-1-
لو قيل لي :
هل ثمة من مؤشر يكشف لنا ما تنطوي عليه الشخصية الانسانية من سمّو ورفعة وجلال ؟
لأجبتُ :
نعم
إنّ البرّ الاجتماعي ، والعناية الفائقة بالفقراء والبائسين الذين يصطلون بنار الفاقة والحرمان هو من أكبر المؤشرات على التألق الرساليّ ، والشموخ الانساني والطُهر الذاتي ، والتفاعل الحقيقي مع معطيات القرآن …
-2-
واذا كان علي أمير المؤمنين يتصدق على الفقير بخاتمه وهو في الصلاة، والزهراء تقضي ليلة جمعتها بالصلاة والدعاء ولا تخص نفسها بشيء منه ، وترفع شعار (الجار قبل الدار)
فكيف يجب أن يكون الحسين ؟
انّه الغصن اليانع من هذه الدوحة المباركة .
وهو الذي عشق الايثار وقدّم كل ما يملك من نفسٍ وأهلٍ وأصحابٍ ومالٍ لانقاذ الانسانية المعذبة من الظلم والظلام .
-3-
جاء في كتب التاريخ :
شوهد على ظهر الامام الحسين (ع) بعد استشهاده نُدوبٌ خشنة ، ولمّا سْئِل الامام زين العابدين (ع) عنها قال :
انها آثار ما كان يحملُ من طعامٍ وغيره ليوصله الى بيوت الأيامى من النساء ، واليتامى من أطفال الفقراء والمساكين “
تتجلى العظمة في أنَّ الحسين (ع) لم يكن يغفل يوماً عن الأكباد الحرّى وعن المحرومين البائسين …
انه يفكرّ فيهم وفي الوسائل والطرق التي تخفف من وطأة معاناتهم …
وكان بمقدوره أنْ يرسل لهم الطعام عَبْرَ مَنْ يستخدمه لهذه الغاية ،
ولكنه يأبى الا أنْ يمارس لوناً جديداً من العبادة ،
إنّ حمل الطعام الى الفقراء والبائسين ما هو الاّ العبادة الاجتماعية ، وهي المظهر الانساني لعمق الايمان بالله وبالانسان .
-4-
مَنْ منكم ايها السلطويون عاش آلام الفقراء وفكّر في إنعاشهم ؟
مَنْ منكم سمح لهم بمقابلته واستمع لشكواهم ؟
من منكم سعى لزيارتهم وتفقد أحوالهم ؟
أليس قبيحا أنْ يكون اهتمامكم محصوراً بانفسكم وعوائلكم وأتباعكم ؟
أليس معيبا أنْ تتذكروا الفقراء في مواسم الانتخابات فقط ؟
أليست جريمة كبرى ان يتوالى الضحك على ذقون المستضعفين والبائسين مرة بعد اخرى عبر سندات التمليك الوهمية وعبر الوعود المعسولة ؟
-5-
ان الحسين كان يحمل الطعام على ظهره ويوصله اليهم فمن منكم يستطيع الادعاء أنه حاول ذلك ولو لمّرة واحدة ؟
-6-
ان أموال الفقراء والضعفاء قد تَمَّ نهبُها على أيديكم ، تماما على العكس مما يقتضيه انتماؤكم للحسين ومدرسته ، ومع ذلك كلّه ما زلتم تخدشون مسامع الفقراء بالكلمات الباردة التي تشيدون فيها بأنفسكم وانجازاتكم..!!
-7-
نحن ندعوكم الى وقفة جادة تحاسبون بها أنفسكم وتقارنون بين مواقفكم وموقف الامام الحسين أبي الأحرار ، ونصير اليتامى والأرامل ، صاحب القلب الحاني الكبير والعطف الانساني الخطير ، والرحمة الغامرة ، والشفقة الباهرة على المكروبين …
-8-
مَنْ منكم زار مخيمات النازحين وتفقدهم بالكلمة الطيّبة، فضلاً عن الإمداد بما يحتاجونه من وسائل العيش الكريم ؟
وحتى الأموال المخصصة لاعانتهم لم تصل اليهم ..!!
أليس هذا من أكبر ألوان الجحود ؟
وأين السارقون والجاحدون من الحسين المعطاء الذي ضحّى وقدّم كل ما يملك ؟
-9-
ولن تنطلي على الجماهير الحيل المصطنعة للظهور أمامهم بمظهر عشّاق الحسين والغارقين بالشجى والاحزان لما حلّ به .
ان عشّاق الحسين هم الذين يبذلون مهجهم وأموالهم في سبيل الله ، والذي يعني عمليا سبيل الانسانية والمستضعفين من النساء والرجال والولدان .
وانتم عن ذلك بعيدون ، وبأموالكم مشغولون ، وبمناصبكم مغرورون ، وبانتسابكم الى الحسين كاذبون …