من المعلوم إن التهيأة لأي عمل عسكري يتطلب تحضيرات عديدة ومتشعبة خصوصاً إذا كان التخطيط للعمل العسكري هو لمواجهة تحديات كبيرة أو لمعالجة صراعات سياسية مهمة بين الدول كما هو الحال في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران . فإستمرار تطور الأزمة بين البلدين وتعقيد المشهد في منطقة الشرق الأوسط إستدعى الولايات المتحدة الأمريكية أن تحشد جزء من قوتها العسكرية الضخمة في المنطقة لمواجهة ومعالجة تلك التحديات . فتحريك حاملتين للطائرات الى منطقة الخليج مع الوحدات والقطع البحرية العديدة والمتنوعة المساندة والمرافقة لهما بالإضافة إلى تحريك وتفعيل أضخم الطائرات الحربية في العالم وهي B52 الى جانب نشر منظومة باتريوت وتتويج كل هذه الإستعدادات بدخول أضخم مستشفى عائم في العالم لتوفير الدعم والخدمات الطبية في حالة إندلاع العمليات العسكرية . هذه فقط الإستعدادات التي أُعلن عنها صراحةً ، أما التي لم يُعلن عنها فلا يعلم عنها إلا الله وترامب . إن مثل هذا التحشيد العسكري وإدامته يتطلب بدون أدنى شك إنفاق ملايين بل مليارات الدولارات ، سواء قامت الحرب بين الطرفين أم لم تحدث ، مع العلم إن تكاليف الحرب لو قامت ستكون أضعاف وأضعاف كلفة التحضيرات العسكرية واللوجستية . ومن المنطقي إن الإدارة الأمريكية ليست غبية لتنفق تلك المليارات بدون معالجة حقيقية وحاسمة لمشكلة النظام الإيراني . وهنا سوف يتحقق بالفعل ، وبدون أدنى شك ، واحد من أمرين :
أولهما ، رضوخ النظام الإيراني كلياً للشروط الإثنى عشر التعجيزية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على النظام الإيراني لتطبيقها حرفياً وبدون مناقشة ، ( وهنا كأن الإدارة الأمريكية وضعت إثنى عشر شرطاً مقابل عدد الأئمة الإثنى عشر المعصومين – أي كل شرط مقابل إمام معصوم ) ، مع إشتراط واحد فقط وهو السماح للسلطات الإيرانية من إستخدام كافة وسائل الإعلام لديها للإعلان أمام الشعب الإيراني بأن إيران قد إنتصرت على الشيطان الأكبر واستطاعت أن تُهزم الأعداء بحيث لم يجرأو على مواجهة القوات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني ، بحيث تحاول أن تقنع الآخرين ضمن محيطها بأنها الدولة التي لم تستطع أكبر دولة في العالم من مواجهتها وذلك لحفظ ماء الوجه . هذا كل ما تريده وترغب به إيران في الواقع عندما ستجد الولايات المتحدة الأمريكية جادة في أهدافها وجلب مثل هذه القوة العسكرية ليست لعبة سياسية غبية بمستوى بعض سياسيي المنطقة . وهنا سيقوم التحشيد العسكري الأمريكي بتصفية أذرع إيران في المنطقة خصوصاً في العراق وسوريا ، وهنا يأتي دور إسرائيل بتحجيم قدرات حزب الله اللبناني والذي سيفتح مع منظمة حماس جبهة مواجهة مع إسرائيل بتوجيه إيراني غير معلن وستكون النتيجة ، حسب المعطيات ، نهايتهم . بالتأكيد سيواجه الحشد الشعبي العراقي جانب من الضربات المؤثرة والمؤلمة التي ستخلق حالة من الإضطراب العسكري والسياسي على الساحة العراقية وستعم حالة من الفوضى في إستتباب الأمن في العراق وستتسابق جميع القوى التي لها مليشيات مسلحة لتعزيز سيطرتها على مصادر النفوذ دون أي مراعاة للمصلحة الوطنية وستحدث إصطدامات مسلحة محلية لأغراض السيطرة والتصفيات . وسيكون دور الدولة في السيطرة على الأمور شكلياً ولا تستطيع السيطرة على مراكز القوى المتوحدة تحت راية المذهب والمتصارعة حول النفوذ والإمتيازات . النتيجة ستكون بإتجاه تحجيم دور وتأثير مكونات الحشد الشعبي الموالي لإيران في مفاصل الدولة العراقية الهزيلة . النتيجة سيفقد العراق أرواح عشرات الآلاف من شبابه البسطاء والمغيبين بسبب قادته الجهلاء ، وستعاد الهيكلية السياسية في العراق وفق سياق مختلف ستفرضه الإدارة الأمريكية .
ثانيهما : إحتمال إندلاع العمليات العسكرية بين الطرفين لسبب أو آخر ، وهنا ستكون النتيجة واضحة وهي خسائر كبيرة جداً في الأرواح والمعدات والبنى التحتية لجميع الدول التي ستكون جزء من الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر . ومن البديهي ستواجه الدول المتصارعة وفي مقدمتها إيران والدول المساندة لها أكبر الخسائر البشرية والمادية وستتحول المنطقة الى خراب يضاف الى ما هو حاصل من خراب في المنطقة . وستدخل إيران في نفق ليس له منفذ لعدة سنوات عديدة مقبلة . وهنا سيتحمل العراق تكاليف غبائه لموقفه غير المدروس من الصراع وسوف يتحقق مبدأ إعادة التوازن في النظام السياسي العراقي بحيث يتحجم دور إيران في العراق بشكل كبير وكذلك في بقية مناطق الشرق الأوسط .
الخلاصة ، فقط واحدة من الإحتمالين ممكن أن يتحقق ، إما رضوخ إيران لكامل الشروط المفروضة عليها من قبل الإدارة الأمريكية أو مواجهة الحل العسكري الذي هو في غير صالحها في أي حال من الأحوال . وحسب تقييمي كمتابع دقيق للأحداث فإن السيناريو الأول هو الذي سوف يتحقق وستتحمل إيران أولاً والدول الأخرى ذات العلاقة تسديد فواتير تلك المواجهة الى الولايات المتحدة الأمريكية كاملةً . سأتوقف عن الكتابة كلياً إذا تحقق غير ذلك ، وأرجوا من القرّاء أن يتذكروا ذلك .