-1-
كثيرة هي القصص البليغة ، والحكايات المعبّرة عن المعاني الانسانيّة العميقة، وسواء كانت تلك القصص صحيحة صادقة أو لم تكن كذلك ، فانّ فيها معنى العظة ، والدعوة الى الاعتبار، بما انطوت عليه، من دروس ثمينة ، وكنوز غالية ….
وتُعتمد القصةُ وسيلةً من وسائل التربية والتهذيب للأخلاق، انطلاقاً من تأثيرها السحري على النفوس، وشدّة التفاعل مع ايقاعاتها المختلفة ….
-2-
ومن القصص الطريفة في هذا الباب:
ان رجلاً من رجال الوطنية الصادقة، دُعي للدفاع عن وطنه ، في معركة دارت رحاها على الحدود ، فانطلق وساهم في المعركة، وأبلى بلاء الأبطال ، وأثبت أنه ممن يفتدي الوطن بنفسه، وبكل ما يملك من قوّة .
ثم أَزِفَ موعد عودته الى أسرته وبيته ، بعد تلك المشاركة الباسلة والمواقف المحمودة ، وفي طريق العودة ، وقبل ان يصل الى أهله ، أخبره المُخبر :
ان زوجته أصيبت بمرض (الجُدري) ، وقد شوّه المرض وجهها ، وعبث بنضارته ، وأضرّ بجمالها ايّما إضرار …
لقد كان وَقْعُ الصدمة عليه كبيراً وقاسياً ….
كان يأمل – وهو الظافر المنتصر – أنْ يعود الى بيته لينعم بالسعادة مع زوجته الجميلة الي يحبها وتحبه ، ومع صغاره الذين كانت أمهم الجميلة ترعاهم خير رعاية في غيابِهِ .
ولكن الصورة قد اهتزت الآن ، بعد ان ألحق المرض بزوجته ما ألحق من التشوهات …..
وعهد هو الى حيلة عجيبة .
فقد لاحظ رفاقه ، بعد إبلاغه الخبر بيومٍ واحد ، أنه أصبح مُغمّضاً عينيه، فتوقعوا أنه فقد البصر لهول الصدمة ..!!
لقد عزّ عَليهم ذلك ، وهم يعلمون ان فقدان البصر ليس شيئاً سهلاً .
ان صاحبهم أصبح محجوباً عما يدور حوله ،ولايبصر من ذلك شيئاً على الإطلاق وهو ما يعرضّه لأشد الالام نفسياً ، فضلاً عن الآثار السلبية الأخرى في باقي المضامير …
لقد أوصله رفاقه الى بيته، وتركوه ليواصل مشواره مع عائلته ، في ظلّ ما نزل به وبزوجته من عوارض رهيبة …
وبعد مرور حفنة من السنين ، لبّت الزوجة نداء ربها ، ورحلت عن هذه الدنيا الى الدار الباقية ، واذا بالرحل يفاجئ أصحابه وأحبابه ، وَمْن وراءهم من الناس أجمعين – بأنه رجلٌ يستطيع الإبصار ، وبكل اقتدار ..!!
واكتشف الجميع أنه كان أغمض عينيه وتظاهر بعدم الابصار ، خِشيةَ أَنْ يمس مشاعر زوجته الرقيقة، التي لم تكن تريده ان يرى شيئاً من التشوهات في وجهها .
انه سمّو اخلاقي، وحس انساني مرهف ، ورغبة صادقة أصيلة في تحاشي إثارة الشجون …
-3-
وان أحقّ من يجب ان يتعظ بهذه القصة، هم السلطويون الذين يحسبون أدق الحسابات لمصالحهم ، وكتلهم ، وحاضرهم ، ومستقبلهم ….
ولكنهم لايحسبون حساباً لما أحدثوهفي نفوس المواطنين من كربات أو خيبات أمل ، حتى أمكن القول :
انهم في واد ، والشعب في وادٍ آخر
-4-
وانهم سوف يحصدون ما زرعوا قريباً، فنحن على ابواب الانتخابات النيابية العامة التي ستجري حسب ما اتفق عليه في نهاية نسيان من العام القادم .
وسيكتشفون بأنفسهم ردود الافعال الشعبية، على تلك الممارسات الفجة، والاستهانة الكبيرة بمشاعر المواطنين، الذين يرون باعينهم ان السلطويين يحمون أنفسهم من المخاطر، ويتركون صدور المواطنين وظهورهم، عارية معرضة لكل ألوان الغدر الارهابي …
حتى بلغت قوافل الشهداء والأرامل والأيتام والمعاقين والمجروحين أرقاماً قياسية …
ومهما اجتهدوا في استغلال مناصبهم فلن يفلحوا
وقديماً قال الشاعر :
اذا لم يكن عون من الله للفتى
فأولُ ما يجني عليه اجتهادُه
اننا نتوقع أنْ تفرز الانتخابات النيابية القادمة خريطة سياسية جديدة ، رغم كل المحاولات التي يبذلها المحترفون السياسيون للحيلولة دون دخول وجوه وطنية شابة جديدة الى قاعة مجلس النواب !!
والغريب :
اننا بدأنا نسمع كلماتٍ تُلقي باللوم على المواطنين ، وتشير الى النتائج السلبية للانتخابات القادمة ، وكأنَّ المواطنين هم الذين أغرقوا البلاد بالفساد..!!!