى ، بحيث تتصف بجو شاعري شفاف ورقيق وتنساب ألفاظها برشاقة وتلقائية وسلاسة بلا حشو او تطويل وحوارها لماح يصل إلى هدفه مباشرة .
أن لغة المسرح عند الخفاجي لغة سلسلة وصالحة للحياة ، في كالشعر وخير من الشعر أحيانا بلغة عربية فصيحة مطواعة على اللسان طيعة للآذان ، حيث نجد رواد هذا الاتجاه في كتابة الشعر والمسرح والخفاجي منهم مسكونين بتحويل العالم إلى كلمات شعرية وتصبح ثنائية الداخل والخارج متجاوبة لا متعارضة في أشعارهم وكتاباتهم والى هذا الأمر يعود السبب في وصف نتاجهم بالحيوية والقابلية على إنطاق شفة الحياة بالشعر وكأنه يصدر عنها ومنها لاعنهم ومنهم . ومن ابرز كتاب هذا الأسلوب يوسف الصائغ و فلاح شاكر و جليل القيسي و عقيل مهدي يوسف والخفاجي
تحية لشاعرنا المبدع وهو يمثل درة متلألأه في تاج كربلاء الأدبي الزاهر المتوهج ونخلة كربلائية عراقية أصيلة في ارض العراق تمتد جذورها إلى نهر الحب والصفاء والصدق والتسامي والإبداع على مستوى الشعر العالمي .
ندعو لك بالصحة والعافية والسلامة التامة أيها الخفاجي وفاءا وعرفانا بحبك لأدبك وإخلاصك لفنك ومدينتك وناسك ومحبيك … ودمت سالما معافى من كل مكروه .
*صاعود النخل.. عنوان قصيدة للشاعر الخفاجي يتحدث فيها عن والده رحمه الله