في الحلقتين السابقتين ، ٣٦ و ٣٧ وصفنا ذهاب زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر ومعها الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله الى البصرة وليس الى المدينة المنورة للاقتصاص من قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان بالخطأ القاتل ، وشرحنا اوضاع المنطقة بشكل عام ومدينة الرسول بشكل خاص عند مقتل عثمان … في هذه الحلقة سوف نكمل هذا الموضوع.
زوجات الرسول (ص) كُنْ قد ذهبن للحج ، وبعد مقتل عثمان رفضن العودة الى المدينة وبقين في مكة اربعة أشهر بعد مقتل الخليفة الثالث .. وهذا هو صوت احتجاج واضح ، حيث لم يرجعن الى بيوتهن في المدينة إلا بعد أن غادرها علي مع قتلة عثمان !! .. كذلك فعل الرعيل الأول من الصحابة ، الزبير بن العوام و طلحة بن عبيدالله حيث تركا المدينة مثلما فعل المغيرة بن شعبة وتوجها الى مكة للإلتحاق بزوجات الرسول … أما المقاطعة ” السلبية ” للوضع الجديد من قبل رجال الخط الأول من الصحابة فمثله خال الرسول سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر بن الخطاب حيث اعتزلا المشهد السياسي بالكل آخذين ( على ما نعتقد ) بوصية الرسول (ص) من انه اذا حدثت الفتنة الشديدة فالزموا بيوتكم ; يعني العصيان المدني !! فرفض عبدالله بن عمر تولي منصب والي بلاد الشام بدلاً من معاوية ; وهذا كذلك صوت احتجاج واضح للحلف الجديد بين علي وقتلة عثمان الذين اصبحوا قوة ضاربة في جيش علي !! حيث أخذهم علي معه الى البصرة لقتال عائشة وطلحة والزبير، الذين لو كانوا يبغون قتال علي لذهبوا الى المدينة وليس الى البصرة !
لم يبعث الخليفة الرابع برسالة الى زوجات الرسول ولا لأهل مكة للتنسيق معهم على مساعدته في تطبيق شرع الله في قتلة عثمان .. بل على العكس من ذلك ، فبدلاً من أن يستعين الخليفة الرابع بالجيش الذي فتح جزيرة قبرص وصقلية في قارة اوروبا وقرطاج وغالبية قارة افريقيا ، جيش معاوية في بلاد الشام ، قرر علي خلع معاوية عن ولاية بلاد الشام ، وهي رسالة واضحة من الخليفة الجديد على توجهه … اذاً الوضع الجديد قطعاً كان غير طبيعي وشرعية الخليفة الرابع لمن عاش تلك الفترة قطعاً كان الكثير يراها محل تساؤل .. حيث منح علي بن أبي طالب الغطاء ” الشرعي ” للغوغاء بقتل ثلاثة من أوائل الذين دخلوا في الاسلام ، خليفة المسلمين عثمان بن عفان و ابن عمة الرسول الزبير بن العوام و وعديل الرسول طلحة بن عبيدالله .
الشيخ محمد حسان عندما تحدث في هذا الموضوع قال عندما طرح الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله على عائشة في مكة بعد ٤ أشهر من مقتل عثمان ضرورة الاقتصاص من قتلة عثمان قالت لهم لنذهب اذاً الى المدينة المنورة حيث يوجد قتلة عثمان ( وهذا في رأي هو عين العقل ) .. ولكن طلحة والزبير اخبراها باستحالة فعل ذلك حيث ان قتلة عثمان هم المسيطرون على المدينة ! .. عندها وافقتهم للذهاب الى البصرة لأن قسم من قتلة عثمان كان قد ترك المدينة المنورة وعاد الى أهله في البصرة ، خاصة ان والي البصرة الذي خلعه علي لم يرجع الى المدينة وإنما توجه الى مكة وشجع عائشة وطلحة والزبير بالذهاب هناك فان له أنصار في البصرة ; وهذا في رأي عمل غير مبرر وغبي جداً، لماذا نرى ذلك؟
لأن الاقتصاص من قتلة عثمان كان يجب أن يكون معنوياً وليس مادياً ; أي أنهم ( عائشة وطلحة والزبير ) لا يؤثمون اذا لم يقتلوا كل فرد شارك في قتل الخليفة .. ولكن القصاص المعنوي له طريقان لا ثالث لهما ; الأول هو محاصرة المدينة بقوة عسكرية كافية (لأن الجريمة حدثت في المدينة) وذلك بجلب قوات من بلاد الشام والطلب من الخليفة الجديد تسليمهم قتلة عثمان ، وانهم بعدها سوف يبايعون علي خليفة للمسلمين .. بالتأكيد علي لا يستطيع تسليمهم لأن قتلة عثمان كانوا القوة الرئيسية المسيطرة على المدينة ، وبذلك لا يبقى لهم سوى القتال أو الهروب من المدينة … أما الطريق الثاني فهو طريق سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر بن الخطاب ; المقاومة السلبية للحلف القائم بين علي وقتلة عثمان .
ان ذهاب عائشة وطلحة والزبير بالجيش الى البصرة كان بمثابة طوق نجاة الى علي حيث بقى في المدينة محاطاً بقتلة عثمان ، وهذه ليست منزلة مشرفة لبطل معركة بدر ، فوجدها فرصة ذهبية لمغادرة المدينة يتبعه قتلة عثمان وبعض من انصاره وأبناء عمومته . فغادر علي مدينة الرسول الى الأبد ولم يعد لها ولا الى مكة المكرمة مرة أخرى ، خاصةً بعد أن أكمل الغوغاء جريمتهم بقتل ابن عمة الرسول الزبير بن العوام الفارس الذي حارب بشراسة كفار قريش وجزيرة العرب .. فذهب علي يبحث عن ” شعب ” جديد يحكمه فاستقر في العراق الى أن قُتِل هناك ، بعد أن ساءت علاقته مع شعبه ” الجديد ” حيث وصفهم بأخس الصفات ( لقد ملئتم قلبي قيحا .. لقد سئمتكم وسئمتموني ) !!
في الختام ، ارجو أن يكون القارئ هنا قد استطاع أن يرى الصورة كاملة بدلاً من الأحكام المسبقة لكلا الفريقين .